المجمع المغربي للفوسفات يستثمر 2.5 مليار دولار في أفريقيا دعمًا للأمن الغذائي العالمي

وجه إليها 25 % من صادراته من الأسمدة في 2015

نمو قطاع الأسمدة في المغرب («الشرق الأوسط»)
نمو قطاع الأسمدة في المغرب («الشرق الأوسط»)
TT

المجمع المغربي للفوسفات يستثمر 2.5 مليار دولار في أفريقيا دعمًا للأمن الغذائي العالمي

نمو قطاع الأسمدة في المغرب («الشرق الأوسط»)
نمو قطاع الأسمدة في المغرب («الشرق الأوسط»)

تخطط مجموعة «المجمع الشريف للفوسفات» المغربية، لاستثمار 2.5 مليار دولار في مصانع أسمدة ومنشآت تخزين وتوزيع في أفريقيا الغربية. وأوضح مسؤول في المجموعة، التي تحتكر استغلال معدن الفوسفات في المغرب وتملكها الحكومة المغربية بحصة 95 في المائة، أن هذه الاستثمارات تشمل 4 مصانع أسمدة يجري التفاوض بشأنها مع حكومات نيجيريا وإثيوبيا والغابون وأنغولا، والتي يرتقب أن يكلف إنشاء كل واحد منها ما بين مليار دولار و500 مليون دولار، كما تتضمن منشآت صناعية لخلط الأسمدة وإنتاج أسمدة خاصة، وإنشاء منصات تخزين وشبكات توزيع الأسمدة والمخصبات في نحو 15 بلدا أفريقيا.
وأقام المجمع الشريف للفوسفات لأول مرة في الملتقى الدولي للزراعة بمكناس، رواقا خاصا بفرعه الأفريقي «أوسي بي أفريك»، الذي أنشأه أخيرا برأسمال 100 مليون دولار، واختار له مقرا مركزيا في الحي المالي الجديد بالدار البيضاء، و15 مقرا فرعيا في 15 دولة أفريقية. وأضاف المسؤول، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الفرع الجديد سيتولى قيادة المخطط الاستراتيجي للمجمع الشريف للفوسفات في أفريقيا، عبر مقاربة شمولية تضم الجوانب الصناعية والتجارية والاجتماعية، مستفيدا من برامج المخطط الأخضر بالمغرب، خصوصا فيما يتعلق بالفلاحة التضامنية.
وأشار إلى أن فروع «أوسي بي أفريك» ستتولى أيضا نقل التجربة المغربية في مجال إعداد «خريطة الخصوبة» إلى أفريقيا، وذلك من خلال اتفاقيات مع الحكومات المعنية. وأوضح المسؤول أن المجموعة أطلقت مشروع خريطة الخصوبة في المغرب منذ 2010، خلال الدورة الخامسة للملتقى الدولي للزراعة بمكناس، وذلك بهدف تشكيل قاعدة بيانات متكاملة حول أنواع التربة في مختلف مناطق المغرب، وتركيبات الأسمدة الملائمة لها وأنواع الزراعات التي تناسبها. ويوفر المشروع دليلا لا غنى عنه بالنسبة للمستثمرين الزراعيين والفلاحين، والذين يمكنهم استعماله عبر منظومة إعلامية تفاعلية على الإنترنت.
وحتى الآن غطت خرائط الخصوبة التي أنجزت في إطار هذا المشروع 6.78 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في المغرب. وتتضمن قاعدة بيانات المشروع نتائج تحليل 26 ألف عينة من التربة، أنجزتها مختبرات البحث الزراعي بالمغرب في إطار المشروع، من أجل تطوير المعرفة بالخصوصيات الزراعية للمناطق التي أخذت منها.
ويقول المسؤول: «هدفنا هو توجيه إنتاج الأسمدة حسب الاحتياجات الخاصة لكل نوع من أنواع التربة، ولكل صنف من أصناف الزراعة التي تصلح لها تلك التربة. ووراء هذا التوجه نسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين، الأول تحقيق النجاعة من حيث المردودية والعائد بالنسبة للاستثمار الزراعي، والثاني حماية البيئة من أي استعمال مفرط وغير عقلاني للأسمدة. فالاستعمال العشوائي للأسمدة غالبا ما ينتج عنه الإفراط في استعمال أسمدة غير مناسبة، مما يؤدي إلى الإضرار بالبيئة من دون تحقيق الهدف من استعمال الأسمدة والمتمثل في زيادة الإنتاج كما ونوعا».
ويعتمد المجمع الشريف للفوسفات على هذه الخرائط لتصنيع الأسمدة وفق تركيبات خاصة وملائمة لكل نوع من أنواع التربة، وعبر التنسيق مع شبكات التوزيع المعتمدة، ليوجه لكل منطقة الأسمدة والمخصبات التي تحتاجها والتي تلائمها. ولتعريف المزارعين بهذا البرنامج ينظم المجمع الشريف للفوسفات قوافل تضم مرشدين ومستشارين زراعيين، للالتقاء بالفلاحين في عين المكان وتدريبهم على استعمال الأسمدة.
وفي سياق توسعه الأفريقي، يسعى المجمع الشريف للفوسفات لنقل تجربة خرائط الخصوبة، بوصفها أداة لتوجيه وترشيد الاستثمار الزراعي، إلى الدول الأفريقية، في إطار شراكات واتفاقيات مع الحكومات المعنية. ويقول المصدر: إن «أفريقيا أصبحت بالنسبة لنا وجهة استراتيجية في سياق السياسة الأفريقية الجديدة، التي أطلقها الملك محمد السادس في 2012».
تجدر الإشارة إلى أن أفريقيا أصبحت تمثل حصة 25 في المائة من صادراتها من الأسمدة في 2015، مقابل 23 في المائة بالنسبة لأوروبا، وذلك بعد أن كانت حصة أفريقيا لا تتجاوز واحدا في المائة قبل سنوات.
وفي بداية العام الحالي، افتتح المجمع الشريف للفوسفات مركبا صناعيا ضخما موجها للتصدير نحو أفريقيا، تحت اسم «أفريكان فيرتليزر كومبليكس» في المنطقة الصناعية الكيماوية، الجرف الأصفر، جنوب الدار البيضاء. ويضم المركب مصنعا لحامض الكبريت بسعة 1.4 مليون طن، ومصنعا للحامض الفوسفوري بحجم 450 ألف طن، ومصنعا للأسمدة بقدرة مليون طن سنويا.
ويقول المصدر: إنه «في عام 2015، تجاوزت صادراتنا من الأسمدة صوب أفريقيا سقف المليون طن، ونظرا للسرعة الكبيرة التي تنمو بها، فنتوقع أن نصل خلال سنوات قليلة إلى 5 مليون طن».
ويتوقع خبراء المجمع الشريف للفوسفات أن تشكل الأسواق الأفريقية الصاعدة المنفذ الرئيسي لإنتاج المجموعة من الأسمدة مستقبلا، المتوقع أن يصل إجمالا إلى 12 مليون طن في العام المقبل، مقابل 7 مليون طن حاليا، مع إتمام برنامج بناء المصانع الكبرى للأسمدة في منطقة الجرف الأصفر. ويقول المصدر ذاته: «تعتبر أفريقيا اليوم من المناطق الأكثر جاذبية للاستثمارات الزراعية في العالم. وتشهد الدول الأفريقية حاليا تدفقات غير مسبوقة من الاستثمارات الزراعية من الصين وأميركا ودول الخليج، وغيرها من الدول التي قررت الاستثمار في الأمن الغذائي العالمي، وبالتالي فهي تشكل سوقا واعدة وديناميكية بالنسبة للمجمع الشريف للفوسفات، الذي اختار الاستثمار في الأسمدة والمخصبات دعما للأمن الغذائي في أفريقيا والعالم».



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.