الجمعيات الخيرية تتدخل لإنقاذ نهر التيبر في روما وتجميل ضفافه

مبادرات خاصة لتنظيف الأحياء والميادين وتزيينها

حالة إهمال وانحطاط كبيرة باتت تشوه الصورة الجمالية الرائعة في روما (نيويورك تايمز)
حالة إهمال وانحطاط كبيرة باتت تشوه الصورة الجمالية الرائعة في روما (نيويورك تايمز)
TT

الجمعيات الخيرية تتدخل لإنقاذ نهر التيبر في روما وتجميل ضفافه

حالة إهمال وانحطاط كبيرة باتت تشوه الصورة الجمالية الرائعة في روما (نيويورك تايمز)
حالة إهمال وانحطاط كبيرة باتت تشوه الصورة الجمالية الرائعة في روما (نيويورك تايمز)

إذا كنا نصدق الأساطير القديمة، فإن روما قد تأسست على ضفاف نهر التيبر، حيث تم إنقاذ وتربية المؤسسين الأسطوريين للمدينة، وهما رومولوس وريموس، بواسطة إحدى إناث الذئاب. وعبر قرون، كان الممر المائي - والذي حمل ذات مرة مسمى الإله الأسطوري تيبرينوس - أحد مصادر تعزيز عظمة وفخار المدينة.
وفي الآونة الأخيرة، وبرغم ذلك، كانت حظوظ نهر التيبر أقل بعض الشيء من حظوظ الآلهة التي ألحق اسمه بهم. فلقد تم التخلي عن مساحات كبيرة من الممرات المائية المتاخمة للسدود الحجرية العالية التي شيدت في أعقاب الفيضانات الكارثية في عام 1870 لصالح المواهب الفنية المشكوك فيها من هواة الكتابة على الجدران. ويتعين كذلك على ممارسي رياضات الركض وركوب الدراجات الهوائية المرور عبر القمامة، والنباتات المنتشرة من دون تنظيم أو رعاية، إلى جانب المعسكرات العشوائية من جانب أناس لا مأوى لهم على الرغم من عقود من تعهدات مجلس المدينة بتنظيف وتطهير ضفاف النهر.
تعتبر الواجهة البحرية غير النظيفة والمياه العكرة في النهر صورة تسبب الكثير من الألم وتعكس حالة الإهمال والانحطاط الكبيرة التي باتت تشوه الصورة الجمالية الرائعة في روما، بسبب عدم الاهتمام وأحيانا الفساد في الحكم من جانب بعض من الإدارات غير الفعالة في المدينة.
وفي مواجهة تقاعس المدينة عن التحرك، وهو الأمر غير المبرر بنقص الموارد والأموال، تمكنت الكثير من الجمعيات الخيرية من تولي مسؤولية هذه القضية. واعتبرت بعض من هذه الجمعيات أن نهر التيبر من الموارد المهملة التي تحتاج إلى التعزيز، والتطوير، والدفاع عنها عبر مجموعة ومتنوعة من المبادرات.
وتحققت هذه الجهود أخيرا خلال هذا الشهر من خلال جسر بطول 500 ياردة زينت برسومات لأشخاص تمثل مراحل من تاريخ روما تحت عنوان «انتصارات ومراثٍ» وهو اسم المشروع.
وتم تنفيذ الشخصيات العملاقة باستخدام طباعة الاستنسل والغسيل بالكهرباء لمحو طبقات كثيرة من الضباب الدخاني، والسخام، والأكاسيد الملونة على الجسر - وهي العملية التي تعرف في بعض الأحيان باسم الكتابة العكسية على الجدران - لإبراز الجمال من بين الأقذار.
رجال الدولة القدماء أمثال بشيشرون وسانت بيتر وأنثى الذئب سابقة الذكر هم من بين عشرات الشخصيات، المستمدة من التماثيل الشهيرة، والصورة، والآثار، إلى جانب تمثال برنيني للقديسة تريزا.
كما كان للمشاهير نصيب كذلك: مثل الممثلة أنيتا إيكبرغ والممثل مارسيلو ماستروياني بطلي فيلم «دولشي فيتا». ثم هناك من المجهولين وغير المعروفين: ثلاث نساء من الأرامل المجهولات لأعداد غير معروفة من المهاجرين والذين لقوا حتفهم أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط نحو إيطاليا.
يقول الفنان المشرف على المشروع ويليام كنتريدج وهو من جنوب أفريقيا، ذات مساء أثناء سيره على ضفاف نهر تيبر «ليس هناك سرد محدد، باستثناء أن انتصارات وأمجاد البعض هي مراث ومصائب الآخرين». وبرفقته كان داريو فرانشيسكيني وزير الثقافة الإيطالي والذين أيدوا الأعمال بعد سنوات من المعارضة الإدارية والعقبات البيروقراطية.
وقال الفنان كنتريدج: «كان تحديا حقيقيا في الحصول على الفن المعاصر في قلب روما القديمة. وحتى إذا كان المقصود من المشروع تحفيز مشاعر أهل روما حيال النهر المهمل، ولمنحه حياة جديدة».
يقول توم رانكين مدير مؤسسة تيفيريتيرنو وهي من المنظمات غير الربحية إن «مهمتنا تتمحور حول تنشيط الفضاء العام الذي نعتقد أنه تعرض للإهمال، ونحول ذلك الجزء المهجور من البنية التحتية مع استخدام الفنون المعاصرة لجعل هذا المكان مزارا معتبرا مرة أخرى».
استولت مؤسسة تيفيريتيرنو على هذا القطاع من وسط المدينة على ضفاف نهر التيبر قبل أكثر من عشر سنوات لإنشاء فضاء عام مخصص للفنون المعاصرة تحت اسم بيازا تافيري. واليوم، تريد المؤسسة تنفيذ المشروعات الفنية - ويقول رانكين إن جدارية كنتريدج كانت أكثر المشاريع الفنية طموحا حتى الآن - من حيث تغيير الطريقة التي يفكر بها أهل روما حول النهر، والعمل كحافز للتغيير على طول مجرى النهر.
وبالنسبة لنهر التيبر فهو يعد مثالا على تعقيد البيروقراطية، فهناك ما يقارب الاثنتي عشرة إدارة حكومية تحمل سلطات إشرافية على النهر. «عندما يتعلق الأمر بالتجميل فلا يوجد جهة محددة يمكن التعامل معها» يقول غوسبي ماريا أمندولا رئيس رابطة كونسورزيو تيبرينا. وعلى سبيل المثال فتقوم مؤسسة جمع القمامة الخاصة ببلدية روما برفع القاذورات من الممشى المخصص للدراجات على شاطئ النهر وإن كانت لا تلمس الممر المحاذي له.
وكان هذا هو نوع التفكير الذي دفع الكثير من مؤسسات المجتمع المدني للقيام بعمليات التنظيف. وتقول ريبيكا سبيتزميلر أميركية تعيش في روما «نقول: سنقوم بتنظيفها ولا نقول سنتصل بالعمدة للشكوى». من تلك المجموعات مبادرة أطلق عليها اسم «لنستعد روما» أسست في عام 2009. ومنذ ذلك الحين تقوم سبيتزميلر وجيش صغير من المتطوعين بمجهودات لتخليص شوارع روما من أكوام القاذورات والملصقات الإعلانية والغرافيتي من على أسوار القصور الأثرية. واليوم تقوم المجموعة، التي وصل عدد أعضائها لـ30 ألف متطوع، بتنظيم فعاليات لتنظيف الساحات والشوارع في الأحياء المختلفة إضافة إلى جوانب نهر التيبر.
* خدمة: {نيويورك تايمز}



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».