هربًا من «داعش».. عائلات ليبية تلجأ إلى الطرق الصحراوية

الجيش يتجه لطرد التنظيم المتطرف من سرت.. وفتح الطريق الساحلي بين الغرب والشرق

أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
TT

هربًا من «داعش».. عائلات ليبية تلجأ إلى الطرق الصحراوية

أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش سرت» يلقي خطبة الجمعة في «مسجد الرباط» بالمدينة («الشرق الأوسط»)

في وقت يستعد فيه الجيش الوطني الليبي، بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، لطرد تنظيم داعش من سرت وفتح الطريق الساحلي بين غرب البلاد وشرقها، لجأت عائلات ليبية للدروب الصحراوية للتواصل بين شطري الدولة هربًا من التنظيم الذي يسيطر، منذ صيف العام الماضي، على المدينة الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، بما فيها الطريق الرئيسي بين أكبر مدينتين وهما طرابلس العاصمة غربًا، وبنغازي في الشرق.
ومن بين مئات المآسي التي تتردد بين الليبيين الذين كانوا يسعون للانتقال بين غرب البلاد وشرقها، تبقى حكاية مهندس البترول في شركة النفط الليبية، عبد الله، واحدة من القصص التي تعبر عن الحظ العاثر لمن تقطعت بهم السُّبُل في دولة تنتشر فيها التنظيمات المتطرفة.
ويقول مبروك سلطان، الأستاذ الأكاديمي في جامعة بنغازي، لـ«الشرق الأوسط» إن العبور بين جانبي ليبيا عن طريق سرت «أصبح محفوفا بالمخاطر.. بعض الناس يضطرون لارتداء ملابس سوداء»، حتى لا يثيروا غضب «داعش»، مشيرا إلى أن «الطريق الساحلي المار من سرت لم يغلق، لكن كل من يدخل منه يتعرض للتفتيش من تنظيم داعش، وإذا كان من الشرطة أو الجيش فيتم حجزه واختطافه».
ويضيف أن «الطرق الالتفافية التي أصبح يلجأ إليها كثير من العابرين بين جانبي البلاد، تزيد عن الطريق العادي من سرت بنحو 600 كيلومتر. من يتكبد هذه المشقة يبحث عن سلامته».
ويقدر عدد النازحين الليبيين في داخل البلاد، واللاجئين خارجها، بنحو مليونين، في دولة نفطية شاسعة المساحة ولا يزيد عدد سكانها على نحو ستة ملايين نسمة. ومنذ خمس سنوات يعاني معظم الليبيين من غياب الأمن وتأخر الرواتب ومن شكوك في قدرة الفرقاء السياسيين على إنهاء الخلافات فيما بينهم، إلا أن السفر بين المدن بات من الكوابيس المزعجة.
أدت الفوضى إلى تفرق ألوف العائلات والأسر بعضها عن بعض، خصوصا تلك التي تعيش في مدن يسيطر عليها «داعش» أو يسيطر على الطرق الرئيسية في البلاد، بما فيها طريق سرت الواصل بين الشرق والغرب، وطريق سبها بين الجنوب والشمال. تمكن «داعش» من سرقة شاحنات طعام ومؤن كانت تمر عبر الطريق الساحلي الشمالي، وطريق سبها الجنوبي، وإعادة بيعها في السوق السوداء، إلى جانب الاستيلاء على منازل تخص مواطني سرت وتأجيرها لعناصر أجنبية تلتحق بالتنظيم. ويعتقد أن عدد العناصر الداعشية في سرت وصل إلى نحو ثلاثة آلاف.
ويسيطر التنظيم على الحدود الإدارية لسرت، وزحف بقواته إلى مناطق محاذية للهلال النفطي وطرد حراس المنشآت النفطية من عدة حقول للبترول، كما تمركز في مدينة هراوة التي تبعد نحو 90 كيلومترا شرق المدينة. ويقوم التنظيم بفرض ضرائب وإتاوات على المواطنين؛ سواء المقيمون أو العابرون، تحت مزاعم منها «جمع الزكاة» و«الجهاد بالمال».
وفرَّ عبد الله، بأسرته وسيارته من طرز «غراند شيروكي»، من تنظيم داعش في سرت، أواخر العام الماضي، بعد أن وضع التنظيم فوهة المسدس على رأس هذا المهندس البالغ من العمر 45 عاما، أمام زوجته وطفليه.
ثم هرب من الحرب التي بدأت تشتعل مجددا بين ميليشيات طرابلس، خصوصا عقب وصول المجلس الرئاسي للعاصمة، ليجد عبد الله نفسه وجها لوجه مع «داعش» من جديد على طريق «طرابلس - ودان». وطلب عبد الله عدم نشر صورته أو اسمه كاملا. ومع أن «الشرق الأوسط» تمكنت من تصوير واقعة المطاردة التي جرت قرب ودان، إلا أنه طلب أيضا عدم نشر الصور التي تظهر فيها أسرته وسياراته، خشية تعرضه للانتقام من «داعش».
لم يدرك الرجل، مثل كثير من الليبيين، أن الدولة تشهد حالة من السيولة وتغيير المواقع بين المجاميع التي تحمل الأسلحة، وأن قوات من «داعش» بدأت تتمدد إلى خارج سرت، وتستعد لمواجهة هجوم للجيش، رغم أن الجيش نفسه يواجه مشكلات في توفير الأسلحة وتعترضه خصومات مع عدة ميليشيات في غرب البلاد. ويقول الأكاديمي سلطان: «رغم المحنة التي تتعرض لها سرت، فإن العالم يبدو أنه لا يريد أن يسلط الضوء على المعاناة التي يتسبب فيها وجود (داعش) بالمدينة وسيطرته على الطريق الساحلي».
في الأسبوع الماضي بدأ كثير من الليبيين ممن أصبحوا يخشون وقوع اقتتال بين ميليشيات العاصمة، في التحرك من «طرابلس» إلى الشرق، لكن عبر الطريق المؤدي إلى بلدة «ودان» التي تبعد إلى الجنوب من العاصمة بنحو 600 كيلومتر. ويمر الطريق المرصوف بالقار وسط فيافي جرداء.
وكما هي الحال لقوافل الليبيين الصغيرة التائهة في الصحراء، كان عبد الله يريد أن يصل إلى «ودان» لعدة أسباب؛ منها الابتعاد عن مناطق نفوذ «داعش» في بلدته سرت، وأن يتزود بالمؤن والوقود، ثم يبدأ في رحلة الصعود إلى الشمال الشرقي لكي يصل إلى أقاربه في بنغازي الواقعة على بعد نحو 800 كيلومتر من «ودان».
غالبية الليبيين، وقبل أن يتحركوا بسياراتهم على الطرق السريعة التي تتماس مع أماكن وجود المتطرفين، يقومون بعملية معقدة من الاتصالات والتحري للتأكد من أن هذا الطريق آمن أم غير آمن. وكما يقول المثل: «الحاجة أم الاختراع»، فقد ظهرت بين أيدي الشباب خرائط مطبوعة من الإنترنت تخص دروبًا ترابية وطرقًا قديمة مرصوفة بالقطران، تمر من جنوب سرت بمئات الكيلومترات، وغالبيتها كان مهجورا منذ سنين، لكن آثارها ما زالت هناك بطريقة ما.
ويوضح الأكاديمي الجامعي في بنغازي، المبروك سلطان، مجددا أن مساحة ليبيا «تشبه مساحة القارة»، ولهذا وجد الليبيون دروبا وطرقا أخرى للتحرك بعيدا عن سيطرة «داعش» في سرت.. «هناك مناطق قبل سرت تحت سيطرة التنظيم أيضا، ولا توجد ضمانات لأي شخص يعبر من هذه المنطقة. لا وجود للدولة»، مشيرا إلى أن «أحد طرق الالتفاف من الجنوب يمر من منطقة هون، ومنها إلى بلدة زلة في الجنوب، وبعد ذلك إلى منطقة مرادة، ثم العقيلة.. كل هذه المشقة من أجل الابتعاد عن الطريق الساحلي من سرت».
بعض الطرق الأخرى تبدأ من حدود بنغازي الجنوبية.. ومنها ما يصل إلى إجدابيا، وطرق أخرى تهبط إلى الجنوب وتتفرع بين الاتجاه الشرقي حيث بلدة أوجلة ومدينة الكفرة، والاتجاه غربا حيث مدينة الجفرة وبني وليد وبلدة ودان. ومن هناك يمكن أن تعبر شمالا إلى طرابلس، أو العكس، إلى بنغازي.
حتى أسابيع قليلة مضت، لم يكن الطريق الالتفافي بين طرابلس وبنغازي، عبر ودان، يشكل أي خطر، لكن خروج مجاميع من الدواعش من سرت، تسبب في عدة حوادث بين العناصر الدموية وغالبيتها من الأجانب، ومن اصطدموا معهم على الطرق الجنوبية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. وكان آخر هذه المواجهات في منطقة السدادة في نطاق بلدة بني وليد.
بعد نحو 400 كيلومتر من طرابلس، فوجئ عبد الله بموكب لـ«داعش» يتكون من ثلاث سيارات.. يقول: «كانت زوجتي نائمة في مقعدها. وفي الكنبة الخلفية كان ابني محمود (10 سنوات) وابنتي غادة (13 سنة) نائمان أيضا. رأيت من بعيد السيارات وفوقها علم (داعش). كانوا متوقفين على جانب الطريق، ولم ينتبهوا إلا بعد أن اقتربت منهم، وعليه قررت أن انطلق بأقصى سرعة».
هل فتحوا النار.. هل حاولوا اللحاق به؟ يجيب قائلا: «لا أعرف.. لحظتها لم أكن أرى. المهم تخطت سرعة سيارتي 190 كيلومترا في الساعة، وبعد نحو خمسين كيلومترا، انفجر الإطار الخلفي، وانحرفت في الرمال، ثم انقلبت وتعطلت. والحمد لله كانت الإصابات بسيطة، لكن بقينا في رعب وحدنا في الصحراء، خوفا من أن يلحق بنا الدواعش، وذلك من العصر حتى العشاء. وأنقذنا شباب من بلدة ودان كانوا عائدين من طرابلس».
تزامنت تلك الحادثة مع هجوم نفذه «داعش» على مشارف بلدة ودان سقط فيه قتيل واحد من البلدة وعدد غير معروف من الدواعش. وحين جرى قطر سيارة عبد الله والدخول بها مع أسرته إلى ودان، ظن كثيرون أنه من ضحايا المعركة التي جرت قبل يومين على حدود المنطقة. وأصبحت القصة واحدة من بين كثير من القصص المأساوية التي انتشرت بخصوص محاولات المواطنين للانتقال بين جانبي البلاد عبر التجمعات الصحراوية الصغيرة البعيدة عن مدينة سرت من ناحية الجنوب الأوسط.
وتحتضن بلدات «ودان» و«بني وليد» و«الجفرة» وغيرها، في الوقت الراهن، أسرًا ليبية بعد أن تقطعت بها السبل وبعد أن كانت تأمل في الانتقال من الشرق إلى الغرب أو العكس.. في الليل يتجمع الرجال في غرف الضيافة في «ودان» التي يكثر فيها النخيل، للاستماع إلى قصص غالبيتها يدور عن تنظيم داعش في سرت والفظائع التي ارتكبها بحق أشخاص معروفين من القبائل والجيش وحرس المنشآت النفطية.
سيطرة «داعش» على سرت منذ قرابة عشرة أشهر، أدت إلى استيلاء التنظيم المتطرف على الطريق الرئيسي الذي يصل بين شطري الدولة. وتعرض عشرات المواطنين الليبيين، ممن حاولوا العبور من خلال هذا الطريق، للقتل والتعذيب والسرقة على أيدي التنظيم، ولهذا بدأ كثير من الليبيين البحث عن دروب وطرق بديلة كانت أساسا تخص شركات التنقيب عن البترول، وجلب البلح من الواحات، وتخص أيضا تحركات الجيش في زمن القذافي.
وفي الأشهر القليلة الماضية جرى استخدام مثل هذه المسالك الالتفافية والصعبة، على نطاق لافت، بين العائلات الليبية التي ترغب في الانتقال بين طرابلس وبلدات الغرب وبنغازي وبلدات الشرق، بعيدا عن «داعش سرت». كانت هناك محاولات من جانب بعض المواطنين العالقين بين شطري البلاد لاستخدام البحر للانتقال عبر المراكب من شرق البلاد إلى غربها، مرورا بخليج سرت، لكن المشكلة أن «داعش» يراقب هذا الخليج عن طريق عناصر مدربة تتمركز في ميناء المدينة يطلق عليها التنظيم اسم «فيلق البحر».
أما الانتقال بالطائرات فما زال صعب المنال بعد أن تسببت حروب الميليشيات في تدمير مطار طرابلس الدولي وحرقه. ويوجد في العاصمة مطار آخر هو «امعيتيقة» لكن حركة الطيران الداخلي فيه محفوفة بالمخاطر بسبب خضوعه لسيطرة جماعات لا تتتبع السلطات الشرعية. أضف إلى ذلك تراجع عدد المطارات في المنطقة الشرقية بعد تخريب الحرب الأهلية مطار بنينة في بنغازي، وسيطرة «داعش» على مطار القرضابية في سرت نفسها.
ورغم استمرار الحظر الدولي على تسليحه، فإن الجيش تمكن من تحقيق انتصارات صعبة ولافتة على المجاميع الداعشية والمتطرفة في مدينتي درنة وبنغازي. العسكريون ومن معهم من متطوعين قادمين من الشرق، يرددون الأهازيج والأغاني الشعبية على هدير محركات آليات الجيش، وتمكنوا قبل يومين من اجتياز الطريق الطويل الواصل بين بنغازي وإجدابيا. ويقول الضابط حسن العبيدي، أحد القادة العسكريين في جيش حفتر: «يبدو أن المجتمع الدولي غير متحمس لمؤازرة حفتر، لكن نحن معه، ومن شأن التقدم على عدة جهات أن يغير المعادلة على الأرض. هذا ما قمنا به في بنغازي».
طريق «بنغازي - إجدابيا» يعد مدخلا رئيسيا في اتجاه الهلال النفطي الذي يحوي نحو 60 في المائة من مخزون البترول الليبي، وفي اتجاه مدينة سرت أيضا. هذا الطريق الذي يبدأ من منطقة «قار يونس»، كان قبل شهر من الآن، تحت سيطرة جماعات متطرفة تتعاون مع «داعش»، من بينهم مقاتلون من «جماعة الإخوان» ومن «أنصار الشريعة» ومن «الجماعة الليبية المقاتلة»، ولم يكن من المأمون السير فيه من جانب سائقي الشاحنات وسيارات المسافرين، أو حتى الجيش. ويضيف العبيدي قائلا: «نحن أصبحنا هنا.. الأمور تغيرت».
رحلة المهندس عبد الله بدأت منذ خروجه من مدينته سرت التي قُتل فيها معمر القذافي عام 2011، حتى وصوله إلى هنا في بلدة «ودان». وفي ديسمبر (كانون الأول) 2015، ترك منزله الكائن خلف مسجد الصحابة بالمدينة، وحمل أسرته، وتوجه بسيارته إلى طرابلس، طلبا للأمان، بعد أن أصبحت سرت تحت سلطة التنظيم المتطرف منذ صيف العام الماضي.
توقف كثير من حقول النفط عن العمل، وتراجعت كمية التصدير من 1.6 مليون برميل يوميا في أيام القذافي، إلى أقل من 350 ألف برميل هذه الأيام، مما جعل المهندس عبد الله يقضي معظم أيام الأسبوع بعيدا عن مقر عمله في حقل الشركة جنوب المدينة، وغير قادر في الوقت نفسه على السفر إلى أقاربه في بنغازي التي كانت تخضع لسيطرة المتطرفين وتدور فيها حرب ضروس ولم يتمكن الجيش من حسم المعركة فيها إلا الشهر الماضي.
أصبح عبد الله يصلي الأوقات الخمسة في المسجد المجاور لبيته «انتظارا للفرج»، وأملا في نزول راتبه في مصرف المدينة، حيث كان يتابع عبر التلفزيون محاولات الأمم المتحدة تقريب وجهات النظر بين عدد من الأطراف الليبية، في الحوار الذي عرف باسم «حوار الصخيرات»، لكن الدواعش سيطروا سريعا على المسجد، وعلى الإذاعة المحلية للمدينة، ونفذوا حملة لإزالة الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية من فوق أسطح البيوت.
يقول إنه بدأ يشعر بالخطر. كانت أعداد الدواعش تزداد في سرت من جنسيات مختلفة يأتون عبر البر وعبر البحر ويأكلون كل شيء في المدينة مثل الجراد.. «سيطروا أيضا على مقار الحكومة، وعلى قاعة المؤتمرات الدولية المعروفة باسم (واغادوغو)، التي كانت تستقبل في عهد القذافي زعماء من الدول العربية والأفريقية».
ومع ذلك، لم يتخذ المهندس عبد الله وعدد من جيرانه قرار الفرار من المدينة إلا بعد حملة القتل التي نفذها «داعش» ضد ضباط متقاعدين ومسؤولين محليين ورجال دين معتدلين. ويضيف: «في ذلك اليوم أطلقوا النار على جاري وعلقوه على الصاري لأنه كان في يوم من الأيام القديمة ضابطا في الدولة».
أثناء خروجه من سرت، أوقفته دورية داعشية تتكون من 7 عناصر أفريقية، على الطريق الغربي الفرعي المؤدي إلى الطريق الساحلي الرئيسي المتجه إلى طرابلس، خارج المدينة. يقول: «أولا سألوني من أين أنت؟ ولأنني أعرف الإجابة التي يريدونها فقلت لهم: من (الدولة الإسلامية) في سرت. لو كنت قلت لهم إنني من سرت فقط، لضربوني أو قتلوني. إجابتي سهّلت الأمور. فحصوا بطاقة الهوية وراجعوا بياناتها على حاسب إلى جوال.. ثم طرحوا أسئلة أخرى عن الشهادة التي يقولها المسلم كدليل على الإيمان بالله ورسوله. أجبت، لكنهم قرروا أن أخضع لـ(الاستتابة)».
ويضيف عبد الله: «صوَّب أحدهم مسدسه إلى رأسي وأمرني أن أجثو على ركبتي. بدأ رجل آخر، أعتقد من لكنته أنه سوداني الجنسية، يلقنني قول الشهادة بطريقته، والتي لم تكن في الحقيقة تختلف كثيرا عما ذكرته لهم في البداية.. مجرد إعادة صياغة. المهم نفذت ما أرادوه بحذافيره، بينما كان أطفالي وزوجتي يشاهدون ما يجري من خلف زجاج السيارة. كنت أخشى أن يفجروا رأسي أمامهم».
كانت هذه أول مرة يتعامل فيها عبد الله، وجها لوجه، مع عناصر من تنظيم داعش في سرت. وبينما كانت وجهته الفرار إلى العاصمة، كانت مئات العائلات الأخرى تهرب إلى مدن ليبية لا يوجد خطر على الطرق المؤدية إليها، بينما لجأ بعض العائلات للإقامة في تونس أو مصر، انتظارا لما ستسفر عنه الأحداث.
الأمور لم تجر كما كان يأمل.. يوضح عبد الله أن العاصمة، في الأسابيع الماضية، تتحول في الليل إلى مدينة حرب. قذائف مدفعية وقذائف صاروخية، وطائرات تحوم في الظلام، وطلقات للمضادات الأرضية، بينما كانت أسر كثيرة تبحث عن مكان آخر للجوء إليه سواء في الشرق، أي في مدن البيضاء وطبرق وغيرهما، أو حتى خارج البلاد.. «وبعد أن علمت بأن الجيش دخل إلى بنغازي ونظفها من المتطرفين، قررت أن أترك العاصمة وأن أتوجه إلى أقاربي في بنغازي، عبر طريق طرابلس ودان».
من جانبهم، يتطلع أبناء سرت ممن لجأوا لمدن وبلدان أخرى، لحسم الجيش للعملية سريعا، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم والاطمئنان على ذويهم. وتوجد مخاوف من أن يستخدم تنظيم داعش الأهالي المحاصرين في سرت دروعا بشرية في حال تعرضه للهجوم. ويقول المبروك سلطان: «يوجد تحشيد من الجيش، ويبدو أن هناك تصميما على دخوله إلى سرت، لكن الموعد غير معروف. القوات انتقلت إلى مناطق قريبة. وتدريجيا نتوقع أنه ستوضع نقاط تفتيش وسيتقدمون حين تصدر الأوامر العسكرية».
ومنذ الأسبوع الماضي بدأت أرتال من آليات الجيش الوطني بقيادة حفتر، في التحرك من مواقعها في شرق البلاد، في اتجاه سرت، لتحريرها من التنظيم الدموي، حيث يمكن بعدها، كما يأمل كثير من الناس هنا، إعادة فتح الطريق الساحلي، وتأمين عبور المواطنين بين جانبي الدولة.



ديون 25 عاماً من الأسئلة العراقية

عراقيون يسيرون أمام جدارية ضخمة لصدام حسين في بغداد عام 1991 (غيتي)
عراقيون يسيرون أمام جدارية ضخمة لصدام حسين في بغداد عام 1991 (غيتي)
TT

ديون 25 عاماً من الأسئلة العراقية

عراقيون يسيرون أمام جدارية ضخمة لصدام حسين في بغداد عام 1991 (غيتي)
عراقيون يسيرون أمام جدارية ضخمة لصدام حسين في بغداد عام 1991 (غيتي)

يسأل كثيرون في العراق بحكم عادة الإحباط: ماذا لو كان صدّام حسين يحكم حتى اليوم؟ يستسهل كثيرون أجوبة «فانتازية»، لكن أيام صدّام نفسها كانت لتجيب: عراق معزول، بحصار أو حرب يشنها هو، أو تُشن عليه.

يشكك عراقيون في أن «التحولات» قد تحققت بالفعل منذ الغزو الأميركي للعراق، الذي أطاح بالنسخة العراقية من حزب «البعث»، ورئيسها الذي أُعدم في ديسمبر (كانون الأول) 2006، لتتراكم لاحقاً أسئلةٌ يفشل الجميع في الإجابة عنها.

بعد ربع قرن، يبدو العراق بلداً يجمع الأسئلة. يطويها ويمضي، هادئاً أو صاخباً، من دون أجوبة. في أفضل الأحوال يراجع نفسه فيعود إلى لحظة أبريل (نيسان) 2003. يفتح أسئلة جديدة عن الحرب الأهلية (2005)، والبدائل المسلحة (2007)، و«داعش» (2014) والاحتجاج (2019)، والنفوذ الإيراني (على طول الخط)، كلها أسئلة مطروحة على العراق، لا يجيب عنها العراقيون.

سؤال صدّام والبديل

زلزلت هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 أميركا والعالم. ارتعدت بغداد. كان صدّام حسين ذلك العام قد «نشر» ما زُعِم أنها رواية هو مَن كتبها، «القلعة الحصينة». في شارع المتنبي، معقل الكتّاب والكُتبيين، وسط بغداد، كان روادٌ يقتنون سراً رواية أخرى، لكنها ممنوعة، للسوري حيدر حيدر «وليمة لأعشاب البحر». والكتب الممنوعة تُباع بأغلفة «مستعارة»، مرة بغلاف كتاب «أم كلثوم... حياتها وأغانيها»، أو بغلاف كتاب آخر كان يقدم صدّام حسين «قائداً مفكراً».

في الرواية الأولى، كان بطلها «صباح حسن» الجندي في الجيش العراقي. تأسره إيران جريحاً فيهرب عائداً لصيانة «قلعة الأمة العربية». في الثانية يهرب بطلها «مهدي جواد»، الشيوعي العراقي، من بغداد إلى الجزائر، ليلقي نفسه في البحر، بعد قصة حب «منبوذة»، وليمةً في البحر.

كأن صدّام «المرعب» والعراقيين «المرعوبين» ينسجون قصصاً عن الهرب من العراق وإليه، في رحلة بين السؤال واللاجواب. في تلك السنة، وحين اتُّهم النظام بأنه طرف في هجمات «عالمية» لها صلة بتنظيم «القاعدة»، «انتُخب» -هكذا ورد الفعل في أدبيات «البعث»- قصي صدّام لعضوية لجنة قيادية في حزب البعث، وانطلقت تكهنات عن «التغيير» عبر التوريث بوصفه جواباً عن سؤال البديل، وكان بشار الأسد يومها قد أمضى مورَّثاً، عاماً على رأس البعث السوري، وبعد عامين غزت الولايات المتحدة بغداد، ووُلد عراق صار اليوم «كبيراً» بربع قرن، ولم ينضج بعد.

قبل 20 عاماً، في ظهيرة 9 أبريل 2003، لفَّ جندي من «المارينز» رأس تمثال صدّام بعلم أميركي. سأل عراقيون: لماذا لم تتركوا لنا هذه الصورة الأيقونية، بعَلم عراقي؟

جندي من «المارينز» يلفّ رأس تمثال صدام حسين وسط بغداد بعلم أميركي (رويترز)

سؤال بغداد وجواب واشنطن

حين يرصد عراقيون الزلزال السوري هذه الأيام، لا يستطيعون فهم كيف حدث «التغيير» السريع من دون دبابات أميركية وقاذفات «بي 52»، ولماذا يصر السوريون على الاحتفال كل يوم بـ«الحرية» من دون «أجنبي»، حتى مع الظلال التركية الناعمة، كما تصيبهم الدهشة من مزاحمة السوريين لـ«أبو محمد الجولاني» الذي لم يختفِ بعد، و«أحمد الشرع» الذي لم تكتمل ولادته، على أجوبة البديل، من دون حمَّام دم، حتى الآن.

لأن العراقيين يحكمون على العالم من ذكرياتهم، ويقيّمون الآخر من أسئلتهم التي لا يجيبون عنها. تفيد وقائع ربع قرن بأنهم ينتظرون من الآخر الإجابات.

تقول ذكريات العراقيين في أغسطس (آب) 2003، بعد 4 أشهر من احتلال العراق، إن السفارة الأردنية هوجمت بالقنابل، ومقر الأمم المتحدة بمركبة ملغومة قتلت موظفين من بينهم رئيس البعثة سيرجيو دي ميلو، واعتقل الأميركيون علي حسن المجيد، «الكيماوي»، ابن عم صدّام، كما قُتل 125 شخصاً في انفجار بالنجف من بينهم رجل الدين الشيعي محمد باقر الحكيم.

في ذلك الشهر الدامي، مثالاً، سأل العراقيون عن الأمن، ونسوا بديل صدّام والديمقراطية والنموذج الغربي الموعود، لتثبت الوقائع اللاحقة أن الجواب عن سؤال الأمن كان احتيالاً للتهرب من سؤال العدالة الانتقالية.

سيرجيو دي ميلو (يمين) وبول بريمر (الثاني من اليمين) يحضران الاجتماع الافتتاحي لمجلس الحكم العراقي في بغداد 13 يوليو 2003 (غيتي)

سؤال الحرب الأهلية

حين اصطحب بول بريمر، حاكم العراق الأميركي، أربعة من المعارضين إلى زنزانة صدّام حسين، انهالوا عليه بالأسئلة: «لماذا غزوت الكويت؟»، قال عدنان الباججي (دبلوماسي مخضرم)، و«لماذا قتلت الكرد في مجزرة الأنفال؟»، قال عادل عبد المهدي (رئيس وزراء أسبق)، و«لماذا قتلت رفاقك من البعثيين؟»، يسأل موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق، فيما لعنه أحمد الجلبي، فجفل صدّام، وابتسم.

خرج بريمر متخيلاً «هتلر في صدّام» كما وصف في مذكراته «عامي في العراق». خرج المعارضون الأربعة بأجوبة كان من المفترض أن تُعينهم على إدارة «العدالة الانتقالية»، ولم يفعل أحد. كان هذا أواخر ديسمبر 2003.

في العام التالي، سلَّمت واشنطن إياد علاوي حكومة مؤقتة محدودة الصلاحيات، لتتفرغ هي بصلاحية مفتوحة لمعركتين طاحنتين، في النجف ضد «جيش المهدي» بزعامة مقتدى الصدر، وأخرى ضد جماعات مسلحة في الفلوجة، من «مقاومين» و«أصوليين».

انشغل المعارضون في «مجلس الحكم الانتقالي» -هيئة مؤقتة شكَّلها بريمر على أساس المحاصصة في يوليو (تموز) 2003- بترتيب أوراق أعدها الأميركيون للحكم، وكتبوا مسودات عن خرائط الشيعة والسنة والكرد، محمولة على ظهر أسئلة تاريخية عن الأغلبية والأقلية، وحكم «المظلومين» من بعد «الظالمين».

على الأرض، كان حي الغزالية (غربي بغداد) المختلط يستعد لأول فرز طائفي، بالدم. تلك الليلة، شتاء 2005، نُحرت عائلة داخل حمّام المنزل، فأعاد المنتقمون رضيعاً إلى أهله، مخنوقاً. على الفور رُسمت حدود فاصلة بين السُّنة والشيعة، وتحولت سوق شعبية، تقسم المدينة إلى نصفين، إلى خط تماس. تبادل «جيشان» جديدان الهاونات و«الآر بي جي»، والكثير من الضحايا.

كتب المعارضون في مجلس الحكم، داخل المنطقة الخضراء، مسودة الحكم الانتقالي. صوَّت 8 ملايين عراقي لإنشاء «جمعية وطنية» في يناير (كانون الثاني) 2005، ولم يُعرف إذا كانوا قد قرروا استبدال أمراء الطوائف بصدّام، لكنهم اتفقوا في الغزالية على كتابة «رخصة عبور» للسنة والشيعة، من المهجَّرين والمهاجرين، لاجتياز خط التماس، وفرز المدينة.

تناسلت «جيوش» في بغداد، وباتت الصحافة ترقم الأخبار: من السبت إلى السبت، أيام دامية. وخلال عامين ضغط الأميركيون على بغداد لتثبيت الأمن. كان شارع «حيفا» المختلط، وسط بغداد، مسرحاً دموياً على مدار الساعة، مسكه «الجيش الرسمي»، فانفلتت جيوش أخرى في محيط الشارع ومنه إلى كل بغداد: نقاط تفتيش وهمية، وملثمون حقيقيون، بأسلحة الطوائف، و«الدماء إلى الركب».

تلك الأيام بدت جواباً على سؤال البديل، لكن مَن سأله ومَن أجاب عنه؟

عام 2006، ولأن إبراهيم الجعفري (أول رئيس وزراء منتخب) بات منبوذاً من الداخل والخارج، ذهب العراق فوراً إلى عصر نوري المالكي دون أن يجيب عن الأسئلة السابقة. قال المالكي ما معناه المجازي والحرفي: أنا دولة القانون. رأى العراقيون ذلك جواباً عن «الدولة» و«القانون»، وغضّوا الطرف عن الـ«أنا» في «منيفستو» المالكي الشهير.

نوري المالكي (غيتي)

سؤال المالكي

أُعجب الأميركيون بالمالكي. كان ديك تشيني (نائب الرئيس الأميركي 2001 - 2009) يتندر بالتزامه بـ«إنجاز استقرار العراق»، لكنه قبل ذلك كان قد أرسل جيمس ستيل (ضابط أميركي متهم بإدارة الحروب القذرة في السلفادور منتصف الثمانينات) إلى بغداد لمواجهة «التمرد السني»، بإنشاء «فرق الموت» الشيعية. كان ستيل يمشي في ظل أحمد كاظم، وكيل وزير الداخلية يومها، وفي ظله هو يسير أمراء حرب جدد.

في 2006، زُلزلت العملية السياسية العراقية بتفجير مرقد «العسكريين» في سامراء. انطلقت أسئلة عن «ضرورة» رسم الخرائط الجديدة، بتقاطعات حادة؛ إذ برَّأ المرجع علي السيستاني، في فبراير (شباط) 2007، «أهل السنة» من التفجير، لكنَّ المالكي نفى ضلوع طهران رداً على اتهام أميركي، في يوليو 2013.

يومها كانت «أنا» المالكي تتضخم، وفِرق ستيل المميتة تتناسل في شوارع العراق.

سؤال إيران... و«داعش»

حاول المالكي إنقاذ نفسه مع سقوط المدن تباعاً في يد «داعش»، رغم أنه «المنتصر» على إياد علاوي في انتخابات 2010 برصاصة رحمة «قانونية».

يوم 9 يونيو (حزيران) 2014، وكان التنظيم يخوض معارك في الموصل، اجتمع المالكي مع شيوخ قبائل ووجهاء سُنة بناءً على نصيحة كان قد أهملها لتدارك الأمر. قيل إنه وعدهم بما لا يريد، فسقط ثُلث العراق في يد «داعش»، وأفتى السيستاني بـ«الجهاد»، وتبيَّن لاحقاً أن الفتوى ليست لإنقاذ رئيس الوزراء.

رحل المالكي، ووصل قاسم سليماني. وتعلم رؤساء الوزارة اللاحقون كيف يرزحون تحت ضغط طهران، حتى حينما كان يتناوب جهاز «الإطلاعات» و«الحرس الثوري» على مكاتب الحكومة بوصفتَي عطار مختلفتين.

ما زرعه جيمس ستيل، جناه قاسم سليماني. ومع عام 2017 صارت الفصائل المسلحة قوة مهيمنة في العراق، تدور حولها فصائل أخرى، تلعب أحياناً أدوار «التمرد» و«المقاومة»، مع الحكومة وضدها.

يومها، وبعد 14 عاماً، أرست إيران أركان ما يجوز وصفها الآن بـ"حديقة المقاومة"، التي تفيض فصائل مسلحة وميزانيات مالية ضخمة.

متظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد أكتوبر 2019 (أ.ف.ب)

سؤال «تشرين»

لم يُجِب العراقيون عن سؤال «داعش»، وعادت الفصائل من معارك التحرير «منتصرة». وتجاهل كثيرون «جواب» السيستاني على سؤال «الحشد الشعبي» بوصفه «النجفي» قوة لـ«حماية العراق»، وليس الشيعة وحدهم، فاختنق الشارع بسؤال: ماذا بعد؟ جاءت حكومة عادل عبد المهدي، في أكتوبر 2018، بديون متراكمة من الأسئلة المعلقة. بعد عام، في أكتوبر 2019، خرج آلاف من الشباب يحتجون على احتيالات السؤال الأول، بأثر رجعي.

تلقى المحتجون جواباً بالرصاص الحي، قُتل المئات، وخُطف آخرون وأُسكت البقية. قدم عبد المهدي للقاتل هدية «التبرئة» بوصفه «طرفاً ثالثاً»، ورحل. لاحقاً ملك سياسيون عراقيون شيئاً من شجاعة الاعتراف، وأزاحوا لثام الطرف الثالث عن وجه الفصائل الموالية.

حيلة «الطرف الثالث» طرحت سؤالاً عن الحد الفاصل بين الفصائل والحشد الشعبي، ومر دون اكتراث جواب حامد الخفاف، ممثل السيستاني في 12 سبتمبر 2019: «المرجع ينتظر تنفيذ قانون وأمر ديواني، بفك ارتباط منتسبي (الحشد) عن الأطر الحزبية، وهيكلة هذه القوة».

تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي في مايو (أيار) 2020، بوصفها حلاً وسطاً بين سؤال البديل وجواب الطرف الثالث، لم تصمد تسوياته، ولم ينجُ به «رقصه مع الأفاعي»، فرحل هو الآخر، كما نزل مقتدى الصدر من المسرح، بعد دراما عنيفة في قلب المنطقة الخضراء.

عام 2022، غادر الجميع، وبقيت إيران تتوج نفسها في العراق، بوضع اليد على كل شيء؛ من الدولار إلى السلاح.

سؤال ما بعد الأسد

بعد ربع قرن من احتيال صدّام حسين وبدلائه على الأسئلة الكبرى، هرب بشار الأسد من دمشق. وبدا أن النخبة السياسية تتوجس من هذه المفارقة، رغم أنها تطفو على بِركة من الأسئلة. مع ذلك تحاصر كل من يسأل عن عراق ما بعد الأسد بالريبة والشك، لأن عراق ما بعد صدّام محسوم من دون حسم.

برتبك العراق -دولةً ونظاماً- في هذه اللحظة. مواجهة السؤال السوري تكشف عن الارتباك: هل ننتظر طهران لتتعامل مع أحمد الشرع، أم نسأل الجولاني عن ذكرياته في العراق؟

ذكريات العراقيين تحكم، أكثر من الدستور والحياة الحزبية والبرلمان والمجتمع المدني، لأنهم مثقلون بسداد ديون الأسئلة التي لا يجيبون عنها، وإذ يسألون: ماذا لو لم نكن في «محور المقاومة»؟ يستسهل كثيرون أجوبة فانتازية، فيما أيام العراق نفسها كانت لتجيب: عراق محاور، ينتظر حرباً، أو يشارك في رسم خرائطها.