جنازة مؤثرة للصحافي سردار أحمد في كابل

باريس ترثي مسؤول مكتب وكالة الصحافة الفرنسية وزوجته وطفليهما بعد مقتلهم بهجوم لطالبان

عائلة وأقارب الصحافي الأفغاني سردار أحمد يحتشدون أمام مسجد عيد غاه في العاصمة كابل في انتظار خروج جثمانه قبل دفنه في مقبرة العائلة أمس (أ.ف.ب)  -  جنود أفغان يحملون صورة عمر نجل الصحافي الأفغاني سردار أحمد الذي قتل أيضا مع والده في هجوم لطالبان (أ.ف.ب)
عائلة وأقارب الصحافي الأفغاني سردار أحمد يحتشدون أمام مسجد عيد غاه في العاصمة كابل في انتظار خروج جثمانه قبل دفنه في مقبرة العائلة أمس (أ.ف.ب) - جنود أفغان يحملون صورة عمر نجل الصحافي الأفغاني سردار أحمد الذي قتل أيضا مع والده في هجوم لطالبان (أ.ف.ب)
TT

جنازة مؤثرة للصحافي سردار أحمد في كابل

عائلة وأقارب الصحافي الأفغاني سردار أحمد يحتشدون أمام مسجد عيد غاه في العاصمة كابل في انتظار خروج جثمانه قبل دفنه في مقبرة العائلة أمس (أ.ف.ب)  -  جنود أفغان يحملون صورة عمر نجل الصحافي الأفغاني سردار أحمد الذي قتل أيضا مع والده في هجوم لطالبان (أ.ف.ب)
عائلة وأقارب الصحافي الأفغاني سردار أحمد يحتشدون أمام مسجد عيد غاه في العاصمة كابل في انتظار خروج جثمانه قبل دفنه في مقبرة العائلة أمس (أ.ف.ب) - جنود أفغان يحملون صورة عمر نجل الصحافي الأفغاني سردار أحمد الذي قتل أيضا مع والده في هجوم لطالبان (أ.ف.ب)

شارك مئات الأشخاص أمس في تشييع جنازة سردار أحمد الصحافي الأفغاني في وكالة الصحافة الفرنسية الذي قتلته مع زوجته واثنين من أولاده مجموعة من حركة طالبان.
واحتشد أفراد العائلة والأقارب في المنزل العائلي في كابل للصلاة على القتلى قبل الجنازة في مسجد عيد غاه. ومنعت السلطات السير أمس في عدد من الشوارع التي سيسلكها موكب الجنازة في كابل. ورافقت صور كبيرة مزينة بالورود النعوش، ولف نعشا سردار وزوجته الحميراء بالعلم الأفغاني، ثم ووريت جثامين سردار (40 سنة)، وزوجته، وابنتهما نيلوفار (ست سنوات) وابنهما عمر (خمس سنوات)، الثرى جنبا إلى جنب في مقبرة بضاحية العاصمة الأفغانية. وتوالى على تأبين سردار وعائلته بكلمات مؤثرة كل من أشقائه ورئيس جهاز الاستخبارات الأفغانية أمر الله صالح والنائبة شوكيرا براك زائي ورئيس مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في باكستان وأفغانستان أمانويل دوبارك، والمصورة الأفغانية ماراي شاه. أما السفارة الفرنسية فوضع مندوبوها أكاليل زهور على الأضرحة.
وكان سردار أحمد المراسل منذ عشر سنوات في مكتب وكالة الصحافة الفرنسية، قتل مع زوجته واثنين من أولادهما في الهجوم الذي شنته مجموعة من عناصر طالبان مساء الخميس على فندق «سيرينا» في كابل. وما زال ابنهما الثالث أبو زار البالغ من العمر عامين والذي أصيب بجروح خطرة في حالة حرجة، أمس. وقتل في الهجوم الدامي على أفخم فنادق العاصمة الأفغانية تسعة أشخاص بالإجمال منهم كنديتان تعملان في مؤسسة «آغا خان» ومواطن من الباراغواي يعمل لحساب منظمة «إن دي آي» الأميركية.
وكان سردار أحمد كتب عشرات التحقيقات عن الحياة بعد حركة طالبان، وازدهار تجارة الأفيون ووضع الأطفال والتحديات التي تواجهها أفغانستان على صعيد إعادة الإعمار والانتخابات الرئاسية في 2004 و2009 ومواضيع متنوعة اتسمت جميعها بلمسات إنسانية ونظرة ثاقبة ولاذعة أحيانا. وعلى هامش عمله في وكالة الصحافة الفرنسية، أسس هذا الصحافي المتخصص في المسائل الأمنية والمعروف بدقته واستقامته وتحقيقاته الحية، وكالة «برسيستان» المحلية للأنباء التي تؤمن خدمات الترجمة للصحافيين الأجانب الذين يأتون إلى أفغانستان.
وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في رسالة إلى رئيس مجلس إدارة وكالة الصحافة الفرنسية إيمانويل هوغ، إن سردار أحمد «الذي قتل أثناء ممارسة مهنته، كان صحافيا متحمسا وحريصا على أن ينقل بدقة ورهافة وذكاء تعقيدات الوضع الأفغاني». وبعث وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتعازيه إلى عائلة سردار أحمد، بينما أعرب الرئيس الأفغاني عن أسفه لخسارة «صحافي لامع». وأشاد رئيس مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في كابل بن شيبارد بالصفات الإنسانية والمهنية لزميله وصديقه. وقال إن «سردار الذكي والواسع الاطلاع والأنيق والذي يفيض حماسة لافتة، كان صحافيا من الطراز الأول.. ورجلا يترك أثرا على أي شخص يلتقيه».
وسيتوجه الأفغان في الخامس من أبريل (نيسان) المقبل إلى مراكز الاقتراع لانتخاب خلف لحميد كرزاي، الوحيد الذي حكم البلاد منذ التدخل العسكري الغربي الذي أطاح حركة طالبان عن السلطة أواخر 2001. ولا يستطيع كرزاي بموجب الدستور الترشح لولاية ثالثة في هذه الانتخابات التي تفتح الطريق لأول عملية انتقالية ديمقراطية في هذا البلد الذي أنهكته حرب استمرت أكثر من ثلاثة عقود. لكن حركة طالبان حذرت من أنها «ستعرقل» هذه الانتخابات وتهاجم المسؤولين السياسيين والانتخابيين والمراقبين، للتأثير على المشاركة الشعبية وعلى القدرة على الكشف عن عمليات تزوير انتخابية محتملة. وقال خبراء في الشأن الأفغاني: «نعتقد أن هذا الهجوم متصل مباشرة بالانتخابات».
بدوره، قال أحمد رشيد المؤلف الشهير بكتبه عن حركة طالبان، إن «الهدف السياسي لحركة طالبان واضح، فهم يريدون إضعاف مصداقية الانتخابات والتسبب في أزمة شرعية في كابل، والوصول بهذه الطريقة أقوياء إلى طاولة المفاوضات». وأضاف أن فرع طالبان الذي يرفض المصالحة مع الحكم لبسط الاستقرار في البلاد بعد انسحاب الحلف الأطلسي أواخر العام الجاري، قد يتذرع بهذه الأزمة في كابل لمحاولة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.
يذكر أن فندق «سيرينا» الفخم الذي تميزه ساحة داخلية كبيرة وقاعة رياضة وحوض سباحة وبضعة مطاعم، كان تعرض لعملية انتحارية شنتها في يناير (كانون الثاني) 2008 حركة طالبان وأسفرت عن ثمانية قتلى. وشدد الفندق تدابيره الأمنية بعد ذلك الهجوم، لذلك استمر في استقطاب الأجانب والدبلوماسيين ورجال الأعمال الأفغان. لكن السلطات الأفغانية اتهمت أمس الأجهزة الأمنية للفندق بالعجز عن اكتشاف الأسلحة التي كان يحملها المهاجمون. ويندرج الهجوم على فندق «سيرينا» أيضا في إطار موجة العنف التي تستهدف الأجانب في أفغانستان، مما أرغم منظمات على تقليص متابعتها للانتخابات. وفي يناير الماضي، قتلت مجموعة انتحارية من حركة طالبان 21 شخصا منهم 13 أجنبيا، في هجوم استهدف «مطعم لبنان» في كابل.



اليمين المتطرف يسترد مساحته في الإعلام أوروبياً وأميركياً

برلوسكوني... رائد هيمنة اليمين على الإعلام الأوروبي (رويترز)
برلوسكوني... رائد هيمنة اليمين على الإعلام الأوروبي (رويترز)
TT

اليمين المتطرف يسترد مساحته في الإعلام أوروبياً وأميركياً

برلوسكوني... رائد هيمنة اليمين على الإعلام الأوروبي (رويترز)
برلوسكوني... رائد هيمنة اليمين على الإعلام الأوروبي (رويترز)

منذ وصول الفاشيين إلى الحكم في إيطاليا مطالع القرن الفائت، وصعود النازية إلى السلطة في ألمانيا على أعتاب الحرب العالمية، لم تشهد الدول الغربية مثل هذا الاهتمام الذي توليه اليوم وسائل الإعلام بالموجة اليمينية المتطرفة والشعبوية، التي تنداح على امتداد القارة الأوروبية، وتضرب جذوراً في الأميركتين الشمالية والجنوبية.

الصحافة الإيطالية الليبرالية، وفي طليعتها «لا ريبوبليكا» و«لا ستامبا»، تخصّص كل يوم مساحات واسعة لظاهرة عودة اليمين المتطرف، الفاشي الجذور، إلى الحكم، ومحاولاته الدؤوبة للتمويه والتبرّج، بغية الظهور بحلّة الاعتدال ونفض الصورة التي لازمته طوال فترة حكمه السابقة، وكانت سبب حظره الدستوري بعد سقوطه.

وفي إسبانيا تفرد جريدة «الباييس»، وهي الأوسع تأثيراً في البلدان الناطقة بالإسبانية، منذ العام الماضي، باباً للتحقيقات والمقالات التحليلية التي تتناول نشاط اليمين المتطرف بعد دخوله بقوة إلى البرلمان، ومشاركته في عدد من الحكومات الإقليمية، للمرة الأولى، منذ سقوط ديكتاتورية الجنرال فرانشيسكو فرنكو.

أيضاً مجلة «التايم» الأميركية تحذّر منذ أشهر، مع «الإيكونوميست» البريطانية، من أن خطر الصعود اليميني المتطرف والأحزاب القومية على الديمقراطيات الغربية بات مُحدقاً وحقيقياً. والوسائل المتخصصة في التحليلات السياسية العميقة مثل «بوليتيكو» و«فورين بوليسي» تخشى، بدورها، ما تعدّه تداعيات كارثية على الحريات والنظام الديمقراطي في حال استمرار صعود الظاهرة اليمينية المتطرفة ورسوخها في الدول الغربية.

أما صحيفة «لوموند» الفرنسية الرصينة فهي لم تنفكّ منذ سنوات عن التحذير من مخاطر وصول اليمين المتطرف إلى الحكم، وتدعو في افتتاحياتها ومقالاتها التحليلية إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الفرنسي، لتحصينه ضد ما سمّته «الخطر الداهم» على القيم والمبادئ الجمهورية.

الصفحة الأولى من "إل باييس" الإسبانية (إل باييس)

ملكية المؤسسات الإعلامية

لكن في حين تتوافق غالبية وسائل الإعلام الغربية الكبرى على هذه التحذيرات، يُلاحظ أن معظمها قد أصبحت بيد حفنة من المؤسسات الاقتصادية والمالية المعروفة بميولها المحافظة، وجنوحها التقليدي نحو دعم القوى السياسية والاجتماعية المتشددة. والمعروف أن هذه المؤسسات، وامتداداتها المتشعّبة، لعبت دوراً بارزاً في إخماد نشاط الأحزاب والقوى التقدمية واليسارية والليبرالية وأسهمت في انحسارها، لا بل في انهيارها كلياً في بعض الحالات.

وحقاً، كثيرة هي أصابع الاتهام التي تشير إلى دور المؤسسات الإعلامية الكبرى، ومسـؤوليتها عن صعود الحركات اليمينية والشعبوية. وهناك مثال واضح يتجسّد في الدور الأساسي الذي لعبته القنوات التلفزيونية والصحف التي كان يملكها رئيس الوزراء الإيطالي الثري الراحل سيلفيو برلوسكوني في نزوله إلى المعترك السياسي، وصعوده فيه، ثم وصوله إلى الحكم ثلاث مرات.

لقد شهدت الديمقراطيات الغربية منذ مطلع هذا القرن تحولاً ملحوظاً في المشهد الإعلامي، كانت له تداعيات عميقة على النقاش السياسي العام؛ إذ أحدث هذا التحوّل خللاً في توازن حرية التعبير جاء لمصلحة التطرف والاستقطاب الحاد، وباتت النظم الديمقراطية تشهد أزمات قوّضت كثيراً من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها: التشكيك في نتائج الانتخابات، ورفض الموضوعية في وسائل الإعلام، والتعاطي مع الخصوم السياسيين بوصفهم أعداء، فضلاً عن إباحة العنف السياسي الذي غدا من السمات الرئيسية للحملات الانتخابية والنقاش العام. بمعنى آخر، صار جوهر النظام الديمقراطي، الذي يقوم على حرية التعبير، بصفته مدخلاً للحوار والنقاش المفضي إلى قرارات تقبل بها الأقلية والغالبية؛ موضع تشكيك وجدل في معظم الحالات.

شعار منصة (ٕكس) فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

منصّات التواصلهذا الواقع الجديد، مشفوعاً بالحضور الواسع والمتعاظم لوسائل التواصل، حرم المنظومة الإعلامية من أن تلعب أحد أدوارها الأساسية بصفتها منتدى للمناظرة ومناقشة المقترحات بأسلوب موثوق يعكس تعدد الآراء ويحترمها. وكان لمنصات التواصل دور فاعل جداً في تشكيل معارك المشهد السياسي الجديد، خصوصاً في ظهور القوى الشعبوية المتطرّفة المناهضة للنظام القائم، حتى إن بعضها، مثل «النجوم الخمس» في إيطاليا أو «فوكس» في إسبانيا، نشأ حصراً على هذه المنصات التي ما زالت تشكّل قاعدة نشاطها الأساسية.

أيضاً، كان الصراع الجيوسياسي العالمي المحتدم منذ سنوات من العوامل البارزة التي ساعدت على صعود الحركات والقوى الشعبوية واليمينية المتطرفة، وتالياً زيادة الاستقطاب في المشهد السياسي الأوروبي. فروسيا الاتحادية سخّرت إمكانات ضخمة لدعم الأحزاب التي تعارض توسيع حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي في اتجاه البلدان المجاورة التي كانت ضمن دائرة نفوذ موسكو في السابق، كما دعّمت القوى التي ترفض مواصلة تقديم الدعم العسكري إلى أوكرانيا.

والصين، من جهتها، تستخدم منذ سنوات أساليب متعددة للتأثير في المشهد الإعلامي الغربي ومحاولة التغلغل فيه، مثل نشر مواد إعلامية تدعم مواقفها وسياساتها في بعض الوسائل الكبرى، واللجوء إلى التهديد غير المباشر -عن طريق الضغط الاقتصادي- ضد الوسائل التي تنشر مواد تنتقد سياسة بكين، وتنشط في المضايقة «السيبرانية» عبر حسابات مزوّرة على منصّات التواصل الاجتماعي وحملات تضليلية منتظمة.

ولقد تنبّه الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى تعاظم هذا التدخّل الروسي والصيني، ومخاطر تأثيره في المشهدين الإعلامي والسياسي. وهو في صدد إنجاز اقتراح جديد لتنظيم القطاع الإعلامي؛ بهدف تحصينه ضد هذا التدخل... الذي تفيد آخر التقارير بأنه بلغ في الأشهر الأخيرة مستويات مقلقة جداً من حيث تأثيره في كثير من العمليات الانتخابية في بلدان الاتحاد.