سوريا: صلاة الجمعة تغيب عن حلب.. وعائلاتها تبكي ضحاياها على وقع الغارات الجوية

95 في المائة من الأطباء غادروا أو قتلوا.. ولم يبق إلا 80 طبيبًا للاهتمام بـ250 ألف شخص

عائلات سورية تفر من حي مأهول بالمدنيين في حلب بعد قصف طائرات النظام له أول من أمس (أ.ف.ب)
عائلات سورية تفر من حي مأهول بالمدنيين في حلب بعد قصف طائرات النظام له أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

سوريا: صلاة الجمعة تغيب عن حلب.. وعائلاتها تبكي ضحاياها على وقع الغارات الجوية

عائلات سورية تفر من حي مأهول بالمدنيين في حلب بعد قصف طائرات النظام له أول من أمس (أ.ف.ب)
عائلات سورية تفر من حي مأهول بالمدنيين في حلب بعد قصف طائرات النظام له أول من أمس (أ.ف.ب)

غابت أصوات الخطباء عن منابر مساجد مدينة حلب السورية في صلاة الجمعة، ظهر يوم أمس، فيما بقيت أصوات وصور العائلات المفجوعة برؤية جثث أقربائها شاخصة أمام عيون السوريين وأبناء حلب الذين باتوا يعدّون أيامهم المتبقية بالساعة والدقيقة.
قد يختصر «حلب تحترق» و«حلب تباد» - وهما الوسمان اللذان انتشرا على وسائل التواصل الاجتماعي - الوضع في عاصمة سوريا الثانية خلال الأيام الأخيرة. لكن هذا التضامن مهما بلغ لن يعوّض العائلات عمن غاب من أبنائها ولن يعيد إليهم أرزاقهم التي حولها طيران النظامين السوري والروسي إلى ركام، من دون أن يستثني حتى المستشفيات والمراكز الطبية.
هنا في حلب، بعد أكثر من أسبوع على الحملة العسكرية المستمرة على المدينة، باتت الطرقات خالية إلا ممن لا يزال يعيش على أمل إيجاد أحد أبنائه أو أقاربه حيا أو ميتا تحت الأنقاض، وذلك في ظل اتباع النظام وداعميه سياسة الإبادة «حجرا وبشرا»، بحسب ما يصفه معارضون. المتطوعون والناشطون يحاولون القيام بالمهمة رغم صعوبتها، بعدما طلبوا من الأهالي لزوم منازلهم نظرًا لكثافة القصف الجوي الذي تتعرض له المدينة، بينما اتخذ المجلس الشرعي في المحافظة قرارا بتعليق صلاة الجمعة لأول مرة في أحياء المدينة الخاضعة لسيطرة المعارضة خوفا على سلامة المصلين.
«أينما ذهبتم تسمعون دوي انفجار قذائف الهواوين والغارات وهدير الطائرات. السكان يعيشون على حد السكين. كلهم يخشون الموت»، بهذه الكلمات وصف فالتر غرو، ممثل «الصليب الأحمر» في حلب الوضع هناك. وفي حين قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن حلب باتت «على شفير كارثة إنسانية»، كانت الأمم المتحدة قد حذرت من أن لجان الإغاثة لن تتمكن من إيصال المساعدات الطارئة إلى مئات الآلاف من السوريين في حال استمرار المعارك.
وبعدما باتت معظم المراكز الطبية في حلب عاجزة عن القيام بمهمتها كما يجب، بسبب استهدافها المستمر، كان آخرها قصف «مستشفى القدس» الذي أدى إلى مقتل نحو 50 شخصا بينهم آخر طبيب أطفال في المدينة، من المتوقع أن يتّخذ مجلس الأمن الدولي قرارا يوم الثلاثاء المقبل، يدعو فيه إلى حماية المرافق الطبية وحظر استهدافها، بحسب ما أشارت إليه مصادر مطّلعة لـ«الشرق الأوسط». وهو ما كان لفت إليه مندوب نيوزيلندا لدى مجلس الأمن جيرارد فان بوهيمن، موضحا أن القرار سيدين الهجمات التي تستهدف منشآت طبية ويطالب بحماية العاملين في المجال الطبي والمستشفيات.
وفي هذا الإطار، قالت ميسكيلدا زنكادا، رئيسة بعثة منظمة «أطباء بلا حدود» في سوريا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب): «لم يبق سوى ما بين 70 و80 طبيبا للاهتمام بـ250 ألف شخص، لا يزالون يعيشون في القسم الشرقي من المدينة؛ لأن 95 في المائة من الأطباء غادروا أو قتلوا».
وتزداد الظروف المعيشية صعوبة يوما بعد يوم في المدينة، حسب زنكادا التي قالت أيضا إن «وضع الذين لا يزالون في حلب هو الأكثر هشاشة؛ لأنهم لا يملكون ما يكفي من المال للنزوح».
وكانت الغارة الجوية التي استهدفت «مستشفى القدس» - التي تدعمها «أطباء بلا حدود» - كفيلة بإنهاء حياة طبيب الأطفال الشاب، الدكتور محمد وسيم معاذ، مع طبيب أسنان و3 ممرضات. ولقد نذر محمد وسيم معاذ نفسه لخدمة أطفال مدينته حلب، وسط الحرب الضارية التي تضربها، وأصر على البقاء في هذا «الجحيم» رافضا المغادرة إلى أن فارق الحياة وهو يقوم بعمله.
يؤكد زملاء محمد أنه «كان أفضل طبيب أطفال في المنطقة، وعيناه المتعبتان تكشفان وتيرة عمل هذا الطبيب الذي كان يعمل من دون توقف، لإنقاذ حياة أطفال مدينته، سواء كانوا من المرضى أو من جرحى قصف قوات النظام في الأحياء الشرقية للمدينة، الواقعة تحت سيطرة الفصائل المسلحة المعارضة».
يتحدر الطبيب معاذ من حلب نفسها، وكان يعمل خلال النهار في مستشفى الأطفال وليلا في قسم الطوارئ في مستشفى القدس. وكانت عائلته قد غادرت حلب إلى تركيا، وكان من المفترض أن يقوم بزيارتها خلال الأيام القليلة المقبلة، لو لم تخطفه الغارة الجوية التي ضربت المستشفى. وعندما تصاعدت وتيرة القصف خلال الأيام التي سبقت إصابة المستشفى، قام معاذ مع أعضاء الفريق الآخرين بإنزال حاضنات الأطفال الرضع إلى الطابق الأرضي، ظنا منهم أنهم قد يكونون بمكان أكثر أمانا.
من جهة أخرى، قالت ميريلا حديب، المتحدثة باسم مكتب منظمة «أطباء بلا حدود» في بيروت الذي يقدم الدعم المالي لمستشفى القدس، إن الطبيب معاذ كان «مندفعا جدا واختار المجازفة بحياته لمساعدة سكان حلب». وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية: «مستشفى القدس هو المستشفى الرئيسي للأطفال، وكان معاذ يعمل فيه منذ سنوات طويلة» معتبرة أن «خسارته لا تعوض».
ووفق «أطباء بلا حدود» فإن الوضع في مدينة حلب، وخصوصا على خطوط جبهات هذا النزاع الوحشي «كان حرجًا جدًا حتى قبل هذا الهجوم على مستشفى القدس»، مشيرة إلى أنه بقي ما يقدّر بـ250 ألف شخص في المدينة، شهدوا ارتفاعًا هائلاً في مستويات القصف والقتال والموت خلال الأسابيع الأخيرة. ولفتت المنظمة إلى أنه لم يبقَ سوى طريق واحدة مفتوحة للدخول والخروج من المناطق التي لا تقع تحت سيطرة النظام، وفي حال تم قطعها ستصبح المدينة محاصرة بالكامل.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.