«ابن رشد» في أبوظبي

اختُتمت، أمس، فعاليات الدورة الـ26 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، هذا المعرض يستحق أن يكون نموذجًا للتفاعل الثقافي وصناعة المعرفة. يلتقي هذا المعرض مع حزمة هائلة من المبادرات الثقافية التي تضع إمارة أبوظبي على الطريق السريع لتصبح مركز تجارة الكتب والنشر العربية، ومحركًا رئيسيًا للتنمية الثقافية.
احتفى المعرض هذا العام بالمفكر العربي ابن رشد (1126 - 1198م)، وكان من الطبيعي أن يجد هذا الفيلسوف مبادرات ثقافية تنسجم مع مشروعه التنويري، فكان النشاط الثقافي والفني الهائل الذي ازدحمت به القاعات المفتوحة في المعرض، ومعها العديد من المبادرات في مجال التأليف والنشر والترجمة والشعر وصناعة المعرفة، حيث قدم المعرض هذا العام أكثر من 500 فعالية ثقافية، وخصص لابن رشد منبرًا يعتليه كل يوم نخبة من أهل الفكر والثقافة للحديث عن ريادة هذا الفيلسوف العربي مع الإضاءة على مشروعه الفكري ومنجزه الثقافي، وتسليط الضوء على تقاطع مرحلة ابن رشد ونضاله الفكري، في محاربة الغلو والتشدد مع زماننا الراهن.
يمكن لابن رشد، وهو يتجول في هذا المعرض التوقف أمام «سينما الصندوق الأسود»، وهو مشروع يسعى إلى دفع عجلة السينما نحو الأمام، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المشهد الثقافي العام، وقد تمّ عرض 18 فيلمًا من 10 بلدان عربية، تحمل أغلبها قضايا اجتماعية وإنسانية.
ثمة شيء آخر يسرّ ابن رشد في هذا المعرض، هو الاحتفاء بالمبادرات الثقافية الأهلية في أبوظبي، وإتاحة الفرصة أمامها للتعبير عن تفاعلها مع النشاط الثقافي، وخصوصًا المبادرات النسائية، التي كانت حافلة بالأنشطة الثقافية طوال ساعات المعرض، عبر «صالون بحر الثقافة»، وصالون «الملتقى الثقافي»، وكلاهما يُدار بأيدٍ نسائية من سيدات مجتمع في أبوظبي. وينظمان فعاليات متنوعة تضم ندوات ومحاضرات وأمسيات شعرية وتجارب أدبية وتوقيع كتب، ويشهدان حضورًا واسعًا من شخصيات المجتمع وزوار المعرض.
رغم العدد الكبير من دور النشر التي اشتركت في هذا المعرض، والتي بلغت 1260 جهة من 63 دولة، فإن ما ميّز المعرض هو أنشطته الثقافية، رغم محدودية عدد الزوار، فقد أثبت القائمون على المعرض أن الهدف هو خلق موسم ثقافي حافل بالنشاط، وخَلْق حراك ثقافي موازٍ، وليس مجرد سوق لبيع الكتب، التي يمكن غالبًا الحصول عليها من نقاط البيع. وعلى ذكر البيع فإن هذا المعرض يهتم بتوفير مناخات يمكن أن يحصد الناشرون والمؤلفون من خلالها عقودًا دسمة للتعاون في مجال النشر والنشر الإلكتروني وبيع حقوق الملكية، وتوقيع اتفاقيات تعاون بين الناشرين والمؤسسات الحكومية والثقافية، أما المبيعات المباشرة فقد تم تعويض قلة الجمهور بالعديد من مبادرات دعم الناشرين ودعم الثقافة أيضًا. من بينها، مثلاً، مبادرة تحمل اسم «حقيبة كتب»، قيمتها 5 ملايين درهم، تهدف إلى تشجيع الشباب وصغار السن على القراءة، وذلك من خلال شراء كتب متنوعة ووضعها في حقيبة تُهدى للطلاب، كان المعرض في السابق يقدم قسائم شراء مجانية لطلاب المدارس والجامعات.
حين تنتمي أي مبادرة لرجل الفكر والفلسفة ابن رشد، فعليها أن تلبي ضرورات الانتماء، وأولها أن تكون جزءًا من مشروع التنوير.. وهذا ما نجح فيه معرض أبوظبي الدولي للكتاب.