جولة كيري.. توقعات تتجاوز الاستطلاع

مع بدء جولة وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري في الشرق الأوسط، من الطبيعي أن تتكاثر التساؤلات حول الهدف الحقيقي من هذه الجولة.
هل هي حقا جولة «إصغاء»، كما وصفت، أم يفترض أن تنطوي على ما هو أكثر من مجرّد «الإصغاء» بقصد التعرّف والاستطلاع؟ ثمة من يقول إن القوى العظمى، التي ما عاد منها اليوم على المسرح الدولي سوى الولايات المتحدة، لا تعوزها المعرفة كما لا تعوزها الحاجة إلى إدراك مصالحها الاستراتيجية والحيوية. والشرق الأوسط من المناطق التي تشكّل أهمية اقتصادية وسياسية وأمنية للعالم بأسره بصفة عامة، وللولايات المتحدة بالذات بصفة خاصة، وذلك بسبب ثرواتها النفطية وموقعها الجغرافي بين ثلاث قارات بما فيها سيطرتها على عدد من المضايق ذات الأهمية القصوى للعالم، ناهيك بموجبات احترام خصوصياتها وتفهّم حساسياتها في ضوء التحديات الأمنية والسياسية التي أسهمت فيها استراتيجية الحرب على الإرهاب والتعامل مع الحالات الدينية بمختلف ألوانها.

من المفهوم أن هناك وزراء خارجية يأتون إلى المنطقة بهدف الإصغاء والاطلاع، وآخرين يأتون لتبليغ الرسائل السياسية بالنيابة أو بالأصالة. وأيضا من المتعارف عليه أن وزراء خارجية دول كثيرة تستقبلهم المنطقة بكل احترام ولباقة على الرغم من المعرفة المسبقة بأنهم في نهاية المطاف محدودو القدرة على إحداث أي تغيير ذي شأن في المسائل المصيرية كالنزاع العربي - الإسرائيلي، والتهديد الإيراني في الخليج والمشرق العربي، والتعامل مع ظواهر كالإسلام السياسي والعنصرية ضد المسلمين والعرب في الغرب.

ولكن الولايات المتحدة ليست مجرد واحدة من الدول الـ192 الأعضاء في الأمم المتحدة، وجون كيري، قبل أن يصبح وزيرا للخارجية، ثم بعدما أسندت إليه قيادة دفة الدبلوماسية الأميركية، ليس مجرد وزير خارجية عابر.

فواشنطن هي أهم عاصمة بين عواصم القرار السياسي في العالم، وفي مراكز أبحاثها وجامعاتها العريقة ألمع الخبرات في شؤون دول العالم ومكوناتها وقضاياها، وفي تصرّف ساستها و«لوبياتها» خيرة الناصحين من الأكاديميين والدبلوماسيين والعسكريين السابقين. وبالتالي، يصعب التصديق أن شخصية في وزن جون كيري، المرشح الرئاسي السابق والرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لمدة 4 سنوات، من أصل فترة وجود في المجلس بين 1985 و2013، يأتي إلى الشرق الأوسط فقط من أجل الإصغاء.

اليوم، وسط الغيوم الداكنة في سماء الشرق الأوسط من حق شعوب المنطقة الاطلاع على ما عليهم توقّعه من واشنطن، لا أن يأتي إليهم مسؤول أميركي من دون رؤية واضحة لما هو حاصل. والمفارقة هنا، أن شعوب الشرق الأوسط كانت تأخذ على واشنطن تدخلها المفرط في شؤونهم، لكنهم اليوم يريدون، بكل صدق، شيئا من التفاعل إن لم يكن التدخل، وهذا في فترة حرجة يبدو أنها تمس مصالح الجميع.

ثم إن العلاقات العربية - الأميركية ليست ابنة البارحة بل تعود بكثير من أبعادها إلى القرن ما قبل الماضي، والمصالح كانت وما زالت متبادلة. وبالتالي، لئن كان الإصغاء ضروريا، فإن عرض الرؤية الأميركية ومن ثم مناقشة المصالح الحيوية بالنسبة للجانبين بأمانة وصدق أيضا غاية في الأهمية.

المرجّح أن كيري سيسمع حقائق كثيرة من القادة الذين سيلتقيهم، وذلك لأن الأوضاع تحتاج حقا إلى المصارحة. غير أن السؤال الأهم يبقى: هل تريد واشنطن في عهد باراك أوباما، والدبلوماسية الأميركية في عهدة جون كيري، أن تستمع إلى الكلام الصريح والصحيح؟