العنف يعصف بحلب لليوم التاسع على التوالي.. وعدد القتلى المدنيين يتجاوز الـ250

النظام ينتهج سياسة «الأرض المحروقة» لتهجير السكان قبل انطلاق الهجوم البري

سوريان يتفقدان محلهما بعد قصف النظام لمدينة حلب أمس (رويترز)
سوريان يتفقدان محلهما بعد قصف النظام لمدينة حلب أمس (رويترز)
TT

العنف يعصف بحلب لليوم التاسع على التوالي.. وعدد القتلى المدنيين يتجاوز الـ250

سوريان يتفقدان محلهما بعد قصف النظام لمدينة حلب أمس (رويترز)
سوريان يتفقدان محلهما بعد قصف النظام لمدينة حلب أمس (رويترز)

لم تلحظ مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري وثاني كبرى مدن سوريا، يوم أمس السبت شيئا من الهدنة التي أعلنت في محافظتي ريف دمشق واللاذقية، فاستمر العنف العاصف بها منذ 10 أيام على حاله حاصدا المئات من القتلى والجرحى. كذلك ولم ترد أمس أي مؤشرات تُذكر لوقف قريب لإطلاق النار، بل بالعكس، استمر الحديث عن تحضير النظام المدعوم من إيران وروسيا لهجوم بري لاحتلال مناطق تسيطر عليها المعارضة بعد تهجير المدنيين منها معتمدا سياسة «الأرض المحروقة».
«المرصد السوري لحقوق الإنسان» نجح في إحصاء عدد القتلى المدنيين الذين سقطوا في المدينة خلال الأيام الـ9 الماضية، لافتا إلى مقتل 250 مدنيا، 140 منهم من بينهم 19 طفلا سقطوا في مناطق سيطرة المعارضة و96 آخرون من بينهم 21 طفلا قتلوا أثناء وجودهم في مناطق سيطرة النظام.
وفي الوقت الذي شهدت فيه مناطق سيطرة قوات الأسد في حلب يوم أمس هدوءا حذرا، واصلت الطائرات الحربية السورية والروسية بقصف مناطق سيطرة المعارضة مستهدفة إياها بأكثر من 28 غارة ما أدّى لمقتل أكثر من 6 مدنيين. وقال هادي العبد الله، الناشط في مناطق سيطرة المعارضة في حلب، لـ«الشرق الأوسط» بأن «قوات النظام واصلت يوم أمس استهداف الأماكن الحيوية التي تعتبر شريان الحياة الأخير للسكان والذين يفوق عددهم الـ350 ألفا»، لافتا إلى أن عمليات القصف لم تهدأ منذ تسعة أيام للحظة واحدة. وتحدث العبد الله عن «حركة نزوح محدودة جدا باعتبار أنّه أصلا لا مكان ليلجأ إليه المدنيون نظرا لكون الحدود السورية – التركية مغلقة، إضافة إلى أن معظم الحلبيين يفضلون الموت تحت ركام منازلهم على الموت مشردين على الحدود»، وأضاف: «ثم إن طريق الكاستيلو الذي هو المنفذ الوحيد من وإلى المدينة مستهدف باستمرار ولم يعد ممرا آمنا للراغبين في الخروج». وأشار العبد الله إلى «كارثة كبيرة ترزح تحتها حلب على الصعيد الطبي بعد استهداف المستشفيات»، مشيرا إلى وجود «طبيب أطفال واحد وطبيب أوعية واحد يقومان بكل العمليات وهما لا ينامان وعلى وشك الانهيار في أي لحظة». وتابع: «حتى الساعة لم يدخل أي طبيب أو أي منظمة إنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة، ونحن نخشى أن نفقد أحد هذين الطبيبين اللذين يشكلان الأمل الوحيد المتبقي لـ350 ألف مواطن سوري محاصرين».
وللعلم، مدينة حلب مقسمة منذ عام 2012 بين أحياء شرقية تسيطر عليها فصائل المعارضة وأخرى غربية واقعة تحت سيطرة النظام. وتتنوع في محافظة حلب الجبهات وأطراف النزاع، إذ تخوض قوات النظام معارك ضد «جبهة النصرة» والفصائل المقاتلة المتحالفة معها في ريف محافظة حلب الجنوبي والمناطق الواقعة شمالي المدينة، كما تدور معارك بين تنظيم داعش وقوات النظام في ريفها الجنوبي الشرقي، وأخرى بين التنظيم والفصائل المقاتلة قرب الحدود التركية في أقصى ريف المدينة الشمالي.
هذا، ويُجمع المعنيون بالملف السوري والمراقبون على أن النظام ينتهج «سياسة الأرض المحروقة» تمهيدًا لهجوم بري واسع، وهو ما أشار إليه رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» عندما قال: إن قوات النظام تعمل على تكثيف غاراتها بمسعى لتهجير المدنيين قبل انطلاق العملية العسكرية الواسعة الجاري الإعداد لها. وأوضح عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» في اتصال معه «حتى الساعة نلحظ تعزيزات لقوات النظام والعناصر الموالية لها، لكن لا يمكن الحديث عن حشود كبيرة بدأت تتجمع في حلب... لعل عملية التهجير تحتاج مزيدا من الوقت».
من جهته، تحدث عبد القادر علاف، الناشط السوري المطلع على أوضاع حلب تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن وجود «خطة ممنهجة للنظام بضرب المشافي والأفران والبنى التحتية لدفع السكان إلى الهجرة بعد فقدان كل مقومات الحياة»، مستبعدا أن يكون هناك من غادر أو سيغادر باعتبار أن السكان المحاصرين حاليا قرروا ومنذ زمن البقاء في منازلهم والموت فيها إذا كان لا بد من الموت.
سياسيا، أثار استثناء حلب من اتفاق الهدنة الروسية - الأميركية التي شملت مناطق ريف دمشق واللاذقية استغراب ونقمة المدنيين والسوريين والمراقبين في العالم أجمع على حد سواء. وعدّ رئيس مركز «جسور» السوري المعارض محمد سرميني استثناء حلب «جزءًا من الضغط المتواصل الأميركي – الروسي على هيئة المفاوضات المعارضة للعودة إلى جانب، أضف لكونه يندرج بإطار الضغط على تركيا باعتبار أن الشمال السوري وحلب بالتحديد جزء من العمق الاستراتيجي لتركيا. وقال سرميني لـ«الشرق الأوسط» في حوار «ما تشهده حلب أبعد من سياسة الأرض المحروقة. إنها حرب إبادة لكسر إرادة المدنيين لتهجيرهم»، معتبرا أن العنوان الكبير للمعركة لا يزال «بقاء الأسد أو رحيله».
أما على الصعيد الإنساني، فقد أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن فرار عشرات السكان من الأحياء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب السبت من منازلهم نحو مناطق أكثر أمانا، لكن هذا الخبر لم يؤكده الناطق باسم منظمة «الصليب الأحمر الدولي» باول كريسيان الذي قال: إنه لا تقارير لديهم تفيد بحالات نزوح كبيرة، مرجحا أن يكون من يريدون أن يغادروا حلب غادروها فعلاً قبل مدة. وقال كريسيان لـ«الشرق الأوسط» إن «معطياتنا تفيد بعمليات عنف متواصلة في مناطق سيطرة النظام والمعارضة على حد سواء وإن كانت مناطق سيطرة الأخيرة أي المناطق الشرقية الأكثر تضررا». وحثّ الناطق باسم المنظمة الدولية لوقف «العنف العشوائي، الذي يؤدي لمقتل المدنيين وزيادة معاناتهم خاصة في ظل استهداف المراكز الطبية والمستشفيات»، لافتا إلى أن طواقم «الصليب الأحمر جاهزة في حلب وستتحرك بأسرع وقت عندما يسمح الوضع الأمني بذلك».
عودة إلى الوكالة الفرنسية، فإن مراسلها أفاد أنه شاهد في الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في مدينة حلب، عند الساعة الخامسة من فجر السبت عشرات العائلات تغادر منازلها في حي بستان القصر الذي تعرض لقصف جوي عنيف خلال الأيام الماضية. وأكد بعض السكان أنهم ينزحون إلى أماكن أخرى أكثر أمانا في المدينة فيما فضل آخرون مغادرتها بالكامل عبر طريق الكاستيلو، المنفذ الوحيد لسكان الأحياء الشرقية، والمؤدي إلى غرب البلاد. وأثناء نقله بعض الحاجيات من منزله إلى سيارته في بستان القصر استعدادا للمغادرة، قال أبو محمد «الوضع لم يعد يحتمل»، لافتا إلى أنه لم يدخل ولو زبون واحد إلى متجره للأدوات المنزلية منذ أسبوع بسبب الغارات، ولقد تعرض أحد أطفاله الخمسة لنكسة صحية جراء الخوف الشديد من الغارات. وقرر أبو محمد الفرار إلى محافظة إدلب (غرب) عبر طريق الكاستيلو الذي يتعرض أيضا لقصف جوي منذ أيام عدة.
ولقد بدت الأحياء الشرقية من المدينة السبت فارغة تماما من السكان فأغلقت المحال وفضّل المواطنون البقاء في منازلهم، بينما اختار البعض النزول إلى أقبية المنازل علها تكون أكثر أمانا.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.