بغداد في قبضة ميليشيات «الحرس الثوري»

قلق يساور العاصمة بسبب سيطرة ميليشيا «سرايا الخراساني» على محيط المنطقة الخضراء

ميليشيا الخراساني تسيطر على منطقة الجادرية وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
ميليشيا الخراساني تسيطر على منطقة الجادرية وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

بغداد في قبضة ميليشيات «الحرس الثوري»

ميليشيا الخراساني تسيطر على منطقة الجادرية وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
ميليشيا الخراساني تسيطر على منطقة الجادرية وسط بغداد («الشرق الأوسط»)

تسود الشارع العراقي، في العاصمة بغداد خاصة، فوضى أمنية بسبب سيطرة ميلشيات شيعية مسلحة تابعة لإيران على شوارع حيوية وسط العاصمة، وهيمنة أخرى على حزام بغداد بحجة «التحوط من استغلال تنظيم داعش الإرهابي للظروف السياسية المتأزمة واحتلال بغداد». حسب بيان لميلشيا منظمة بدر التي يتزعمها هادي العامري. ويسود التوتر محافظات الفرات الأوسط بعد أن نزلت ميليشيا مسلحة تابعة لحزب الفضيلة الشيعي إلى شوارع مدينة النجف بكامل أسلحتهم وهم يهتفون: «احنا (نحن) جنود اليعقوبي» في إشارة إلى المرجع الشيعي محمد اليعقوبي.
ويعاني البغداديون، خصوصا في مناطق الكرادة (كرادة خارج والداخل والجادرية) من قلق كبير، بسبب سيطرة ميلشيا «سرايا الخراساني» التابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني، وهي أخطر ميليشيا حسب سياسي عراقي شيعي، ومسلحي المجلس الأعلى الإسلامي على عموم المنطقة، إذ داهمت مجاميع مسلحة باسم الحشد الشعبي بعض الفيلات في منطقة العرصات والمسبح الراقيتين، وطلبوا من السكان مغادرة بيوتهم بالقوة بحجة حاجة الحشد الشعبي لها. وقال أحد السكان، الذي يدعى (محمود)، إن «البغداديين أخرجوا أسلحتهم الشخصية، ورشاشات (الكلاشنكوف) من مخابئها ونظفوا الغبار عنها تحسبا لأي طارئ أمني، خصوصا أن الأجهزة الأمنية مشغولة عن بكرة أبيها لحماية الزوار الشيعة لمدينة الكاظمية».
وأكثر ما يقلق سكان العاصمة العراقية هو ظهور شيخ ملتح يرتدي ملابس عسكرية، أول من أمس، على شاشات محطات التلفزيون الفضائية المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو يوجه أوامره لمرافقيه المدججين بالسلاح، بصفته قائدا عسكريا في ميليشيا «سرايا الخراساني»، بإغلاق جميع الشوارع والميادين والطرق الفرعية في منطقة الجادرية بالقرب من مقر المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، إذ يطلق على هذه المنطقة تسمية (المربع الذهبي) لوجود مقر ومسكن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ومكاتب الرئاسة، حيث تحميه أفواج عسكرية، جميع ضباطها ومراتبها من أكراد مدينة السليمانية، ومقر ومسكن لحكيم المحمي من قبل ميلشيا المجلس، وكذلك بوابة المنطقة الخضراء من جهة الجسر المعلق، يضاف إلى ذلك رئاسة جامعة بغداد، وعلى مقربة هناك مكاتب الهيئة السياسية للتيار الصدري الذي تحميه ميليشيا كتائب السلام التابعة للتيار الصدري، ودائرة المخابرات الوطنية، إضافة إلى مساكن أبرز القيادات الشيعية.
ويأتي هذا استعراضا لقوة السرايا من جهة، ولتأكيد وجودهم في الشارع العراقي، بعد أن أكد مصدر أمني حكومي رفيع لمحطة تلفزيونية محلية انسحاب فصائل الحشد الشعبي من شوارع بغداد، خصوصا من منطقة الكرادة ومحيط المنطقة الخضراء، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية الحكومية هي التي تسيطر على مرافق العاصمة.
إلا أن علي الياسري، الأمين العام لـ«سرايا الخراساني»، أكد في تصريحات إعلامية، أول من أمس، وجود مسلحيهم في محيط المنطقة الخضراء والكرادة.
وقال الياسري في تصريحات بثتها محطات التلفزيون المحلية ببغداد: «نحن جزء من الحشد الشعبي المعترف به من قبل البرلمان والحكومة وقيادتنا تتبع القائد العام للقوات المسلحة (حيدر العبادي)، وقواتنا تنتشر بناء على أوامر من أبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي لحماية أمن العاصمة». مصدر أمني عراقي أبلغ «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس، أن «مواجهة مسلحة كانت على وشك الاشتعال بين ميليشيا (سرايا الخراساني) وميليشيا (سرايا السلام) التابعة للتيار الصدري، لولا تدخل مباشر من السفارة الإيرانية ببغداد»، مشيرا إلى أن «ميليشيا الصدر كانت تسيطر على محيط المنطقة الخضراء من جهة الكرخ، بينما سيطرت ميليشيا الخراساني عليها من جهة الرصافة».
ونفى حاكم الزاملي، القيادي في التيار الصدري ورئيس اللجنة الأمنية في البرلمان العراقي، وجود أي مسلحين لـ«سرايا السلام» في العاصمة، محذرا من خطورة التواجد المسلح داخل بغداد.
في هذه الأثناء، أعلنت ميليشيا منظمة بدر بزعامة العامري سيطرتها على حزام بغداد بوصفها «فصيلا مهما من تشكيلات الحشد الشعبي ويجب حماية محيط العاصمة، خشية أن يستغل تنظيم داعش الظروف الأمنية والسياسية السيئة ويحتل بغداد».
المصدر الأمني أكد أن «رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة مستاء للغاية من سيطرة الميلشيات المسلحة على شوارع ومناطق مهمة من بغداد»، مشيرا إلى أن «العبادي تلقى تطمينات من الإدارة الأميركية بعدم القلق من هذه الميلشيات، وأن القوات الأميركية المتواجدة في العراق سوف تتدخل بالوقت المناسب إذا ساءت الأمور».
وكان العبادي قد اجتمع أمس مع جنرالات قيادة العمليات المشتركة ببغداد، وحسب الخبر الرسمي، فإنه «بحث معهم خطط تحرير الفلوجة والموصل من سيطرة تنظيم داعش». في صراع الميليشيات المسلح على النفوذ داخل العاصمة العراقية وخارجها يبرز اسم «سرايا الخراساني» بوصفها «الأكثر قوة وخطورة»، كونها مدعومة من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، وترتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني، حسب تأكيد سياسي شيعي عراقي مقرب من طهران، وحسب تأكيدات الياسري، الأمين العام لـ«سرايا الخراساني».
وقال الياسري في تصريحات تلفزيونية ببغداد إن «(سرايا الخراساني) تتبع ولاية الفقيه في إيران ولا تتبع حكومة العراق التي لم تعلن تبعيتها لولاية الفقيه»، مشيرا إلى أن «الأمة الإسلامية بحاجة إلى مرشد حقيقي يوجه الأمة لحمايتها من الوقوع بيد الاستكبار العالمي». معترفا بوضوح: «نحن ندين بالولاء لخامنئي لأنه يقدم لنا كل ما نحتاجه من دعم، ونحن لا نأخذ الأوامر من حكومة إيران بل من خامنئي كونه الولي».
وأكد الياسري أن «سرايا الخراساني» أتباع المرشد الإيراني علي خامنئي، وليس المرجع الأعلى السيد علي السيستاني «كون الولاية الآن بيد خامنئي الذي يوجه سياسة الدولة في إيران والعالم الإسلامي ولذا يجب علينا طاعته، أما السيستاني فنحن نحترمه، ولكنه لا يعلن الولاية ولا يقود الدولة، رغم أنه يتدخل في السياسة من خلال الفتاوى والتوجيهات فقط».



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».