الإمارات تختار تصميم المعماري الإسباني سانتياغو كالاترافا لجناحها في «إكسبو 2020 دبي»

بعد المنافسة مع 9 شركات قدمت 11 مفهومًا مختلفًا للتصميم

رسم تخيلي للتصميم الفائز لجناح الإمارات في «إكسبو 2020» («الشرق الأوسط»)
رسم تخيلي للتصميم الفائز لجناح الإمارات في «إكسبو 2020» («الشرق الأوسط»)
TT

الإمارات تختار تصميم المعماري الإسباني سانتياغو كالاترافا لجناحها في «إكسبو 2020 دبي»

رسم تخيلي للتصميم الفائز لجناح الإمارات في «إكسبو 2020» («الشرق الأوسط»)
رسم تخيلي للتصميم الفائز لجناح الإمارات في «إكسبو 2020» («الشرق الأوسط»)

بعد المنافسة مع تسع شركات قدمت 11 مفهومًا مختلفًا للتصميم، اختارت الإمارات التصميم الذي قدمه المعماري الإسباني سانتياغو كالاترافا لجناح البلاد في معرض «إكسبو» العالمي، المزمع إقامته في مدينة دبي في عام 2020 بعد منافسة 9 شركات معمارية عالمية قدمت 11 مفهوما مختلفا للتصميم المعماري لجناح البلاد الذي يجسد مفهوم «تواصل العقول وصنع المستقبل»، إضافة إلى قدرتها على عكس التراث الإماراتي الأصيل وتحقيق التوازن بين ماضي الدولة ومستقبلها.
وجاء اختيار التصميم الفائز، نتيجة لقرار اللجنة التحكيمية التي تضم ممثلين عن كل من المجلس الوطني للإعلام وفريق «إكسبو 2020 دبي»، و«مصدر»، وشركة «إعمار»، حيث صوتت اللجنة للتصميم المقدم من سانتياغو كالاترافا رسميًا، عقب مسابقة تصميم استمرت لسبعة أشهر أشرفت على إدارتها شركة «مصدر»، مبادرة أبوظبي متعددة الأوجه للطاقة المتجددة بصفتها مدير البرنامج، وتم تقييم جميع التصاميم بناء على معايير محددة تشمل مدى نجاح هذه التصاميم في تمثيل الشعار الرئيسي لمعرض «إكسبو 2020». وأشاد الدكتور سلطان بن أحمد سلطان الجابر، وزير دولة رئيس مجلس إدارة المجلس الوطني للإعلام، بهذه المناسبة بالجهود المخلصة التي بذلها أعضاء اللجنة التحكيمية في إجراء دراسات دقيقة لجميع التصاميم المقترحة، التي قدمتها الشركات العالمية.
وقال إن «المفهوم العام لتصميم جناح دولة الإمارات يسلط الضوء على المبادئ والقيم التي تؤمن بها الدولة، والمتمثلة في الانفتاح والتواصل والتسامح التي تتماشى مع الشعار الرئيسي للمعرض، وتسهم في تعزيز التعاون، والعمل المشترك مع المجتمع الدولي، بهدف الارتقاء بجودة الحياة من خلال التنمية المستدامة». وأضاف أن «دولة الإمارات متمسكة بجذورها، وتسير بخطوات واثقة نحو بناء مستقبل مشرق لأجيال الغد، والتصميم الفائز يجسد هذا الارتباط بالإرث الوطني، من خلال رياضة الصيد بالصقور، فضلا عن أنه يقدم صورة معبرة عن النظرة المستقبلية لدولة الإمارات».
من جانبها، قالت ريم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي مدير عام مكتب «إكسبو 2020 دبي»، إن «هذا الجناح سيكون من أهم الرموز المميزة لـ(إكسبو 2020 دبي)، حيث يعبر تصميمه عن روح التعاون والترابط التي انتقلت بالإمارات من مجرد بضعة مجتمعات صغيرة تعيش في الصحراء إلى دولة عصرية تعد نقطة التقاء لجميع شعوب العالم، ونحرص على أن يعكس هذا الجناح آمالنا وطموحاتنا للسنوات المقبلة».
ويشغل جناح الدولة موقعا استراتيجيا مقابل «الوصل بلازا» في وسط منطقة المعارض التي تمتد على مساحة مائتي هكتار، حيث يعد الجناح المنصة الرئيسية للإمارات أثناء استقبالها نحو 25 مليون زائر، ومشارك من أكثر من 180 دولة حول العالم الذين سيتوافدون لهذا المعرض البارز في الفترة بين أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وأبريل (نيسان) 2021. وقال سانتياغو كالاترافا إن «هذا المشروع له أهمية وطنية وعالمية خصوصا أنني واثق بأن التصميم النهائي سيرمز إلى روح الجرأة والريادة، التي تتحلى بها الإمارات، والتي سنراها جلية من خلال الدورة الأكثر شمولية في تاريخ معارض (إكسبو)». ومن المخطط أن تبلغ المساحة الإجمالية لجناح الإمارات 15 ألف متر مربع، حيث سيتضمن عددا كبيرا من مناطق العرض وقاعة رئيسية ومطاعم وردهات لكبار الزوار، وسيتم تنفيذ بناء الجناح وفقا لأعلى معايير البناء المستدامة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)