تضييق غير معلن على الاقتصاد الإيراني

مؤسسات دولية تخشى التعامل مع إيران رغم رفع الحظر الغربي

أحد سائقي التاكسي ينتظر الزبائن في العاصمة طهران (أ.ف.ب)
أحد سائقي التاكسي ينتظر الزبائن في العاصمة طهران (أ.ف.ب)
TT

تضييق غير معلن على الاقتصاد الإيراني

أحد سائقي التاكسي ينتظر الزبائن في العاصمة طهران (أ.ف.ب)
أحد سائقي التاكسي ينتظر الزبائن في العاصمة طهران (أ.ف.ب)

شهدت علاقة إيران بالغرب تحسنًا كبيرًا منذ رفع العقوبات الغربية المفروضة على إيران مطلع العام الحالي بعد اتفاق تاريخي بين الطرفين وقع في يوليو (تموز) عام 2015 ودخل حيز التنفيذ بداية عام 2016. لكن على المستوى العملي لا يزال هناك كثير من العقبات التي تجدها المؤسسات المالية الإيرانية عند التعامل مع المؤسسات المصرفية والمالية الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي الذي تعد الولايات المتحدة الأميركية أكبر المساهمين فيه.
وتحجم كثير من الشركات والمصارف الدولية عن التعامل مع إيران خشية التصادم مع الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من السماح لها بالعودة إلى النظام المالي العالمي وإمكانية تحويل الأموال وانتقال التكنولوجيا إليها بموجب اتفاقية تخفيف العقوبات عنها.
وتوقفت أنشطة ومشروعات البنك الدولي في إيران منذ عام 2005. التزامًا بالعقوبات الدولية المفروضة على طهران جراء أنشطتها النووية.
ومن ضمن أهداف البنك الدولي الأساسية القضاء على الفقر في العالم، وتقديم قروض تنموية، ومساعدة الدول على تحقيق هذه الأهداف، لكن تخفيف العقوبات المفروضة على إيران منذ مطلع العام الحالي لم يدفع البنك الدولي إلى مساعدة إيران في ظل حاجتها الشديدة لمساعدات وقروض تنموية في الوقت الراهن، لتحديث اقتصاد متقادم بعد حظر اقتصادي وتكنولوجي دام لسنوات.
وأكد رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم في منتصف أبريل (نيسان) الماضي أن البنك يتابع الوضع عن كثب في إيران، لكنه «ليس لديه في الوقت الحاضر أي مشروع محدد يهدف إلى منح قروض لإيران»، وجاءت تصريحات رئيس البنك الدولي خطوة استباقية قبل أن تتقدم الحكومة الإيرانية بطلب قروض من البنك الدولي، الذي لم يحدث حتى الآن.
وتحتاج إيران إلى قروض تنموية خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل والمواصلات، ومن الناحية النظرية لا تحول العقوبات الأخرى التي لا تزال مفروضة على طهران، على خلفية برنامجها للصواريخ الباليستية، وخلافات سياسية مع القوى الغربية، دون تعامل البنك الدولي أو غيره من المؤسسات المالية الدولية مع إيران، غير شرط التأكد من أن مشاريعها غير مرتبطة بالأشخاص أو الشركات الإيرانية المشمولة بالقائمة السوداء الأميركية، والتي تشمل جزءا كبيرا من الاقتصاد الإيراني، جزء منها تابع للحرس الثوري الإيراني.
وتتردد الشركات والمؤسسات الدولية كثيرًا قبل أن تشارك في مشروعات مرتبطة بإيران، خشية أن تمر المدفوعات المالية عبر النظام المالي الأميركي، ما قد يعرضها لعقوبات أميركية، وسبق للبنك الدولي أن اضطر عام 2007 إلى تعليق تسديد 5.4 مليون دولار مرتبطة بمشروع يعود إلى ما قبل 2005، بعدما اكتشف أن الأموال تمر عبر بنك «ملي» الإيراني المستهدف بعقوبات أميركية.
وبالإضافة إلى العقبات الموضوعة في الطريق إلى المؤسسات الدولية، لا تزال إيران تواجه مشاكل في نظام التحويلات المالية «سويفت» بين المصارف المحلية والمصارف الدولية.
وأكد حاكم البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف مؤخرًا في تصريحات له، أن «المصارف الغربية طُلب منها عدم التعامل مع المصارف الإيرانية وهي خائفة من التعامل معنا»، وذلك في إشارة منه إلى تضييق دولي من قبل الولايات المتحدة.
وانتقد المرشد الأعلى لإيران آية الله خامنئي عدة مرات الاتفاق الذي أبرمته إيران مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووصف نتائجه بـ«الحبر على ورق لا قيمة له»، وقال في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام الإيرانية: «يقولون على الورق إن المصارف الأجنبية يمكنها القيام بتعاملات مع إيران، ولكن في الواقع إنهم يشيعون الخوف من إيران للحيلولة دون إقامة علاقات مع الجمهورية الإسلامية».
ولا تزال البنوك الأميركية ممنوعة من إقامة أعمال مع إيران بشكل مباشر أو غير مباشر، لأن واشنطن ما زالت تتهم طهران بدعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان.
وحتى الآن توجد قطاعات حيوية في إيران لم ترفع الولايات المتحدة الحظر المفروض عليها في التعامل مع الشركات الغربية بشكل عملي، ومنها قطاعات تأمين ناقلات البترول، وتوجد عدة شركات دولية في انتظار موافقة الحكومة ووزارة الخزانة الأميركية بشكل عملي لبدء التعامل معها.
وفي محاولة للحصول على مساعدات وقروض تنموية، تسعى إيران لإيجاد مؤسسات تمويلية بديلة عن البنك الدولي، الذي يهيمن عليه الغربيون، كالبنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، وهي أحد الأعضاء المؤسسين له، وتسعى أيضا للانضمام إلى البنك الذي أسسته مجموعة الدول الناشئة الكبرى «بريكس»، التي تضم كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والاستفادة من قروض البنك التنموية، وإعادة الحياة لاقتصادها المحاصر منذ سنوات ويفتقد إلى الصيانة والتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل مع العالم.



مكتب مسؤولية الموازنة البريطاني يغير نهجه... من الثقة إلى «الثقة والتحقق»

وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز تلتقط صورة مع صندوق الموازنة الأحمر أمام مكتبها في شارع داونينغ بلندن (رويترز)
وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز تلتقط صورة مع صندوق الموازنة الأحمر أمام مكتبها في شارع داونينغ بلندن (رويترز)
TT

مكتب مسؤولية الموازنة البريطاني يغير نهجه... من الثقة إلى «الثقة والتحقق»

وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز تلتقط صورة مع صندوق الموازنة الأحمر أمام مكتبها في شارع داونينغ بلندن (رويترز)
وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز تلتقط صورة مع صندوق الموازنة الأحمر أمام مكتبها في شارع داونينغ بلندن (رويترز)

تحوّل مكتب مسؤولية الموازنة في المملكة المتحدة من نهج قائم على الثقة تجاه وزارة المالية إلى نهج أكثر دقة تحت شعار «الثقة والتحقق»، وذلك بعد تقديم توقعات غير دقيقة للإنفاق قبيل بيان موازنة مارس (آذار)، في ظل الحكومة المحافظة السابقة.

وفي تصريح له الأسبوع الماضي، أكد المكتب أن وزارة الخزانة فشلت في تقديم معلومات شاملة بشأن الضغوط المالية الكبيرة على الإنفاق اليومي والإنفاق غير العادي من الاحتياطيات الطارئة، الأمر الذي أدى إلى نتائج غير دقيقة في التوقعات، وفق «رويترز».

وفي جلسة استماع أمام لجنة الخزانة في مجلس العموم، الثلاثاء، قال رئيس مكتب مسؤولية الموازنة، ريتشارد هيوز: «الطريقة التي أصف بها هذا التحول هي أننا ننتقل من نظام الثقة إلى نظام (الثقة والتحقق)». وأضاف: «نحن بحاجة إلى التأكد من أن الفشل الرقابي الذي حدث بوضوح في مارس لن يتكرر مرة أخرى».

من جهتها، أكدت وزيرة المالية العمالية الجديدة، راشيل ريفز، أن الحكومة السابقة التي أشرفت على الموازنة الأخيرة تركت فجوة مالية بقيمة 22 مليار جنيه إسترليني (نحو 29 مليار دولار)، مما اضطرها إلى زيادة الضرائب بما يتجاوز ما كان مخططاً له قبل انتخابات يوليو (تموز).

وفي رد على ذلك، قال ممثلو حزب المحافظين إن معظم هذه الفجوة تعود إلى قرارات حزب العمال بشأن رواتب القطاع العام أو الإنفاق المؤقت الذي يُسترد عادةً في السنة المالية العادية.

من جانبه، أوضح مكتب مسؤولية الموازنة أن المسؤولين في وزارة المالية كان بإمكانهم توقع زيادة كبيرة في الإنفاق للسنة المالية الحالية لو أنهم كانوا أكثر انفتاحاً قبل موازنة مارس، كما كان الحال في الماضي. ووفقاً لما ذكره هيوز، فقد كان هناك نحو 9.5 مليار جنيه إسترليني (12.34 مليار دولار) من الضغوط المالية على موازنات الإدارات لم يتم الكشف عنها من قبل وزارة المالية كجزء من عملية إعداد الموازنة التقليدية، وهو أمر كان ينبغي أن يتم بموجب القانون.

وأشار هيوز إلى أن مكتب مسؤولية الموازنة سيتبنى الآن نهجاً أكثر تفصيلاً في طلب التوقعات المتعلقة بالإنفاق من وزارة المالية. وأضاف أن المشرعين سيكونون مطالبين بالاستفسار من الوزارة خلال جلسة استماع، الأربعاء، عن السبب وراء عدم تقديم المعلومات اللازمة، موضحاً أنه «ربما كان هناك سوء فهم حول كيفية تفسير القانون».

وأشار المكتب إلى أنه لم يتم التشاور مع وزير المالية السابق، جيريمي هانت، الذي أشرف على موازنة مارس، حيث تم التركيز في المراجعة على إجراءات المسؤولين في الوزارة وليس الوزراء.

على صعيد آخر، اتسعت الفجوة بين عوائد سندات الخزانة البريطانية والألمانية قصيرة الأجل، الثلاثاء، لتصل إلى أوسع مستوى لها في نحو 14 شهراً، وذلك بعد أسبوع من إعلان الحكومة البريطانية موازنتها الأولى، والتي تسببت في زيادة تكاليف الاقتراض.

وارتفعت الفجوة بين العوائد على السندات البريطانية والألمانية لأجل سنتين بنحو 4 نقاط أساس، لتصل إلى 217.3 نقطة أساس في الساعة 13:15 (بتوقيت غرينتش)، وهو أعلى مستوى لها منذ سبتمبر (أيلول) 2023. كما وصل الفارق بين عوائد سندات الخزانة البريطانية والألمانية لأجل خمس سنوات إلى 210.2 نقطة أساس، وهو أيضاً أكبر فارق منذ سبتمبر من العام الماضي.

وفي التوقيت نفسه، ارتفعت عوائد السندات البريطانية لأجل سنتين وخمس سنوات بنسبة 6 نقاط أساس، متجاوزة الزيادات في نظيراتها الألمانية والأميركية. بينما سجلت عوائد سندات الخزانة البريطانية لأجل عشر سنوات زيادة بنسبة 5 نقاط أساس، لتصل إلى 4.51 في المائة، وهي زيادة مشابهة لتلك التي شهدتها السندات الألمانية.

وتأتي هذه التحركات بعد انخفاض حاد في أسعار السندات البريطانية، الأسبوع الماضي، مما أدى إلى ارتفاع العوائد، إثر إعلان ريفز موازنتها في 30 أكتوبر (تشرين الأول).

وقد أرجع العديد من المحللين هذا الانخفاض إلى احتمال أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة بمقدار أقل مما كان متوقعاً سابقاً.

وعلى الرغم من تراجع عمليات البيع يومي الجمعة والاثنين، فقد عادت ضغوط البيع، الثلاثاء، وسط ارتفاع أوسع في عائدات السندات مع استعداد المستثمرين لتقلبات محتملة من نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وكان الطلب على بيع سندات الخزانة البريطانية العشرية، التي بلغت قيمتها 3.75 مليار جنيه إسترليني (4.87 مليار دولار)، الثلاثاء، هو الأضعف في أي مزاد منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ومن المتوقع أن يقوم بنك إنجلترا بتخفيض سعر الفائدة القياسي بمقدار ربع نقطة مئوية، الخميس. ويراقب المستثمرون عن كثب أي إشارات تشير إلى أن الخطط المالية للحكومة قد تؤدي إلى إبطاء وتيرة تخفيضات أسعار الفائدة المستقبلية.