جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

قسمهم على المصحف والمسدس ومدارسهم «السجون»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
TT

جماعات العنف.. الخروج من رحم «الإخوان»

استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)
استعراض لمقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في صورة تعود إلى يونيو 2014 (رويترز)

قال خبراء في شؤون الجماعات المتشددة في مصر إن جماعات العنف والإرهاب خرجت كلها من رحم جماعة الإخوان المسلمين. وذكر هؤلاء أن تنظيمات مثل «داعش» و«القاعدة» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس» و«الجماعة الإسلامية» و«حركة التكفير والهجرة»، جميعها مُسميات لجماعة واحدة هي «الإخوان».. وأنهم يتفقون فيما بينهم على المصحف والمسدس كقسم واحد، وأعضاء هذه التنظيمات المسلحة كانوا أعضاء بجماعة الإخوان قبل أن يشكلوا تنظيمات مسلحة. وأوضح الخبراء الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن التنظيمات الإرهابية تربت على كتب سيد قطب مرشد الجماعة الأسبق ومنهجه.. وعودة «الخلافة الإسلامية» هي ورقة قديمة في الفكر الإخواني، لافتين إلى أن إخراج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على الاعتماد على الفكر، حيث يجري إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، والثاني الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية لينفذوا أي عمليات انتحارية تُطلب منهم.
كلام الخبراء أعلاه اتفق مع دراسة دولية صدرت أخيرًا عن «مركز الدين والجغرافيا السياسية في بريطانيا»، أكدت أن 50 في المائة من المتطرفين لديهم روابط بجماعة «الإخوان المسلمين» أو بتنظيمات مرتبطة بالإخوان. ومن جانبه، ذكر الشيخ رسمي عجلان، عضو الرابطة العالمية لخريجي الأزهر، أن التنظيمات الإرهابية «تربت على كتب سيد قطب ومنهجه، ولا تجد أحدًا من هذه الجماعات الإرهابية مع اختلاف مسمياتها؛ إلا وهو يعتقد بفكر سيد قطب ويعتبره مثلاً أعلى ونموذجًا يحتذي به، بل وله مكانته عند قيادتهم وعلى رأسهم أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة».
ومن جهة ثانية، أفاد باحثون أن تنظيم «القاعدة» يُعد من أبرز التنظيمات الإرهابية التي انبثقت من الرحم الأم لجماعة الإخوان، إذ نشأ هذا التنظيم في الأساس على يد عبد الله عزام أحد القيادات التاريخية للإخوان، حيث التحق بكتائب ما يعرف بـ«المجاهدين» التي شكلها الإخوان عام 1967، والتي كان مقرها عمّان حتى سافر لأفغانستان بداية الثمانيات، ليؤسس هناك مكتبًا لجلب المجاهدين من البلدان العربية، وتشكيل ما يعرف بتنظيم «القاعدة».
وتابع الشيخ عجلان قائلاً: «التطابق ظاهر بين هذه الجماعات وفكر الإخوان وقياداتهم، ولم يعد هناك شك في أن تنظيم داعش الإرهابي امتداد طبيعي لفكر الإخوان، وقد نبت وترعرع على موائدهم وفي داخل السجون وفي مدارسهم.. ونحن لا نفتري عليهم، فهذا هو اعتراف الشيخ يوسف القرضاوي، الأب الروحي لجماعة الإخوان (المقيم في قطر) في فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبو بكر البغدادي كان من المنتمين للإخوان. وقال في الفيديو نفسه، إن البغدادي كان له نزعة قيادية مما حثه على الانضمام لتنظيم داعش بعد خروجه من السجن مباشرة. ويوجد تسجيل صوتي لسيد قطب أكد فيه أن طريق الدعوة للجماعة ليس مفروشًا بالورود؛ لكنه مفروش بالأشلاء والجماجم مزين بالدماء».
وأوضح الشيخ عجلان أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار بيت المقدس» و«حماس» جميعها أسماء لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان، ومطلب تنظيم «داعش» عودة الخلافة الإسلامية هو ورقة قديمة في الفكر الإخواني، وأن قسَمَ كل من يدخل الجماعة أو التنظيم يكون على المصحف والمسدس».
من ناحية أخرى، يقول باحثون مطلعون إن «أنصار بيت المقدس سابقًا» التي أعلنت مبايعتها لـ«داعش» وأطلقت على عناصرها «داعش مصر» نشأت عام 2005 بزعم «إقامة دين الله في الأرض بالجهاد في سبيل الله» هي واحدة من أهم الجماعات الإرهابية التي انبثقت من رحم الإخوان، وهي الذراع العسكرية لجماعة الإخوان في تنفيذ مخططاتها الإجرامية في حق المصريين. وأكد هؤلاء أن تبني «بيت المقدس» سابقًا للأعمال الإرهابية في مصر لاستعادة شرعية الإخوان المزعومة، يؤكد مدى العلاقة اللصيقة التي تربطها بالجماعة الأم الإخوان.
حسب الدراسة الحديثة جاء المرتبطون بالإخوان بنسبة 50 في المائة، وبحماس 12 في المائة، وباتحاد المحاكم الإسلامية بالصومال 8 في المائة، ولجنة الشبيبة الإسلامية 7 في المائة، والجبهة الإسلامية للإنقاذ 5 في المائة، في حين بلغت نسبة المرتبطين بجماعات أخرى 30 في المائة. إلا أن الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في «تنظيم الجهاد» المصري، يشدد على أن «الإخوان هم أصل العنف في العالم.. وجميع الجماعات الإرهابية خرجت من رحمها». ومعلوم أن الحكومة المصرية تصنف اليوم الإخوان جماعة إرهابية. وتشير معلومات في القاهرة إلى تحوّل قطاع عريض من شباب جماعة الإخوان والتيار الإسلامي الرافض لعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم إلى تبني العنف، وهاجر العشرات من أعضاء جماعة الإخوان إلى سوريا أثناء حكم مرسي، وانضموا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، ثم تحولوا إلى «داعش» لاحقًا، وشغلوا مواقع قيادية في التنظيم.
وكما يقول هؤلاء فإن تنظيم «التكفير والهجرة» أيضًا واحد من التنظيمات المهمة التي ارتبطت بجماعة الإخوان وتنفيذ مخططاتها الإرهابية، إذ نشأ في منتصف الستينات على يد الشيخ علي إسماعيل، الذي سُجن مع الإخوان في الستينات، ومن ثم انتهج نهج الخوارج في التكفير بالمعصية. وعلى الرغم من نشأة فكرة هذا التنظيم داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، فهو بعد إطلاق سراح أفراد التنظيم تبلورت أفكاره، وكثر أتباعه.
من جهته، شدد الخبير الأمني اللواء كمال مغربي لـ«الشرق الأوسط» على أن «الأسماء المتعددة للجماعات الإرهابية تعني أنهم جميعا يسيرون على نهج واحد»، مضيفًا أن «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» و«التوحيد والجهاد» و«أنصار بيت المقدس»، مسميات لجماعة واحدة هي جماعة الإخوان. وهذه الجماعات خرجت من تحت عباءة ومن مدرسة الإخوان.. وكذلك هذه الجماعات تخدم في المقام الأول المصالح العليا لجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي، لافتًا إلى أن هناك العشرات من الأدلة حول متانة العلاقة بينهم، والتي كان آخرها تزايد أعمال الإرهاب من قبل تلك الجماعة بعد عزل مرسي والإطاحة بحكم جماعة الإخوان في مصر. وما يستحق الإشارة هنا أن الولايات المتحدة تدرج تنظيمي «أنصار بيت المقدس سابقا» و«داعش» على لوائح الإرهاب، وهو ما يتسق مع الموقف الرسمي للسلطات المصرية، التي تضيف إلى القائمة جماعة «الإخوان» كأحد تنظيمات الإرهاب، وترى أن الأخيرة هي المحرك الرئيسي وهمزة الوصل بين كل التنظيمات الإرهابية الناشطة في منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
ومن جهته، يقول الدكتور محمد خضر أبو زيد، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «الدين الإسلامي أمرنا بالمحافظة على الضروريات الخمسة، ومنها الحفاظ على العقل الذي يكون منه النتاج الفكري، وأخبرنا الله عز وجل في كتابه العزيز بعدم التفرقة إلى أحزاب وجماعات، فقال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم يُنبئهم بما كانوا يفعلون)، فعندما ينقسم الناس إلى أحزاب وجماعات تظهر تلك العقول المختلفة، لتجد الفكر المتشدد والفكر المتطرف والفكر اليميني، والفكر اليساري، وكل فكر من هذه الأفكار يعطي البراهين والمعطيات والنظريات كي تكون في صفها وعلى منهجها وطريقتها التي رسمتها واختطتها لنفسها وأتباعها، لأنها تعتقد كل جماعة من هذه الجماعات أن الحق معها وأن منهجها هو الصواب، وما عداها باطل».
وتابع خضر: «على ذلك، فإن الإخوان المسلمين الذين يسعون إلى تقلد مقاليد الحكم في البلاد من اعتلائهم للموجة بالغش والتدليس والنصب للوصول إلى السلطة في مصر وغيرها من البلاد الأخرى، بعدما نكثوا كل الوعود والعهود مع القوى التي صدَّقتهم وهادنتهم. ولم يكن لمصر وغيرها من الدول العربية أن تنكب بهذا الوحش الضاري الذي لا يشبع من الدم، لولا جماعة الإخوان التي تحمل اسمًا لا يليق بها؛ بل هو براء منها. إنهم أساس كل بلاء تتعرض له الأمتان العربية والإسلامية، وبالتالي ظهرت الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تقتل باسم الدين، وتسفك الدماء باسم الدين، والدين الإسلامي منهم براء».
أما «الجماعة الإسلامية»، وفق الباحثين، فإنها نشأت في مصر أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن أبرز قياداتها الشيخ عمر عبد الرحمن المسجون بالولايات المتحدة الأميركية، وهو بدوره يُعد من أشد المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين، وكان من المقربين من الجماعة حتى اعتقاله عام 1970، وهو مسجون حاليًا في الولايات المتحدة بتهمة الإرهاب. وهنا يضيف الدكتور خضر شارحًا «أن خروج التنظيمات الإرهابية المتطرفة من رحم تلك الجماعة يشتمل على محورين، المحور الأول، الاعتماد على الفكر؛ حيث يتم إقناع المخدوعين فيهم بأنهم على الصواب، وما دونهم ليس على الطريق الصحيح، وإعطاؤهم صكوكًا بأنهم في سبيل الدعوة التي هي في سبيل الله، وأنهم في جنة الله ويحظون برضوان الله عز وجل، وهذا لا يكون إلا من خلال جلب الشباب حديث السن الذي يصدق كل كلمة تقال، فيشبون على هذا الفكر المنحرف فلا يستطيعون تغييره. أما المحور الثاني، فهو الاعتماد على المال؛ حيث يتم الإنفاق ببذخ على أصحاب الضائقات المالية، ويوفرون لهم حياة كريمة آمنة بعد أن كانوا مهددين بالتشرد والضياع بسبب ديونهم، أو غير ذلك، وبالتالي لو طلب منه أن يقوم بعملية انتحارية لن يتأخر لحظة واحدة في أن يفكر ماذا يكون مصيره، ومصير أولاده من بعده».
على صعيد آخر، توصلت الدراسة الحديثة ذاتها إلى أن النخبة المتشددة لها برنامج عالمي، والتجنيد يتم عن طريق المعارف، وبؤر النزاع تجذب المتطرفين، وشبكات التطرف في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل تعمل بشكل مستقل عن بعضها بعضا، ومعظم المتطرفين يتنقلون من مجموعة إلى أخرى. وأوضح الدكتور خضر أنه «يتم التجنيد من خلال التنظيمات الإرهابية يكون من خلال ثلاث نقاط: الجهل والفقر والبطالة. وهذه النقاط الثلاث ما تدفع الكثير من الشباب إلى التفكير في الهجرة، وقد تدفعهم الأقدار إلى الارتماء في أحضان الجماعات المتطرفة التي تستغل الوازع الديني لديهم لترسم في مستقبلهم صورًا مظلمة، وتاريخًا قد لا يستطيع أكثرهم أن يواجه به أحفاده في المستقبل». ولفت إلى أن «وجه الشبه بين الإخوان و(داعش) هو أن التنظيمين يعيشان على مبدأ الأفضلية، وأنهم مبجلان لدى الله، ويحملان راية الإسلام ضد الملحدين، كما أن (داعش) يرفع العلم الذي كان الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) يرفعه في معاركه الحربية، والإخوان شعارهم (سيف وتحته القرآن) يتضمن دعوة للحرب وليس السلام».
وتابع قائلاً: «الإخوان يرددون في مظاهراتهم واحتفالاتهم (الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)، وهي نفسها الشعارات التي يرفعها (داعش)...».
ويؤيد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، فكرة أن كل التنظيمات الإرهابية خرجت من معين جماعة الإخوان، مصيفًا أن «جماعة الإخوان ترى في منهجها ضرورة التصادم، رغم أن دور الداعي أن يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة دون أن يحتاج إلى قوة تحميه»، مستشهدًا بصحابة رسول الله الذين سافروا للتجارة في مناطق كثيرة بالدعوة الحسنة دون أي قوة. وأشار مفتي مصر إلى «أن ما يدعونه من محاولة تصحيح مسار الأمة، لا تحتاج إلى تنظيم سري أو التصادم مع المجتمع أو الاستعانة بقوة عسكرية كما دعا سيد قطب، مرشد الجماعة الأسبق».
ويعزز التوجه ذاته وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، الذي قال في تصريحات له، إن كل التنظيمات الإرهابية تخرجت من رحم جماعة الإخوان، لافتًا إلى «وجود علاقة بين مؤسسي الجماعات الإرهابية بجماعة الإخوان مرورًا بتنظيمات القاعدة وأنصار بيت المقدس وداعش»، مؤكدًا أن «كل مؤسسيها ارتبطوا بشكل قريب مع أعضاء جماعة الإخوان». وأضاف النمنم أن «الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان، لا تؤمن بالحدود والأوطان، ولا تراعي مصالح الشعوب.. وجماعة الإخوان نموذجًا لذلك خططت لتفجير القناطر الخيرية لتغرق دلتا مصر، وخططت لتفجير مفاعل أنشاص لتحرج الرئيس جمال عبد الناصر فيترك الحكم». واستطرد موضحًا أن قادة الإخوان في أعقاب ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013 في مصر هددوا الشعب بحرق مصر ما لم يعودوا للحكم، وهو ما ظهر في العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعات الإرهابية. فيما بعد تحت مسميات مختلفة».
هذا، وسبق أن أكدت دار الإفتاء المصرية، أن «دعم التنظيمات الإرهابية المسلحة وفي مقدمتها الإخوان حرام شرعًا، لأنها تسعى لدمار البلاد والعباد، وتشوه صورة الإسلام بأفعالهم الوحشية». وتابعت الدار بقولها إن «الحرمة التي يقع فيها أولئك المتطرفون بسبب جرمهم وإيذائهم وسفكهم للدماء، تنسحب هذه الحرمة وذلك الجرم أيضًا على كل من يدعم هذه الجماعات بالمال أو الإيواء أو بالكلمة؛ بل يطردون من رحمة الله»، مشيرة إلى أن الجهاد لا بد أن يكون تحت راية الدولة ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد.
وقالت دار الإفتاء في فتواها، إنه «لا يجوز لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه عبر جماعات أو تنظيمات مسلحة دون مراعاة تلك الضوابط والشروط؛ وإلا عد ذلك افتئاتا على ولاة الأمور، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه، فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد».
وفي السياق نفسه، قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء في مصر، عن تنظيم «داعش» وسائر التنظيمات الإرهابية: «هؤلاء خارجون عن صحيح الدين وتعاليم الإسلام.. ووصفه بـ(الدولة) كما يفعل الإعلام الغربي؛ إساءة بالغة للإسلام والمسلمين، لأن سلوكياتهم شاذة خارجة على أحكام الشريعة وأخلاقها».
وأضاف شومان أن «المتابع لما نحن عليه اليوم يجد أن كل ذلك يأتي ونحن أمام هجمة شرسة من التتار الجدد وهم ليسوا عنا ببعيد، فما يفعله مجرمو (داعش) في العراق حاليا لم يفعله أسلافهم، ويعلنون أن خطتهم متدرجة، وليست مصرنا خارج حدودها». ولفت وكيل الأزهر إلى أن «قطع ألسنة قادة الفتن وردهم إلى جحورهم يجب أن يكون من أولويات متخذي القرار، لوأد الفتن ورد الناس إلى لحمتهم الوطنية».
أما الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، فيرى أن «الإرهابيين على شاكلة الإخوان يخدعون أتباعهم بوهم الخلافة ويتحدثون مع بعضهم بعضًا عن توزيع السبايا من النساء»، موضحًا أن تنظيمات الظلام التي تعشق سفك الدماء وتستبيح الأعراض تأخذ آيات القتال، وتؤولها بحسب فهمها السقيم وتفسيرها العقيم لتلبس على المسلمين دينهم في محاولة بائسة من هذه التنظيمات لتبرير وشرعنة الجرائم التي يرتكبها والدماء التي يسفكها، وبذلك تثير ضغائن غير المسلمين على الإسلام والمسلمين بل تؤجج حروبًا ضد العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، حتى إن الإسلام ليؤتى من قِبَلهم، قبل أن يؤتى من قِبَل أعدائه».
وأوضح نجم أن «الجماعات الإرهابية تحاول أن تبين أنها تدعو إلى الجهاد وتقوم به لتطبق شرع الله في الأرض، حسب زعمهم، رغم أن ما تقوم به هو إرجاف وإرهاب وهم في ذلك يحرفون الكلم عن مواضعه».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».