جهود دولية لإعادة إحياء «هدنة حلب».. وقصف يطال مسجدين ومستوصفًا

المعارضة: النظام يعدها معركته ولا ثقة لدينا بالمجتمع الدولي

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجتمعا إلى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجتمعا إلى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا (رويترز)
TT

جهود دولية لإعادة إحياء «هدنة حلب».. وقصف يطال مسجدين ومستوصفًا

الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجتمعا إلى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا (رويترز)
الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مجتمعا إلى المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا (رويترز)

في وقت استمرت الحملة العسكرية على مدينة حلب، ثاني كبرى مدن سوريا وعاصمة شمالها؛ إذ استهدف القصف، يوم أمس، مسجدين ومستوصفا في المدينة، وسجل سقوط المزيد من القتلى والجرحى المدنيين، كشف رئيس «جبهة التحرير والتغيير» قدري جميل، لـ«الشرق الأوسط»، أن «اتفاق نظام الصمت» الذي تم الاتفاق عليه بين روسيا وأميركا لإعادة إحياء الهدنة في اللاذقية ودمشق قد ينسحب خلال أيام قليلة على حلب.
جميل، وهو نائب رئيس وزراء سابق مقرب من موسكو، عد أنه «يجب العمل على إنجاح الهدنة بصرف النظر عن الضمانات». وفي انتقاد مبطن إلى «الهيئة العامة للمفاوضات»، التي تمثل معظم فصائل المعارضة السورية، قال: «بدل القول: إنها انهارت على من يريد صمودها الاستمرار في المفاوضات». ولفت جميل إلى أنه يجري العمل من قبل «الرعاة الدوليين» على إعادة بناء «جسور الثقة»، تمهيدا لإعادة إحيائها في حلب.
وفي المقابل، قال مصدر معارض في تصريح أدلى به لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام يعد أن حلب معركته ولن يقبل بأن تشملها الهدنة، وما حصل اليوم باستثنائها من الاتفاق الجديد خير دليل على ذلك». كذلك قال قائد المجلس العسكري السابق في حلب، العقيد عبد الجبار العكيدي: «إن القصف لم يتوقف طوال ساعات النهار، مؤكدا أنه تم تدمير مسجدين ومستوصف في المدينة؛ مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى مدنيين».
العكيدي تساءل «هل تنظيم داعش موجود في حلب كي يطلقوا قصفهم عليها؟»، مؤكدا أن كل القتلى الذين يسقطون من المدنيين. وعن المعلومات التي تشير إلى جهود لإعادة إحياء الهدنة في حلب، قال العكيدي: «من جرب مجرب عقله مخرب. كل التجارب السابقة تثبت عدم وجود أي نوايا لإنهاء الأزمة السورية. الهدنة كانت من طرف واحد هو المعارضة، بينما استمر القصف والدمار على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي وبضوء أخضر أميركي». وعد أن النظام لم يلتزم بالهدنة كما يجب في أي منطقة من سوريا في حين صعَّد حملته على حلب.
ويوم أمس، أفاد «مكتب أخبار سوريا» بمقتل 16 مدنيا وإصابة أكثر من 35 آخرين بجروح، جراء استهداف الطيران المروحي والحربي النظامي أحياء خاضعة لسيطرة المعارضة في مدينة حلب. ولفت إلى استهداف الطيران الحربي الروسي مستوصف حي المرجة، الذي كان يقدم خدماته مجانا في الجهة الجنوبية من المدينة؛ مما أدى إلى تضرره بشكل كبير وخروجه عن الخدمة، كما أغار على مسجد «أويس القرني» في حي السكري وسط حلب؛ مما أدى إلى أضرار مادية به فقط، بسبب عدم وجود مصلين داخله. وكذلك أشار إلى مقتل ستة مدنيين في حي المغاير بوسط حلب، وسبعة في حي الفردوس، وإصابة أكثر من 25 آخرين فيهما بجروح، جراء إلقاء الطيران المروحي النظامي عشرات أسطوانات الغاز المتفجرة عليهما، واستهدافهما بالصواريخ الفراغية؛ مما أدى إلى دمار في الأبنية السكنية أيضا. وفي أحياء أخرى، قتل مدني في كل من القاطرجي وبستان القصر، وطفل يبلغ 12 عاما في الصاخور، وأصيب أكثر من عشرة آخرين بجروح، بعضها خطرة، جراء استهداف الطيران الحربي النظامي الأحياء الثلاثة بخمس غارات بالصواريخ الفراغية.
من جهة أخرى، قال: «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إنه «أصيب عدد من الأشخاص في غارة استهدفت مستوصفا في حي المرجة الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة في حلب بشمال سوريا بعد يوم من مقتل 35 شخصا في غارة استهدفت مستشفى ميدانيا إثر تصعيد المعارك بين قوات النظام والمعارضة». وقال أحد سكان حي بستان القصر الشعبي إن «الأرض تهتز تحت أقدامنا» بعد غارات جديدة شنتها طائرات النظام اليوم الجمعة. وأضاف أن «الغارات لم تتوقف طوال الليل. لم ننم ولو دقيقة واحدة». هذا، وقتل أكثر من 200 مدني في حلب مع تجدد المعارك منذ أكثر من أسبوع بين فصائل المعارضة التي تقصف مناطق سيطرة النظام بالمدفعية والقذائف الصاروخية في حين تشن قوات النظام غارات جوية على أحياء المعارضة.
وفي حين أكد العكيدي سقوط أكثر من 14 برميلا متفجرا من الصباح حتى ظهر أمس، أشارت «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب) إلى أن الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة تعرضت لعشر غارات على الأقل، وأن المسعفين يعملون بلا توقف منتقلين من حي لآخر». وقال الدفاع المدني إن عدة أشخاص بينهم ممرض واحد على الأقل أصيبوا في الغارة على المستوصف الواقع في حي المرجة شرق المدينة. وخلفت الغارة أضرارا جسيمة في المستوصف الذي يضم عيادة للأسنان وأخرى للأمراض المزمنة ويقدم خدمات لسكان الحي منذ خمس سنوات. ومن جانبها، عدت الأمم المتحدة قصف مستشفى القدس الميداني «غير مبرر»، ودعا الأمين العام بان كي مون إلى محاسبة المسؤولين عن «هذه الجرائم». وأدان بان كي مون «أعمال القصف العشوائية التي تنفذها القوات الحكومية وفصائل المعارضة والتكتيكات الإرهابية التي يلجأ إليها المتطرفون»، داعيا مختلف الأطراف المتحاربة إلى وقف المعارك «فورا». لكن النظام السوري نفى قصف المستشفى، بل إن وزير الإعلام عمران الزعبي قال: إن «لا وجود لهذا المستشفى».
في هذه الأثناء، أعربت الولايات المتحدة، مساء الخميس، عن «غضب شديد» إثر قصف المستشفى على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قال: «لا نزال نحاول الحصول على مزيد من المعلومات حول هذا القصف، ولكن يبدو أن هذه الغارات استهدفت عمدا مبنى طبيا معروفا، وتضاف إلى حصيلة نظام الأسد الذي سبق أن قصف منشآت مماثلة ومسعفين». وبدورها، كانت منظمة «أطباء بلا حدود» قد أدانت تدمير مستشفى القدس الذي قتل فيه آخر طبيب أطفال في المنطقة. ويعد المستشفى «مركز الإحالة الرئيسي لطب الأطفال في حلب»، وتدعمه المنظمة منذ عام 2012.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».