عندما تذكر البدلة الصيفية، أول ما يتبادر إلى الذهن الألوان الفاتحة والكتان والقطن، نظرًا لمقاومتها التعرق وحمايتها من أشعة الشمس فوق البنفسجية. ولأن الكتان يتجعد بسرعة، مما يجعل البعض يكتفي به في الإجازات ويتجنبه في المدن وأماكن العمل، فإن القطن، خصوصًا، نسيج يعرفه الخياطون في كل أنحاء العالم باسم «سير ساكر»، يبقى الخيار الأمثل، لأنه يحافظ على الجسم منتعشًا طوال الوقت، وينسج أحيانًا مخلوطًا بالحرير أو الصوف لتحسين قوامه. ورغم أنه اشتهر عالميًا بفضل نجوم هوليوود، مثل غريغوري بيك وكاري غرانت وغيرهما في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فإن أصل هذا القماش «سيرساكار» ومعناه «حليب وسكر» هندي، إشارة إلى ألوانه الفاتحة وخطوطه المتغضنة والناعمة في الوقت ذاته. للوهلة الأولى، قد يبدو مثل الكتان متجعدًا، لكن الفرق بينهما أن هذه الصفة تدخل في صميم شخصية «سيرساكر» وطريقة نسجه. وتقول القصة إنه وصل إلى خياطي «سافيل رو» وغيرهم بفضل الإنجليز المقيمين في الهند عندما كانت هذه الأخيرة مستعمرة بريطانية. لكنه عرف شهرته وشعبيته العالمية في الولايات المتحدة في عام 1909، على يد رجل أعمال اسمه جوزيف هاسبل، شدته عمليته عندما رأى العاملين في سك الحديد والمزارع وحقول البترول يستعملونه لميزاته التي تتيح لأجسامهم فرصة التنفس والحركة. ألهمه منظرهم أن يطور القماش ويستعمله في بدلات تتحدى حرارة شمس جنوب أميركيا، وتحديدا نيو أورليانز، حيث كان يعيش، وأطلق على شركته اسم «هاسبل سيرساكر». وجد في البداية مقاومة من قبل الطبقات المتوسطة والغنية لأن النسيج ارتبط في أذهانهم بالبلوريتاريا، لكن في العشرينات من القرن الماضي وبعد أن عانقه طلبة جامعات في أنشطة رياضية نخبوية تقام في الهواء الطلق، تغيرت الصورة بشكل إيجابي، وزاد بريقها بعد أن ظهرت به مجموعة من نجوم هوليوود. لم يتوقع هاسبل حجم الإقبال على هذه البدلات، وكيف وجدت هوى في نفوس شريحة كبيرة من الرجال، خصوصًا وأن استعمالها لم يبق مقتصرًا على مناسبات النهار، بل وصل إلى حفلات الكوكتيل والسهرات. لم تكن تصاميمها متكلفة أو تدعي الأناقة الراقية، لكنها كانت بمستوى جعل الكل يحترمها ويُقبل عليها، بمن فيهم رؤساء أميركيون من أمثال هاري ترومان وجورج دبيلو بوش. ما لم يتوقعه هاسبل حينذاك أن دخول المكيفات البيوت والمكاتب سيقضي على هذه الموضة ويجعل «سيرساكر» يتراجع ويقتصر على الإجازات فقط، لأن هذه البدلات لم تعد مقبولة في أماكن العمل، كونها غير محددة عند الأكتاف أو الخصر. فهي غير مبطنة لأنها تتوجه للصيف، كما أن طريقة نسج قماشها تجعله طيعًا، على العكس من أقمشة أخرى مثل الصوف أو الحرير، يمكن للمصممين والخياطين التحكم فيها أكثر.
في البداية استعمل هاسبل النسيج القطني بلونين فقط هما الأزرق والأبيض، ثم أضاف إليهما فيما بعد الرمادي والبني. أما الآن فهو يأتي بكل الألوان، بعد أن دخل في كثير من الإكسسوارات والمنتجات المنزلية والأزياء النسائية الصيفية، وأيضًا بعد أن تبنته كثير من بيوت الأزياء والشركات مثل «بروكس براذرز»، «هاردي أيميز»، «هيوغو بوس»، «جيورجيو أرماني»، وغيرهم. ماركة «ثوم سويني» مثلا تعاونت مع شركة «لورو بيانا» لإنتاج نوع خفيف منه، هو مزيج من الحرير والقطن والصوف، لإضفاء المزيد من الترف والعمق على مجموعة من البدلات الرسمية بلون أزرق داكن. «جيورجيو أرماني» ورغم أنه اختاره مزيجًا من البوليستر والقطن في بدلات رمادية، فإنه اقترحه مريحًا بتصاميم تميل للاتساع، بينما أضفت عليها الياقات الضيقة والأكتاف الناعمة إحساسًا بالانطلاق والديناميكية. «إيرمينغلدو زيغنا» بدورها لم تتخلف عن ركوب الموجة، وقدمت مجموعة من البدلات مزجت فيها الصوف والكتان للحصول على نفس النتيجة. صحيح أن هذه البيوت المتمرسة في التفصيل والأناقة تفننت فيه ومنحته قوامًا أكثر قوة، إلا أن ألوانه وطبيعته تجعله غير مناسب لمقابلات العمل المهمة والرسمية لا سيما إذا كان بألوان «الحليب والسكر» ومشتقاتهما.
أزياء صيفية تمنحك الانتعاش طوال النهار
«حليب وسكر».. نسيج دخل خزانة الرجل مضادًا لحرارة الطقس
أزياء صيفية تمنحك الانتعاش طوال النهار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة