زراعة الألغام المحرمة تعكس حالة يأس الميليشيات الانقلابية

الفرق الخاصة السعودية تنزعها بمهارة وخبرة وتفان منقطع النظير

جزء من تدريبات متنوعة يتلقاها أفراد وحدات المظليين الخاصة («الشرق الأوسط»)
جزء من تدريبات متنوعة يتلقاها أفراد وحدات المظليين الخاصة («الشرق الأوسط»)
TT

زراعة الألغام المحرمة تعكس حالة يأس الميليشيات الانقلابية

جزء من تدريبات متنوعة يتلقاها أفراد وحدات المظليين الخاصة («الشرق الأوسط»)
جزء من تدريبات متنوعة يتلقاها أفراد وحدات المظليين الخاصة («الشرق الأوسط»)

لجأت الميليشيات الانقلابية إلى زرع الألغام، المحرمة دوليا، على طول المناطق الحدودية السعودية اليمنية، بعد الهزائم العسكرية التي منيت بها خلال النزاع الحالي. هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان تسبب في وقوع كثير من الضحايا من أفراد القوات البرية السعودية خلال عمليات نزع الألغام وإبطال مفعولها أو إنقاذ بعض الضحايا من زملائهم.
فرق من القوات الخاصة السعودية، تتوجه في ساعات الفجر الأولى باتجاه أهدافها، وهي البحث عن الألغام ومن وقعوا ضحايا لانفجاراتها.
يتكون فريق الإنقاذ من القوات الخاصة من اثني عشر شخصا. يقوم الفريق بمهمة قاسية، تتحدى وعرة جبال المنطقة بجازان (جنوب السعودية)، في عملية البحث لتحديد مواقع الألغام. يضم الفريق خبراء نزع الألغام ومتخصصين من الخدمات الطبية، والباقي يعمل في تقنية الإحداثيات والتواصل مع القيادة.
وبعد أكثر من ساعتين على تحقيق الهدف الرئيسي، خلال إحدى المهمات، كان الوكيل رقيب عطا الله الحويطي، والعريف عودة العطوي، من وزارة الدفاع السعودية، يحملان جثمان شهيد، ومن خلفهما قائد المهمة. وعلى مقربة منهم، لا تتجاوز بضعة أمتار، كان ينتشر بقية أعضاء الفريق. لكن المفاجأة التي تلقاها الفريق هي إصابة الحويطي في الساق نتيجة انفجار لغم، مما أدى إلى اكتشاف الألغام الأخرى المزروعة في الحقل، التي وضعت بعشوائية.
ثوانٍ معدودة، بقي فيها العريف عودة العطوي، ومن خلفه قائد المهمة، الذي حاول أن يتفادى المسار لإنقاذ المصاب الأول الحويطي، موعزا للعريف الحويطي بالثبات في المكان. استمر الفريق بحمل الجثمان، متجها نحو منطقة آمنة، لكن المفاجأة أن الميليشيات الحوثية زرعت ألغاما عدة تحت عدد من الصخور، التي اتجه إلى إحداها قائد المهمة، مما أسفر عن انفجار لغم آخر تسبب في فقدانه قدمه اليمنى.
قائد فريق المهمة، عامر الرميح، النقيب في القوات الخاصة، يتحدث بفخر وثقة تامين، عن تفاصيل العملية أثناء زيارة «الشرق الأوسط» له بمقر تأهيله وعلاجه الطبي، بـ«مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية» في العاصمة الرياض. يضيف الرميح، في حديث مفصل، أنه استطاع وقف النزيف بسرعة رغم تأثره بشظايا عدة في أنحاء جسده، وتهشيم اللغم طرف قدمه اليمنى، وكسر في أصابع يده اليسرى، وهو ما مكنه من السير على قدم واحدة.
يقول الرميح: «أثناء المسير الذي استغرق قرابة الثلاث ساعات، وبعد تجاوز حقل الألغام، كانت حقول الألغام تنتشر في المسارات الجبلية، حيث اكتشف الفريق شراكا خداعية، لكنه استطاع أن ينزع الألغام بنجاح طوال الطريق. مما سهل المهمة لإسعاف المصابين الاثنين، وتسليم الجثة بسلام». وأضاف أنه قبل الوصول كانت المساندة الطبية متواجدة، لسرعة نقل المصاب الحويطي نظرا لتأثر كلتا قدميه باللغم.
وتم نقل المصابين الرميح والحويطي، بعد إجراء الجراحات اللازمة في المستشفى الميداني، إلى المستشفى العسكري بالرياض وإجراء العمليات اللازمة، انتهت بخروج الحويطي بعد تأهيله العلاجي، قبل أيام، فيما لا يزال الرميح ومعه بضعة أفراد من مختلف القطاعات يتلقون العلاجات اللازمة.
مهمة ناجحة، انتهت، نظرا لتحقيق الهدف منها، وسلامة أعضاء الفريق كافة، بينما الإصابات، كما يفسرها مسطرو التضحيات السعودية، ليست سوى مرحلة استعادة القوة من جديد، مؤكدين أن الاستعدادات الميدانية السابقة في وقت السلم، ساهمت في جعل كل المهام قابلة للنجاح، وتحقيق الأهداف مهما بلغت الخطورة، وانعدمت أيضا نسب الحياة.
عقيدتان، وطنية وعسكرية، كانتا لافتتين خلال زيارات بعض المصابين في «مدينة الأمير سلطان الطبية العسكرية» بالرياض، كان الرميح وزملاؤه عاكسين لها، ثقة في النفس وانعدام التباين في مسؤوليات الأفراد عن الضباط، معززين ذلك بحديثهم، بانتشال جثمان شهيد، والمحافظة على الأرواح، مما يعكس الإيمان الكبير بشرف مهنتهم، كما يقول بعض المصابين، وتنفيذهم الأعمال الدفاعية والإنسانية، مترابطين في صفوفهم ومساندين بعضهم بعضا، ومتحدين أي تهديدات وطنية وإقليمية.
قوات سعودية تجابه مراحل أخرى من تهديدات ميليشيا الحوثي وصالح، رغم التضاريس الصعبة التي تحيط بالجزء الجنوبي للسعودية، لكن، ومنذ بدء «عاصفة الحزم»، لم تكن أمام ميليشيات العدو على الحدود السعودية سوى رمي قذائف الكاتيوشا بشكل عشوائي تجاه بعض المواقع، وكذلك زراعة الألغام في المواقع المحايدة بطريقة عشوائية، بعد استنفاد كل أسلحتهم الثقيلة، وتصدي قوات الدفاع الجوي السعودي لكل محاولات استهداف المدن الحدودية، بإسقاطها صواريخ سكود، من منصات تم تدميرها بعد دقائق من إطلاقها تلك الصواريخ، فيما كانت منصات الصواريخ الباليستية هدفا رئيسيا منذ غارات التحالف في أيام العاصفة العسكرية الحازمة، منذ أواخر شهر مارس (آذار) من العام الماضي.
القوات السعودية أحكمت السيطرة على حدودها مع اليمن، وضيقت الخناق على الحوثي وأنصار صالح، سادة منافذ التسلل، وساعية لتأمين محيطها للإقليم وأمنها الوطني. بل يزيد عليها ما أعلنه، العميد ركن أحمد عسيري، المتحدث باسم قوات التحالف، المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي، أن صالح والحوثي هما من يتحملان تمدد «القاعدة» وتواجد «داعش» في اليمن، عادا السعودية وقوات التحالف في اليمن تهدفان إلى العلاج الجذري، لا المؤقت بخصوص الشرعية.
وكما حققت بالأمس قوات النخبة السعودية، من «الصاعقة المظلية» نجاحات في تحرير عدن من ميليشيا الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح، كان حضور القوات الخاصة من اللواء المظلي وقوات الأمن الخاصة التابعة للقوات الملكية البرية، مميزا على الدوام، حيث ساهمت بتحرير مدينة المكلا اليمنية من تنظيم القاعدة الإرهابي، في عملية أطلقها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، ويشارك فيها الجيش اليمني وعناصر من القوات الخاصة الإماراتية كذلك، وأسفرت العملية في ساعاتها الأولى عن مقتل ما يزيد على (800) من عناصر القاعدة وعدد من قياداتهم وفرار البقية منهم، وفق بيان للتحالف العربي الاثنين الماضي.
وتمتاز النخبة السعودية، التي تعود وفق هيكلتها إلى لواء قوات المظليين الخاص، بعناصر قتالية متفوقة، والقيام بأدوار دقيقة وسريعة، ومنها ما يعرف بالقوات الخاصة والصاعقة القادرة على التعايش مع الظروف الطبيعية المتنوعة برا أو بحرا أو جوا، وكذلك أداء أعمال الإمداد الإغاثي والإنساني، والواجبات الطبية الأولية.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».