تفاصيل جديدة حول سرقة وتخريب أكبر متاحف العراق

يكشفها أحد موظفي المتحف بمناسبة الذكرى الـ13 لاحتلال بغداد

قاعة في المتحف الوطني العراقي بعد إعادة افتتاحه في عام 2011 (غيتي)
قاعة في المتحف الوطني العراقي بعد إعادة افتتاحه في عام 2011 (غيتي)
TT

تفاصيل جديدة حول سرقة وتخريب أكبر متاحف العراق

قاعة في المتحف الوطني العراقي بعد إعادة افتتاحه في عام 2011 (غيتي)
قاعة في المتحف الوطني العراقي بعد إعادة افتتاحه في عام 2011 (غيتي)

لم يستطع الفنان علي الدليمي، أحد الموظفين العاملين في مركز صدام للفنون، أحد أكبر وأهم المتاحف الفنية في العراق في زمن النظام السابق، من حبس دموعه وهو يتذكر تفاصيل أكبر عملية سرقة وتخريب تعرض لها المتحف في 10 أبريل (نيسان) عام 2003 بعد دخول قوات الاحتلال إلى بغداد وإسقاط نظام الحكم، رغم إجراءاتهم الاحترازية التي سبقت الحادثة وتطلبت منه ومن معه من موظفين نقل أهم النوادر المتحفية إلى سراديب شاسعة وآمنة في المركز بعد تغليفها.
تفاصيل أخرى تكشف لأول مرة لقصة سرقة المتحف وحرق الأرشيف التابع له والعصابات المنظمة التي تهيأت للسرقة قبل يومين من احتلال بغداد، كانت حاضرة بمناسبة الاحتفال الذي نظمه المتحف مؤخرا بمناسبة مرور الذكرى الـ13 لجريمة سرقة المتحف التي وصفها مختصون بأنها «جريمة العصر».
في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يقول الفنان علي الدليمي، وهو يشغل حاليا مدير المتحف الوطني للفن الحديث في وزارة الثقافة العراقية: «قبل إعلان ساعة الصفر لعمليات احتلال العراق من عام 2003. اتخذت أغلب الدوائر الرسمية العراقية، وشبه الرسمية، والمنظمات الجماهيرية، إجراءاتها الوقائية الاحترازية للحفاظ على أبنيتها وأموالها المنقولة وغيرها. فكان مركز صدام للفنون، المسمى وقتذاك، والذي تقع بنايته وسط العاصمة بغداد في منطقة العلاوي يضم آلاف الأعمال الفنية المتحفية للتجارب النادرة، ما بين اللوحات الزيتية، والغرافيك، والتخطيطات والمائية، ولوحات الخط العربي والزخرفة، والنحت بخاماته كافة، والسيراميك، ولجميع الأسماء البارزة، منذ الرعيل الأول للفنانين العراقيين وحتى بداية الاحتلال. ولكثرة الأعمال، التي تربو على 8 آلاف عمل، بمختلف الأحجام، وأهميتها الفنية البالغة، التي كانت منها معروضة على مساحة طبقات المركز الخمس، ومنها في المخزن الأرضي، لم يكن هنالك مكان آمن للحفاظ عليها سوى سرداب البناية العملاق والمحكم جيدا من جميع الاتجاهات، فكانت مهمة صعبة جدا ومستحيلة أن ننقل هذا الكم الهائل من الأعمال إلى أماكن خارج بناية المتحف، كما لا نستطيع فتح كثير منها من إطاراتها؛ لأنها كانت لوحات متعبة ومتضررة بسبب قدمها؛ مما يعرضها إلى التلف التام، وحتى لو كنا قد نقلناها إلى مكان آخر بعيد، لسرقت أيضا، حيث تعرضت جميع الدوائر الرسمية، وأماكنها البديلة للنهب والتخريب الفاحش. المهم، فقد كلفني الفنان مخلد المختار، مدير عام دائرة الفنون التشكيلية حينذاك، بتشكيل لجنة من موظفي الدائرة، والمباشرة بحفظ أعمال الرواد أولا، وتغليفها بالنايلون والحبال، وإنزالها إلى زوايا السرداب الشاسعة والآمنة».
وبالفعل، والكلام ما زال للدليمي «فقد اتخذنا الإجراءات السريعة، وحفظت أعداد كبيرة منها، وحكمت أبواب السرداب بشكل جيد، إلا أن أعمالا كثيرة أخرى كانت معروضة في طبقات المركز، فضلا عن المخزن، الذي كان يضم آلاف الأعمال المهمة. كانت هناك الحمايات الأمنية من الجيش والشرطة، والزمَر الخاصة تنتشر في جميع مناطق بغداد، ومن ضمنها الرقعة الجغرافية التي يقع فيها المتحف في شارع حيفا، فضلا عن خفارات الموظفين المتواصلة الليل مع النهار، رغم هجرة الأهالي إلى خارج بغداد؛ خوفا من العمليات العسكرية، التي بدأت تتصاعد وتيرتها يوما بعد آخر، وأصبحت بغداد عبارة عن مدينة للأشباح، والخوف، والذعر، والمستقبل المجهول، وبدأ نذير الشؤم يدب في البلاد والعباد، ونحن نتلمسه واقعا علينا لا محالة، وأخذنا نبحث عن لقمة طعام صغيرة تسد رمقنا الجائع، وأجسادنا المتعبة التي لم تذق طعم النوم ولا الراحة.. حيث انعدمت وسائل النقل في الشوارع، وأغلقت المحال والمطاعم.. لم يبق في المدينة إلا مجاميع أمنية وعسكرية تجول هنا وهناك».
يقول الدليمي: «إن الموظفين داخل المتحف تبادلوا المهمات ليتاح لهم الفرصة للاطمئنان على عوائلهم، وجلب بعض الطعام»، ويستكمل: «قبل ما يسمى بـ(سقوط بغداد) بيومين ذهبت للاطمئنان على عائلتي، سيرا على الأقدام من شارع حيفا إلى منطقة سكناي في بغداد الجديدة، على أمل أن أعود صباح الغد التالي، بعد أن وفرت بعض الأطعمة لزملائي. إلا أننا فوجئنا بفوضى اللصوص وعناصر التخريب قد ظهرت عن بكرة أبيها وهم يسرقون ما خف وزنه وغلا ثمنه، وتدمر وتحرق مؤسساتنا ومرافقنا الرسمية كافة، من دوائر ومدارس وجامعات ومستشفيات ومصارف.. و.. و..، رغم خطط الطوارئ والتحكيمات الصارمة.. لقد كان انهيارا سريعا ومفاجئا لم نتوقعه أبدا».
وبحسرة كبيرة، يواصل الدليمي كلامه بالقول: «استمرت فوضى السرقة والنهب ومسلسل الحرائق بضعة أيام قبل أن أتمكن من الوصول إلى المتحف، وكان منظرا رهيبا، لم أستطع تقبله وهضمه حتى هذه اللحظة؛ لأنني لم أتصور في موجة سخيفة كهذه، يخرب ويضيع كل هذا الإرث العراقي العملاق، التي صنعته أياد وطنية نظيفة. لقد انتهى كل شيء.. سرق ما سرق، وحرق ما حرق، لوحات ممزقة وإطارات منزوعة من لوحات مسروقة، وفقدان سجلات وبطاقات الوصف المتحفي لكل عمل متحفي.. بالاسم والمادة والتاريخ والموضوع والسنة.. إلخ. كنا قد عملنا عليها لسنين طوال.. من أجل أرشفتها وتبويبها وحفظها في أقراص خاصة. ناهيك عن حرق جميع ملفات الأرشيف التي كانت تضم كل شاردة وواردة من مسيرة الحركة التشكيلية في العراق، وفق تبويب مفهرس ودقيق جدا، كذلك المكتبة المتخصصة بأمهات المصادر والمراجع العربية والدولية،, أحرقت عن بكرة أبيها.
يشير الديلمي إلى أن الضرر الذي تعرضت له الأعمال الفنية المتحفية البالغة أكثر من ثمانية آلاف عمل فني، حسب السجلات الإدارية الأساسية: «كان نصيبها ما بين السرقة المنظمة، والأعمال الهمجية الأخرى، والتمزيق لعدد كبير منها، مع سبق الإصرار، والأضرار البليغة التي وصلت درجتها 100 في المائة، حيث أصبحت هذه الأعمال خارج نطاق العرض الفني، بل أغلبها غير صالح لأي صيانة أو معالجة وقائية فنية. ونقل ما تبقى من إطلالات الأعمال المتحفية، التي لا يتجاوز عددها الألف، إلى المتحف العراقي للآثار؛ لغرض تأمينها وحفظها مؤقتًا لحين انجلاء الظرف الفوضوي.. كون متحف الآثار وفرت له حماية خاصة. ورغم مخاطبتنا القوات الأميركية، التي كانت متواجدة، بتوفير الحماية اللازمة على ما تبقى في بناية متحفنا الفني، فإنهم رفضوا.. بينما مصرف الرشيد الذي هو مقابل المتحف قد وفروا له الحماية وتخصيص مدرعة عسكرية لتحمي بوابته!».
ورغم الظرف المؤلم جدا الذي حدث، ومأساة الكارثة الإنسانية والثقافية التي ألمت بهذا الصرح المتحفي العملاق، يقول الديلمي «لم نقف مكتوفي الأيدي، بل شمرنا عن سواعدنا، وبدأت جهودنا الحثيثة والواثقة، وبتأنٍ من جديد، لأجل تأهيل وصيانة المتحف بشكله الطبيعي، وحسب الإمكانات المتوافرة، لإعادة بريقه ورسالته التربوية، حيث جمع ما تبقى من الأعمال المتناثرة على الأرض، في حالة يرثى لها جدا، فمنها المتضرر كليا ومنها الممزق جزئيا».
ويكتشف الموظفون خلال عملهم أن أغلب الأعمال الفنية التي سرقت من المتحف، هي بفعل لصوص وتجار اللوحات، الذين يعرفون قيمتها المادية، ويضيف الديلمي: «قد جاءني الكثير منهم يعرضون عليّ بيعها من أجل إعادتها إلى المتحف.. لأنهم قد اشتروها من الأسواق! لكني رفضت ذلك، لأني غير مخول بالتفاوض، ودعوتهم لتسليمها إلى وزارة الثقافة مباشرة؛ عسى أن يشتروها منهم، لكن الوزارة والقائمين عليها كانوا أيضا مشغولين بفسادهم المالي، إلى أن تم تهريبها إلى خارج العراق، لتباع بأسعار باهظة، ويسدل الستار عنها بشكل نهائي، رغم مخاطباتنا إلى منظمة (يونسكو)، والشرطة الدولية (الإنتربول)، والقاعات الفنية داخل العراق وخارجه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».