هدنة مؤقتة بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» في الغوطة الشرقية

النظام يمدد التهدئة حول دمشق ليومين.. و«الحرّ» يعدها التفافًا على الهدنة

عناصر من «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية في موقف تأهب للقتال ضد هجوم قوات النظام الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية في موقف تأهب للقتال ضد هجوم قوات النظام الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

هدنة مؤقتة بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» في الغوطة الشرقية

عناصر من «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية في موقف تأهب للقتال ضد هجوم قوات النظام الشهر الماضي (أ.ف.ب)
عناصر من «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية في موقف تأهب للقتال ضد هجوم قوات النظام الشهر الماضي (أ.ف.ب)

أعلن جيش النظام السوري أمس تمديد سريان نظام التهدئة حول العاصمة دمشق لمدة 48 ساعة إضافية، ليؤكد بذلك ما أعلنه الروس في هذا الشأن. بينما اعتبر الجيش السوري الحرّ، أن التهدئة التي يتحدث عنها النظام «ليست إلا تهدئة إعلامية، يسعى من خلالها إلى الالتفاف على اتفاقية وقف الأعمال العدائية باتفاقات جانبية»، كاشفًا أن قوات الأسد «تحاول مهاجمة مناطق سيطرة جيش الإسلام في الغوطة الشرقية».
ويعدّ هذا التمديد الثاني، بعدما مدّد يوم الأحد نظام تهدئة أو وقف القتال لمدة 24 ساعة في العاصمة بدأ يوم الجمعة الماضي وشمل العاصمة دمشق ومنطقة الغوطة الشرقية الواقعة على مشارفها. ولم يتطرق البيان إلى وقف القتال المحدد بمهلة 72 ساعة في شمال محافظة اللاذقية الساحلية.
وتحدث الجنرال سيرجي كورالينكو رئيس المركز الروسي لتنسيق الهدنة في سوريا أمس، عن «تمديد التهدئة في الغوطة الشرقية حتى منتصف ليل الثالث من مايو (أيار) الحالي»، بينما رأى المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد، أن «تمديد مهل الهدنة لساعات وعلى دفعات، ما هي إلا محاولة من النظام، لاستثمار هذه الهدنة في أماكن أخرى». وأشار إلى أن تجربة وقف الأعمال العدائية في المرحلة السابقة لم تؤد المطلوب وفق ما كان يرغب الأسد، خصوصا أنه كان مقيدًا، بتحييد كل المناطق عن عملياته باستثناء التي يوجد فيها «داعش» و«جبهة النصرة»، لكن سرعان ما انكشف حينما جنّب مناطق «داعش» و«النصرة» عن عملياته واستهدف بشكل متعمّد مناطق سيطرة الجيش الحر.
وأكد أبو زيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام «يحاول الآن الالتفاف على اتفاقية وقف الأعمال العدائية باتفاقيات جانبية في الغوطة واللاذقية، بحيث يجمّد العمليات العسكرية في جبهات محددة ويسحب منها قوات عسكرية للقتال على جبهات أخرى». وأشار إلى أن «النظام يعمل بموجب القرار الروسي، لأن الروس هم من يرسمون له الخطط وينفذ هو والميليشيات الموالية له».
وعلى الرغم من الإعلان عن سريان وقف النار في محيط دمشق والغوطة الشرقية، كشف المستشار القانوني للجيش الحر، عن «محاولات متكررة لدى النظام لاقتحام مناطق سيطرة جيش الإسلام في الغوطة الشرقية»، معتبرًا أن «الهدنة التي يتحدثون عنها في دمشق وريف اللاذقية ما هي سوى هدنة إعلامية، بينما الهجمات مستمرة على الأرض في المناطق التي يستطيع النظام أن يحشد فيها». وأعطى أبو زيد مثلاً على ذلك، فقال: «الجبهة الجنوبية هادئة الآن، بسبب عجز النظام عن شن هجمات فيها، لأن اهتمامه الأول في هذه المرحلة هي جبهة حلب».
وبالتزامن مع تمديد هدنة الغوطة الشرقية بين النظام والمعارضة، أعلن أمس عن هدنة من نوع آخر طرفها الأول «جيش الإسلام» والثاني «فيلق الرحمن» بعد صدامات بينهما في الأيام الأخيرة. وقد أوضح أبو زيد أن «الصراع بين هذين الفصيلين الأساسيين في الثورة هو أمر مزعج، وهو آخر ما كنا نتوقعه، غير أن النزاعات المسلحة غير النظامية دائمًا ما تشهد خلافات جانبيه، لكن سرعان ما يتم حسمها». وقال: نعمل الآن على وقف الصراع بين «فيلق الرحمن» و«جيش الإسلام»، لأن المستفيد الأول من خلافهما هو النظام و«جبهة النصرة». ورأى أن «هذا الواقع مرتبط بالحالة الذهنية الناتجة عن حصار عمره أربع سنوات».
وكان فيلق الرحمن أعلن في بيان نشره «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، عن هدنة مع «جيش الإسلام» ووقف إطلاق نار بينهما، اعتبارًا من صباح أمس الاثنين لمدة 24 ساعة، وجاء في البيان: «لطالما امتدت يد (جيش الإسلام) إلى إخوانهم وأهاليهم في الغوطة الشرقية، ولم نجد يومًا من يردعه حتى إذن الله بإحقاق الحق فتعالت أصوات ونداءات المخلصين والهيئات الشرعية والفعاليات المدنية من داخل الغوطة وخارجها، لإيقاف إطلاق النار، فاستجاب فيلق الرحمن لهذه الدعوات وعليه، يعلن فيلق الرحمن عن إيقاف لإطلاق النار من جهته لمدة 24 ساعة من الساعة السادسة من صباح يوم الاثنين 2-5-2016 كبادرة، لبداية الحل».
وأكد «الاستمرار في التعاون مع اللجان المشكلة لحل جميع القضايا العالقة»، داعيًا مقاتلي «جيش الإسلام» إلى الاستجابة لوقف إطلاق النار، والتعاون مع اللجان المذكورة والمساعي التي بذلت. وفي سياق متصل بالأحداث في الغوطة الشرقية، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن «قذيفتي هاون سقطتا بعد منتصف ليل الأحد - الاثنين، على بلدة مسرابا بالغوطة الشرقية».
وأكد المرصد أن الطيران المروحي قصف أطراف مخيم خان الشيح بالغوطة الغربية، بما لا يقل عن 6 براميل متفجرة بعد منتصف ليل الأحد، دون معلومات عن خسائر بشرية»، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن «جبهة النصرة» استهدفت بنيران قناصاتها سيارة إسعاف تابعة لجيش الإسلام في منطقة المرج بالغوطة الشرقية، ما أدى إلى مقتل أحد عناصر جيش الإسلام.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم