«أربعاء أيوب».. طقس مصري ـ لبناني للاستشفاء بمياه البحر المتوسط

توافد عشرات من أهل سيناء إلى شواطئ مدينة العريش الساحلية بشمال سيناء إحياء لطقس «أربعاء أيوب»، أو كما يطلق عليه بالعامية السيناوية «أربعة أيوب»، بوصفه طقسا سنويا خلال شهر أبريل (نيسان)، وقبيل احتفال «شم النسيم»، اعتقادا منهم بأن الاغتسال سبع مرات بمياه البحر يشفي من الأمراض، كما شُفي النبي أيوب، عليه السلام، من مرضه العضال بعد معاناة 40 عاما.
طقوس الاحتفال ترجع إلى قصة النبي أيوب وصبره وشفائه، كما ورد عنه في «العهد القديم»، وفي خمس آيات وردت في سورتين في القرآن الكريم. ويعد «أربعاء أيوب» هو رابع أيام احتفالية «أسبوع الآلام» عند الأقباط، لذا يقال: «يا صبر أيوب» كناية عن صبر أيوب على الابتلاء. وكما هي عادة كثير من العائلات في العريش، اصطحبت السيدة مكارم أبو بكر (65 سنة) ابنتيها إلى شاطئ العريش ومعهم بعض المأكولات والمشروبات، وافترشوا الشاطئ الرملي في انتظار لحظة غروب الشمس، وما إن حانت اللحظة حتى قاموا بالنزول إلى مياه البحر، رافضات الخروج منها إلا بعد أن تمر بهم سبع موجات، وفقا لمعتقدات سائدة بأن النبي أيوب شفي بعد أن ضربته سبع موجات، فهي تؤمن بالمقولة المتداولة بين أجيال من أسرتها «اللي ما بيغتسل بأربعة أيوب، جسمه يفنى ويدوب». وتقول: «أعرف أن الأجيال الجديدة ترى في هذا الاحتفال خرافة، لكن عن تجربة أشعر بأنني أكثر صحة ونشاطا كل عام، كما أنها فرصة للابتهال إلى الله ومناجاته في أن يرزق ابنتي بالذرية الصالحة، وكنا قد توقفنا عن إحياء هذا الطقس العامين الماضيين، لكن هذا العام مع الجو الحار واستقرار الأوضاع الأمنية قررنا أن نستعيد عاداتنا وتراثنا».
توارثت أجيال من السيناويين هذا الطقس، كما تحرص كثير من العائلات المصرية المسيحية والمسلمة ممن لم يشاركوا في طقوس «أربعاء أيوب» على الشاطئ، على غسل وجوههم بماء تنقع فيه «حشيشة أيوب»، أو «عشبة العرعر» المعروفة بفوائدها الطبية منذ أيام الفراعنة، التي يعتقد أنها تشفي من السعال المزمن وأوجاع الصدر وضعف المعدة وتقاوم السموم.
وتقول دميانة سمير (55 سنة) من القاهرة، منذ ثورة يناير (كانون الثاني) عام 2011، وبسبب الظروف الأمنية والإرهاب في سيناء، تعذر علي أنا وأسرتي السفر لإحياء هذا الطقس على شاطئ العريش الساحر الذي كانت والدتي حريصة عليه، لكننا نستعيض عنه بتدليك الجسم بنبات أخضر يسمى «العرعر»، الذي يقال إن النبي أيوب قام بتدليك جسده المريض به، فشفي من أمراضه، وأن ذلك كان يوم الأربعاء، وأحيانا يقوم البعض بالاغتسال في المنزل بوضع نبات النعناع أو البقدونس في ماء الاغتسال، مع ضرورة إلقاء الماء داخل المنزل خصوصا أمام الأبواب، مستخدمين في ذلك فروع النبات الأخضر، اعتقادا بأن ذلك يمنع الشرور من دخول المنزل طوال العام. وتضيف: «تقوم بعض الأسر من أقاربنا في الأرياف ببعض الطقوس والممارسات الأخرى، مثل: استخدام بكور القمح في عمل (عروسة)، وتناول القمح الأخضر (الفريك)».
وفى القرى التي تقع على ضفتي نهر النيل، يحتفل الناس بذكرى شفاء سيدنا أيوب عليه السلام، وذلك عن طريق الاغتسال في النيل باستخدام نبات «الغبيرة» الذي يكون دائما موجودا على الحافة بين اليابسة والماء، وهو نبات شوكي قاس يحتملون قسوته، لأنه يحمل الشفاء للأجساد العليلة. ويبدو أن تلك المعتقدات خاصة بثقافة أهل الضفة الجنوبية من البحر المتوسط، حيث احتفل أهل بيروت «البيارتة» بإحياء طقس «أربعة أيوب»، حيث خرج المئات إلى شاطئ «الرملة البيضاء»، في احتفالية دعت إليها صفحة «تراث بيروت» على موقع «فيسبوك»، وعدد من الجمعيات المهتمة بالتراث الثقافي والحضاري. ومنذ بدايات القرن الماضي كان أهل بيروت يخرجون إلى هذا الشاطئ منذ الصباح الباكر ومعهم الطائرات الورقية الملونة، وفقا للمثل الدارج «ميه نيسان تحيي الإنسان». بينما تحرص الأمهات على التنافس في إعداد أطباق حلوى «المفتقة»، وهي حلوى من الأرز والسكر وطحينة السمسم والعقدة الصفراء، وتحتاج إلى صبر في طهيها، حيث تستغرق نحو خمس ساعات.