ضغوط من الحرس الثوري على روحاني لإعادة النظر في الاتفاق النووي

ممثل خامنئي في «الباسيج» قال إن ضحكات ظريف في المفاوضات النووية حملت نتائج «قبيحة» للإيرانيين

الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش افتتاح معرض طهران الدولي للكتاب أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش افتتاح معرض طهران الدولي للكتاب أمس (إ.ب.أ)
TT

ضغوط من الحرس الثوري على روحاني لإعادة النظر في الاتفاق النووي

الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش افتتاح معرض طهران الدولي للكتاب أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش افتتاح معرض طهران الدولي للكتاب أمس (إ.ب.أ)

فيما يصر الرئيس الإيراني حسن روحاني على الدفاع عن إنجازات الاتفاق النووي، يضغط الحرس الثوري على الرئيس، من أجل إعادة النظر في التزامات إيران التي قطعتها في المجال النووي.
وصدرت عدة تصريحات شديد اللهجة خلال الأيام القليلة الماضية، على لسان مسؤولين في الحرس الثوري تدعو إيران إلى إعادة النظر في تعهدات الاتفاق النووي. وانتقد مساعد ممثل خامنئي في الحرس الثوري، عبد الله حاجي صادقي، لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني -الاتفاق النووي وقال إنها لم تكن «ذات ميزة»، كما اتهمها بـ«الانفعال»، مطالبا اللجنة بالرد على ما اعتبره تخلي أميركا عن وعود الاتفاق النووي. وفي هذا السياق، وصف مستشار ممثل خامنئي في الحرس الثوري، يد الله جواني السلوك الأميركي بعدائية أكثر تجاه الإيرانيين بعد تنفيذ الاتفاق وطالب جواني الإيرانيين «بإعادة النظر في الاتفاق النووي، والتزامات إيران، ومسار العمل بتلك الالتزامات»، وفق ما نقل عنه موقع «رجانيوز». ووجه ممثل خامنئي في مؤسسة الباسيج التابعة للحرس الثوري، محمد رضا تويسركاني، انتقادات ضمنية إلى وزير الخارجية الإيراني، وقال إن ضحكاته في المفاوضات النووية حملت نتائج «قبيحة» للإيرانيين. كذلك، انتقد تعقيدات «الوثيقة السرية» وإخفائها عن المسؤولين والبرلمان الإيراني. من جانبه قال روحاني، في كلمة له في افتتاح معرض كتاب طهران الدولي أمس، إن بلاده فتحت صفحة جديدة، ودخلت مجالات بعد تنفيذ الاتفاق النووي، مؤكدا أنها تمر بوضع مختلف عن مرحلة ما بعد تنفيذ الاتفاق النووي، حسبما أوردت وكالة «إيلنا». تأكيد روحاني على اكتشاف أبعاد جديدة في العلاقات الدولية، والمفاوضات التي تلت الاتفاق النووي، كان ردا ضمنيا لما تتعرض له إدارته من ضغوط على صعيد الاتفاق النووي.
وقفز روحاني على الخلافات الداخلية المشتعلة من حوله بشأن الاتفاق النووي، متهما دول جوار إيران بالانزعاج من نتائج الاتفاق. وتعرضت الحكومة خلال الشهرين الأخيرين إلى ضغوط كبار المسؤولين تصدرهم المرشد الأعلى علي خامنئي وقادة الحرس الثوري. في هذه الأثناء عاد روحاني ثانية إلى معادلة «فوز» لكل الأطراف في المفاوضات النووية، مؤكدا أن 188 دولة مستفيدة من الاتفاق، بينما شدد على أن هناك دولتين في المنطقة، لم يذكر اسمهما، متضررتان من الاتفاق، وبعد ساعات من خطاب روحانی رد موقع «صراط نيوز» المقرب من الحرس الثوري على تصريحاته، متسائلا: «إذا ما كان روحاني متأكدا من أن إيران ليست من بين تلك الدولتين».
واستغل روحاني تصريح خامنئي أول من أمس حول «فقدان احترام الرأي المخالف في البلد»، وقال إن المنتقدين يجب ألا يدخلوا السجن بسبب من آرائهم، وجاءت تصريحات روحاني بالتزامن مع اليوم العالمي لحرية الصحافة، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 37 صحافي يقضون فترة السجن بعد إدانتهم بسبب مواقفهم السياسية، فيما يقدر عدد معتقلي الرأي في السجون الإيرانية بالمئات.
في موقف متباين من روحاني، وجه المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، محمد باقر نوبخت في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، انتقادات ضمنية إلى خصوم الاتفاق النووي في الداخل معتبرا «المتشككين» أنهم على النهج الإسرائيلي والأميركي. فيما أكد نوبخت أن بلاده ما زالت بعيدة عن جني ثمار الاتفاق النووي لكن ستأخذ الخطوات المطلوبة للاستفادة من النووي.
وكان خامنئي قبل دخول الاتفاق النووي أعرب عن تشاؤمه من نتائج الاتفاق وفي الشهر الماضی اعتبر إيران غير مستفيدة من الاتفاق النووي، .
ويتوقع خبراء الشأن الإيراني تبعات وخيمة لإدارة روحاني على المستوى الداخلي، إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في ما يتعلق بتنفيذ الاتفاق، وما تحصده إيران في ضوء التفاؤل الكبير الذي سبق الاتفاق، كما أنه رفع سقف التوقعات في الشارع الإيراني، في المقابل هناك فريق من الخبراء يعتقد أن إدارة روحاني تواجه حربا نفسية مع اقتراب تحول آمال الإيرانيين إلى تشاؤم.
وتعلق الحكومة الإيرانية آمالا كبيرة على ثمار مرحلة ما بعد الاتفاق النووي في الفترة المتبقية من رئاسة روحاني، كما أن تأخر تنفيذ وعوده الداخلية يجعل منافسيه في الانتخابات المقبلة أمام مهمة لا تبدو صعبة في تضعيف حظوظه بدورة رئاسية ثانية. وفي إشارة إلى مصادرة ملياري دولار من الأموال الإيرانية بسبب وقوفها وراء تمويل عمليات إرهابية، اعتبر نوبخت موقف أميركا من الاتفاق النووي مغايرا من الدول الخمسة الأخرى، مضيفا أنه لا يمكن الوثوق بواشنطن.
في سياق متصل، انتقد عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حسين نقوي حسيني التقرير الخاص الذي قدمته الخارجية الإيرانية إلى البرلمان قبل نحو أسبوعين بشأن الأشهر الثلاثة الأولى من تنفيذ الاتفاق النووي. ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن «نقوي» الذي يعتبر من النواب المؤيدين للاتفاق، قوله إن تقديم «تقرير غير مدعوم بالوثائق ومن عدة صفحات لا يليق بالوزارة الخارجية».
في غضون ذلك، كشف مسؤولون مقربون من حسن روحاني عن ضغوط تمارس على الرئيس لمنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال ممثل البرلماني السابق والمقرب من روحاني علي تاجرنيا في حوار مع صحيفة «آرمان أمروز»، إن الرئيس تلقى رسائل من كبار المسؤولين المتنفذين في العمود الفقري للسلطة الإيرانية، يطالبون بالتخلي عن الانتخابات الرئاسية المقبلة وفكرة الترشح لدورة ثانية.
بدوره، أكد مساعد روحاني في شؤون القوميات والأقليات الدينية، علي يونسي في حوار نشرته أول من أمس صحيفة «آفتاب يزد»، تعرض روحاني لضغوط من أجل التخلي عن الانتخابات الرئاسية، إلا أنه وصف تلك الجهات بـ«الداعمة» للرئيس. وأكد يونسي أن روحاني «أذكى» من الدخول في قضايا «خطیرة»، مؤكدا قرار روحاني خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت أسبوعية ثار الله التابعة لما يسمى بـ«حزب الله» الإيراني توعدت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن روحاني سيكون الرئيس الإيراني الأول الذي لن تمتد رئاسته إلى فترة ثانية. في سياق منفصل، أفادت وكالة «تسنيم»، نقلا عن المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني نوذر شفيعي، إن اللجنة أزالت الإشكاليات الواردة من مجلس صيانة الدستور على مشروع اتفاقية رسم الحدود البحرية بين إيران وعمان. وكان مجلس صيانة الدستور وصف المشروع بالغامض وطالب البرلمان في بداية مارس (آذار) الماضي رفع خريطة الحدود المرسومة، فضلا عن توثيق الخرائط وفق المادة 102 من منشور الأمم المتحدة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟