شكسبير.. لماذا لا يزال معاصرًا لنا؟

جامعة أكسفورد تصدر كتابًا بمناسبة ذكرى رحيله

مشهد من مسرحية «ريتشارد الثالث» في عرض سويدي
مشهد من مسرحية «ريتشارد الثالث» في عرض سويدي
TT

شكسبير.. لماذا لا يزال معاصرًا لنا؟

مشهد من مسرحية «ريتشارد الثالث» في عرض سويدي
مشهد من مسرحية «ريتشارد الثالث» في عرض سويدي

كتاب جديد عن شكسبير؟ وهل بقي شيء لم يُقَل عن شاعر المسرح الإنجليزي الذي شغل الدنيا وملأ الناس؟ يبدو أن الآثار الأدبية الخالدة تزداد قيمة كلما مرت عليها السنون. ففي 25 أبريل (نيسان) 2016 احتفلت الأوساط الأدبية بالذكرى المئوية الرابعة لرحيل شكسبير (توفي في 25 أبريل 1616). وبهذه المناسبة أصدرت مطبعة جامعة أكسفورد كتابًا من تأليف ستانلي ويلز عنوانه «وليم شكسبير» في 125 صفحة من القطع الصغير. ولكنه على صغر حجمه كتاب عظيم القيمة بالغ الجاذبية يقدم عصارة عمر كامل من الخبرة والدرس.
Stanley Wells، William Shakespeare، Oxford University Press.
فمؤلف الكتاب ستانلي ويلز واحد من أكبر الثقات في المسرح الشكسبيري في عالم اليوم. إنه أستاذ في جامعة برمنغهام البريطانية، والمدير الشرفي لـ«مسرح شكسبير الملكي». وله عدد من المؤلفات من أحدثها: «شكسبير لكل العصور» (2002) و«شكسبير وشركاه» (2006) و«شكسبير والجنس والحب» (2010) و«ممثلو شكسبير العظماء» (2015).
يتألف الكتاب من ثمانية فصول يسبقها تصدير عنوانه «لماذا شكسبير؟» وينتهي بتعقيب وقائمة بأعمال الشاعر مرتبة تاريخيًا، وببليوغرافيا مختارة تذكر أهم طبعات أعماله والمراجع التي تتناول حياته ومصادر إلهامه والنقد المكتوب عنه وتجلياته على المسرح وشاشة السينما وتحقيق نصوصه ولغته وسياقه الاجتماعي والسياسي والثقافي.
لماذا شكسبير؟ يقول ويلز لأننا إذا أغفلنا أعماله حكمنا على أنفسنا بالحرمان من مصدر لا يضارع للثراء الذهني والروحي، وحددنا من قدرتنا على الاستجابة لكثير من مناطق الخبرة الإنسانية.
وفي الفصل الأول «شكسبير وستراتفورد أبون إبفون» يقدم المؤلف خلاصة لحياة شكسبير منذ مولده في قرية ستراتفورد بمقاطعة وركشير، وهي تقع على نهر إيفون حتى رحيله عن ثلاثة وخمسين عاما. ومن النواحي التي يتناولها هنا: تعليم شكسبير والمؤثرات الأدبية التي دخلت في تكوينه. لقد تعلم في صباه اللغة اللاتينية (وكذلك نتفًا من اليونانية) فغذى ذلك خياله وأمده بمادة خام لمسرحياته وسوناتاته وقصائده القصصية. إنه مثلا في مسرحية «ملهاة الأخطاء» يستوحي إحدى ملاهي الكاتب المسرحي الروماني بلاوتوس. وفي قصيدة «فينوس وأدونيس» يستوحي كتاب «مسخ الكائنات» للشاعر اللاتيني أوفيد. وفي مسرحيته «العاصفة» ينقل بعض كلمات كاتب المقالات الفرنسي مونتيني.
والفصل الثاني «المسرح في عصر شكسبير» يرسم صورة للمشهد المسرحي في عصر الملكة إليزابيث الأولى ثم في عصر الملك جيمز الأول الذي خلفها، ويبين كيف أن معمار المسرح حدد إلى حد كبير نوعية المسرحيات المقدمة عليه (كان المسرح يتكون من ثلاثة طوابق، وهو دائري أو متعدد الجوانب، مفتوح، رسم الدخول إليه لا يتجاوز بنسا واحدا للواقف وبنسين للجالس على مقعد. ليس هناك مناظر بالمعنى الحديث للكلمة ولكن الأزياء والمعدات المسرحية تلعب دورا مهما. كذلك يستخدم آلات موسيقية كالنفير والطبلة والكمان. ولكن أغلب نوتاته الموسيقية لم تصلنا للأسف).
أما الفصل الثالث «شكسبير في لندن» فيعرض لحياة الشاعر كاتبا مسرحيا وممثلا وارتباطاته بالفرق المسرحية في عصره وعلاقته بزملائه من الكتاب والممثلين وصلاته بالبلاط الملكي. ويحدثنا ويلز عن سوناتات شكسبير (السوناتة قصيدة مكونة من أربعة عشر بيتا تتبع نظامًا خاصًا في التقفية). وبعض هذه السوناتات موجه إلى سيدة والبعض الآخر إلى شاب وسيم.
ظهرت أول طبعة لأعمال شكسبير في عام 1623 وقسمت هذه الأعمال إلى ثلاثة أقسام: مسرحيات تاريخية، وملاه، ومآس. وسنتوقف هنا عند نموذج واحد لكل من هذه الأقسام (اخترت أن أتوقف عند مسرحياته الأقل شهرة، إذ لا يوجد شخص متعلم يجهل الروائع الشهيرة مثل «هاملت» و«عطيل» و«ماكبث» و«الملك لير»).
من أمثلة مسرحيات شكسبير التاريخية مسرحية «ريتشارد الثالث» (1594). وعموما يمكن القول إن هذه المسرحيات التاريخية تستمد مادتها من كتاب «السجلات التاريخية» للمؤرخ الإنجليزي رفاييل هولينشد. وتنم هذه المسرحيات عن وعي عميق بمشكلات السياسة ومسؤوليات الملك وعلاقته بشعبه والحاجة إلى وحدة قومية والعلاقة بين الصالح العام والمصلحة الفردية والمعاناة الناجمة عن الشقاق بين الأمم وبين الطوائف المختلفة في الأمة الواحدة وهو شقاق ينعكس على العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة سواء كانت من طبقة الملوك أو من الرجال والنساء العاديين.
ومسرحية «ريتشارد الثالث» مؤسسة على كتاب السير توماس مور «تاريخ الملك ريتشارد الثالث» إلى جانب كتابات هولينشد المؤرخ وإدوارد هول صاحب كتاب «اتحاد الأسرتين النبيلتين الشهيرتين: أسرتي لانكاستر ويورك».
إنها تشي بالتأثير القوي لمآسي الكاتب المسرحي الروماني سنيكا (القرن الأول قبل الميلاد) الحافلة بالأشباح والأساليب البلاغية ومشاهد العنف. فشكسبير يقدم مثلا طعن كلارنس (الفصل الأول، المشهد الرابع) على خشبة المسرح. والمشاهد الختامية من المسرحية تموج بالعنف. إن ريتشارد - الذي يوفر فرصًا هائلة لإبراز قدرات أي ممثل عظيم - يهيمن على خشبة المسرح. ويستبيح شكسبير لنفسه بعض الحريات في تناول مادته التاريخية. وتمتاز لغة المسرحية بوحدتها البلاغية وأنساق تعبيرها المؤسلبة.
ومن ملاهي شكسبير «خاب سعي العشاق» (1594 - 1595) وحبكتها من نسج خياله تماما إذ لم يعمد إلى استيحائها من أي مصادر سابقة. إنها ملهاة أفكار: فملك نافار يتعاهد مع ثلاثة من رجال بلاطه بايرون ولونجفيل ودومين - على أن ينبذوا مباهج الدنيا وأن يمتنعوا عن لقاء أي نساء وأن يكرسوا أنفسهم للدراسة في عزلة لمدة ثلاثة أعوام. اتخذوا قرارهم هذا دون أن يحسبوا حسابا لمقدم أميرة فرنسا إلى بلاطهم في بعثة دبلوماسية ومعها ثلاث سيدات من حاشيتها: روزالين وماريا وكاثرين. وينبع جزء كبير من الملهاة من محاولة كل رجل أن يخفي عن سائر الباقين وقوعه في حب إحدى السيدات ومن تنكر الرجال في زي روس يقدمون مسرحية لتسلية السيدات.
ومن مآسي شكسبير الباكرة مسرحية «تيتوس أندرونيكوس» (1592) التي يحتمل أن يكون قد كتبها بالاشتراك مع كاتب آخر من معاصريه هو جورج بيل. وتقع أحداث المسرحية في القرن الرابع قبل الميلاد وتروي قصة خيالية أغلب الظن أنها من بنات أفكار شكسبير وبيل. والمسرحية متأثرة بكتاب الشاعر الروماني أوفيد «مسخ الكائنات» من حيث الروح والأسلوب وبعض تفاصيل الحبكة. لاقت المسرحية نجاحا كبيرا في عصرها ولكنها عدت في العصر الحديث من أسوأ أعمال شكسبير، وذلك لجنوحها إلى البربرية الفظة وتوسلها إلى أدنى غرائز النظارة.
والمسرحية تروي قصة انتقام مزدوج. فتامورا، ملكة القوط، تسعى إلى الانتقام من تيتوس الذي أخذها أسيرة، وذلك لأنه سبق أن قتل ابنها. وتبلغ هدفها من الانتقام حين يعمد ابنان آخران لها إلى اغتصاب ابنة تيتوس وتشويهها بدنيا على نحو مريع. وفيما بعد يسعى تيتوس إلى الانتقام من تامورا ومن زوجها. وينتهي الأمر بتيتوس إلى الوقوع في هوة الجنون ولكنه يتمكن - بمعاونة أخيه وآخر من بقي حيا من أبنائه من ذبح حلوق أبناء تامورا وتقديمهم طعاما في وعاء لأمهم وقتل ابنته من لحمه ودمه تخلصًا من عارها وطعن تامورا حتى الموت. ولا يلبث تيتوس بدوره أن يلقى مصرعه قتلا. ويتولى الحكم إمبراطور جديد. ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين بدأت المسرحية - على ما تحفل به من فظائع ميلودرامية - تنال مزيدًا من التقدير إذ رأى فيها النقاد والمشاهدون انعكاسًا لبربرية العصر الحديث وما حفل به القرن الماضي من حروب وقسوة.
ويختم ويلز كتابه بقوله إن كتابات شكسبير قد اخترقت وعي الإنسانية عبر القرون. إنها قادرة على أن تبسط من آفاق خيالنا وتعيننا على فهم أنفسنا وأن تمس قلوبنا. إنها تتحدث عن الغرائز الإنسانية الأساسية من طموح ورغبة وحسد وكراهية وصداقة وتعاطف وحب. وهي قادرة على أن تسلينا وأن تدفع بالدموع إلى مآقينا في آن واحد. إن شكسبير - بكلمة واحدة - قد جاء ليبقى.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».