كوبا تحتضن أكبر عرض للأزياء في تاريخها المعاصر

كل العيون هذه الأيام على كوبا، فبعد أكثر من نصف قرن من العزلة، شهدت زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، والبابا والمغنية بيونسي وفريق الرولينغ ستون، وأخيرًا وليس آخرًا «شانيل» التي قدمت فيها يوم الثلاثاء الماضي عرضها ضخما من خط «كروز». وقد يكون هذا الأخير أكثر الأحداث إثارة، بحكم أن الدار الفرنسية تتقن هذا الفن، واضعة نصب أعينها أن تلهب الخيال، وتُبقي اسمها يتردد طويلاً. فقد حولت شارع باسيو ديل برادو الشهير في هافانا، الذي تعود أهميته إلى أنه يفصل بين هافانا القديمة والجديدة، إلى منصة عرض ضخمة تخايلت عليها عارضات من كل أنحاء العالم إلى جانب عارضات من كوبا، بأزياء تتلون بألوان كوبية تضج بالفنية تعكس قوتها المعمارية والثقافية.
فمن كان يتصور أن كوبا فيديل كاسترو يمكن أن تفتح أبوابها وترحب بما كانت تنعته بالمادي واستسهال الربح، لا سيما أن سعر حقيبة منها قد يعادل راتب عام بالنسبة لموظف كوبي عادي؟ لكن هذا ما حصل وكأن «شانيل» تمتلك مفاتيح سحرية لا يملكها سواها. من خلال الصور التي بثتها الوكالات العالمية، فإن ما قدمته لم يكن عرضًا بقدر ما كان حفلاً واحتفالاً في الوقت ذاته. حفل بدأ بمجموعة متنوعة من الأزياء لم تخجل من معانقة الألوان المتوهجة، وتصاميم و«لوغوهات» لم تحاول التخفيف من تجاريتها، وانتهى برقص كل الحضور على نغمات كوبية صاخبة.
استضافت الدار ما لا يقل عن 600 شخص، من بينهم عدد لا يُستهان به من النجوم من أمثال العارضة السابقة جيزيل باندشون، الممثلة تيلدا سوينتون، المغنية الفرنسية فانيسا بارادي والمخرج والممثل فان ديزل وغيرهم. عدد لم يضاهِه سوى عدد الحراس الشخصيين الذين كانوا يحيطون بمصمم الدار، كارل لاغرفيلد، ورجال الأمن الذين عملوا جهدهم لمنع أي هجوم جماعي من قبل السكان المحليين، بوضع حواجز تمنعهم من الاقتراب من مكان العرض المفتوح.
فردود فعلهم غير متوقعة، بحكم أنهم لم يروا عرض أزياء في حياتهم، فما البال بعرض ضخم ومُبهر مثل الذي تقدمه «شانيل» في عروضها عامة، وخطها الخاص بـ«كروز» خاصة؟
المعروف عن الدار أنها تختار لخطها هذا، دائمًا وجهات بعيدة لا تخطر على بال أحد، بدليل أنها كانت سباقة عندما اختارت دبي منذ عامين، وسيول في كوريا بعدها، والآن في هافانا. بيد أن ما يجعل اختيارها الأخير مهمًا أنها ستقدم لضيوفها طبقًا بنكهة أصيلة قبل أن تتغير الأوضاع في كوبا، وتنفتح على العالم كليًا، الأمر الذي سيغير ثقافتها وألوانها. «شانيل» كانت تعرف أنها ستواجه الكثير من الصعوبات بدءًا من عدم توفر الإنترنت والتسهيلات التي تعود عليها ضيوفها في فنادق الخمس نجوم، لكنها كانت تعرف أيضًا أن الكل مستعد للمغامرة وبأنها ستلهب الخيال، لهذا بدأت استعداداتها للعرض منذ عدة أشهر، حيث اتخذت باناما مركزًا لها لتنظيم رحلات الضيوف، وتجربة المطاعم، وتوفير السيارات «الفينتاج» التي ستقل الضيوف من فنادقهم إلى مكان العرض، وغيرها من الترتيبات التي لا تتهاون فيها الدار. فبالنسبة لها تبقى باناما من حيث التسهيلات، أفضل من كوبا، التي لا تزال تتعامل وكأنها في العهد السوفياتي القديم بتقشفها وتخلف خدماتها.