النمسا تتبنى قانون لجوء صارم وسط تصاعد تأثير اليمين المتطرف

يتيح إعلان «حالة الطوارئ» ورفض طلبات اللجوء عند الحدود

مهاجرون يجتمعون في مخيم للاجئين بالقرب من إيدوميني على الحدود اليونانية - المقدونية أمس (أ.ب)
مهاجرون يجتمعون في مخيم للاجئين بالقرب من إيدوميني على الحدود اليونانية - المقدونية أمس (أ.ب)
TT

النمسا تتبنى قانون لجوء صارم وسط تصاعد تأثير اليمين المتطرف

مهاجرون يجتمعون في مخيم للاجئين بالقرب من إيدوميني على الحدود اليونانية - المقدونية أمس (أ.ب)
مهاجرون يجتمعون في مخيم للاجئين بالقرب من إيدوميني على الحدود اليونانية - المقدونية أمس (أ.ب)

تبنى برلمان النمسا أمس واحدا من أكثر قوانين اللجوء تشددا في أوروبا، مع مساعي القادة السياسيين لوقف صعود التيار اليميني المتطرف الذي فاز في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة التي جرت الأحد الماضي.
ويسمح مشروع القانون المثير للجدل، والذي حظي بتأييد 98 صوتا مقابل 67 للحكومة بإعلان «حالة الطوارئ» بشأن أزمة اللاجئين، ويتيح لها أيضا رفض معظم طالبي اللجوء، حتى من دول تشهد نزاعات مثل سوريا، وذلك مباشرة عند الحدود. ودانت جماعات حقوقية وزعماء دينيون وأحزاب المعارضة هذا القانون، وهو الأحدث في سلسلة إجراءات متشددة ضد المهاجرين، مؤكدين أنه ينتهك مواثيق حقوق الإنسان الدولية.
في حين أن وزير الداخلية، فولفغانغ سوبوتكا، دافع عن مشروع القانون، وقال إن النمسا ليس أمامها خيار آخر «ما دامت كثير من الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا تؤدي دورها» لجهة الحد من تدفق المهاجرين واللاجئين. وأضاف: «لا يمكننا أن نتحمل عبء العالم كله».
وتلقت النمسا الواقعة بين طريقي المهاجرين الرئيسيين - البلقان وإيطاليا - نحو 90 ألف طلب لجوء في 2015. وهو الأعلى في الاتحاد نسبة إلى عدد السكان. ووصل أكثر من مليون شخص فر معظمهم من العنف في سوريا والعراق وأفغانستان، إلى أوروبا العام الماضي، ما تسبب بأسوأ أزمة مهاجرين في أوروبا منذ 1945.
وقام كثير منهم برحلة بحرية خطرة من تركيا إلى اليونان قبل أن يعبروا دول البلقان سيرا باتجاه شمال أوروبا. ولخفض تدفق المهاجرين، أبرم الاتحاد الأوروبي مؤخرا اتفاقا مثيرا للجدل مع أنقرة يقضي بإعادة جميع المهاجرين «غير الشرعيين» الذين يصلون إلى اليونان بعد 20 مارس (آذار)، إلى تركيا. ورغم أن الاتفاق قاد إلى انخفاض كبير في أعداد الواصلين، فإن منظمة الهجرة الدولية حذرت الأسبوع الماضي من أن العدد «بدأ يرتفع مرة أخرى».
وعززت أزمة اللاجئين موقع الأحزاب الشعبوية في أوروبا وشكلت ضغوطا على الحكومات الوسطية التقليدية لتبني موقفا أكثر تشددا تجاه المهاجرين. وبموجب القانون المقترح، يمكن للحكومة إعلان حالة الطوارئ إذا هدد تدفق مفاجئ للمهاجرين «الأمن الوطني للبلاد». ويمكن للسلطات في هذه الحالة قبول اللاجئين الذين يواجهون تهديدات في دولة مجاورة عبروا منها، أو لهم أقارب في النمسا.
ويلزم مشروع القانون كذلك اللاجئين بطلب اللجوء فورا أمام الحكومة عبر مراكز تسجيل مشيدة لهذا الهدف، حيث سيحتجزون لمدة 120 ساعة، بينما يتم النظر في طلباتهم. وتشبه هذه القيود قوانين مشابهة صادقت عليها حكومة اليمين في المجر المجاورة العام الماضي.
وقبل التصويت، حذر ماثياس ستولزر زعيم حزب «نيوس» المعارضة الصغير، من أن «هذه أدوات خطيرة للغاية يتم اتخاذها هنا، خصوصا إذا وقعت في الأيدي الخطأ». ويأتي مشروع القانون بعد الصدمة التي أثارها فوز مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر بنسبة تجاوزت 36 في المائة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأحد الماضي، وذلك على خلفية أزمة الهجرة وتصاعد التوجهات الشعبوية في أوروبا والولايات المتحدة. ولم يتمكن مرشحا الائتلاف الوسطي الحاكم حتى من الوصول إلى الدورة الثانية التي ستجري في 22 مايو (أيار).
وفي محاولة منها لوقف تحول الأصوات إلى اليمين المتطرف، أقامت حكومة النمسا سياجات حدودية وفرضت سقفا على أعداد طلبات اللجوء التي تقبلها كل عام. كما ضغطت على دول أخرى على طول طريق البلقان لإغلاق حدودها في وقت سابق من هذا العام، لإغلاق الطريق فعليا أمام المهاجرين. وتسبب ذلك باحتجاز نحو 54 ألف مهاجر في اليونان حاليا.
كما دفع بمهربي البشر إلى البحث عن طرق جديدة لتهريب اللاجئين إلى داخل أوروبا، خصوصا عبر إيطاليا التي وصل إلى شواطئها حتى هذا الوقت من العام 26 ألف مهاجر أبحروا من ليبيا. ودفع ارتفاع عدد الواصلين إلى إيطاليا المجاورة بالنمسا إلى إعلان خطط إعادة فرض الضوابط الحدودية، وإقامة سياج بطول 370 مترا، عند معبر برينر في جبال الألب والذي يعد ممرا رئيسيا بين شمال وجنوب أوروبا.
وأثارت هذه الخطوة احتجاجات عند نقاط العبور في الأسابيع الأخيرة، ودفعت إيطاليا إلى التنديد بها بشدة.
وصرح وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني لصحيفة «داي برس» أمس: «نحن أبعد ما يكون عن غزو» النمسا.



الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
TT

الاحترار يتخطى عتبة 1.5 درجة مئوية في 2023 و2024

آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)
آثار الجفاف في جنوب كاليفورنيا يوليو الماضي (أ.ف.ب)

تجاوز الاحترار خلال العامين الأخيرين في المتوسط عتبة 1.5 درجة مئوية التي حدّدتها اتفاقية باريس، ما يؤشر إلى ارتفاع مستمر في درجات الحرارة غير مسبوق في التاريخ الحديث، بحسب ما أفاد، الجمعة، مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. وكما كان متوقعاً منذ أشهر عدة، وأصبح مؤكَّداً من خلال درجات الحرارة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول)، يُشكّل 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق منذ بدء الإحصاءات سنة 1850، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن مرصد «كوبرنيكوس» الأوروبي. ومن غير المتوقع أن يكون 2025 عاماً قياسياً، لكنّ هيئة الأرصاد الجوية البريطانية حذّرت من أن هذه السنة يُفترض أن تكون من الأعوام الثلاثة الأكثر حراً على الأرض.

اتفاقية باريس

وسنة 2025، العام الذي يعود فيه دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يتعيّن على الدول أن تعلن عن خرائط الطريق المناخي الجديدة، التي تُحَدَّث كل خمس سنوات في إطار اتفاقية باريس. لكن خفض انبعاث الغازات الدفيئة المسبّبة للاحترار يتعثر في بعض الدول الغنية؛ إذ لم تستطع الولايات المتحدة مثلاً خفض هذا المعدّل سوى بـ0.2 في المائة في العام الماضي، بحسب تقرير «كوبرنيكوس». ووفق المرصد، وحده عام 2024 وكذلك متوسط عامي 2023 و2024، تخطى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، قبل أن يؤدي الاستخدام المكثف للفحم والنفط والغاز الأحفوري إلى تغيير المناخ بشكل كبير.

احترار المحيطات

خلف هذه الأرقام، ثمّة سلسلة من الكوارث التي تفاقمت بسبب التغير المناخي؛ إذ طالت فيضانات تاريخية غرب أفريقيا ووسطها، وأعاصير عنيفة في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي. وتطال الحرائق حالياً لوس أنجليس، وهي «الأكثر تدميراً» في تاريخ كاليفورنيا، على حد تعبير الرئيس جو بايدن.

قال علماء إن عام 2024 كان أول عام كامل تتجاوز فيه درجات الحرارة العالمية عتبة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة (أ.ب)

اقتصادياً، تسببت الكوارث الطبيعية في خسائر بقيمة 320 مليار دولار في مختلف أنحاء العالم خلال العام الماضي، بحسب ما نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن شركة «ميونيخ ري» لإعادة التأمين. من شأن احتواء الاحترار عند عتبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من درجتين مئويتين، وهو الحد الأعلى الذي حدّدته اتفاقية باريس، أن يحدّ بشكل كبير من عواقبه الأكثر كارثية، بحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي. وتقول نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في «كوبرنيكوس»، سامانثا بيرجس: «إنّ كل سنة من العقد الماضي كانت أحد الأعوام العشرة الأكثر حرّاً على الإطلاق».

ويستمرّ الاحترار في المحيطات، التي تمتصّ 90 في المائة من الحرارة الزائدة الناجمة عن الأنشطة البشرية. وقد وصل المتوسّط السنوي لدرجات حرارة سطح المحيطات، باستثناء المناطق القطبية، إلى مستوى غير مسبوق مع 20.87 درجة مئوية، متجاوزاً الرقم القياسي لعام 2023.

«النينيا»

التهمت حرائق غابات الأمازون في شمال البرازيل سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة لموجات الحرّ البحرية على الشعاب المرجانية أو الأسماك، يُؤثّر الاحترار الدائم للمحيطات على التيارات البحرية والجوية. وتطلق البحار التي باتت أكثر احتراراً مزيداً من بخار الماء في الغلاف الجوي، مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير أو العواصف. ويشير مرصد «كوبرنيكوس» إلى أن مستوى بخار الماء في الغلاف الجوي وصل إلى مستوى قياسي في عام 2024؛ إذ تجاوز متوسطه لفترة 1991 - 2020 بنحو 5 في المائة. وشهد العام الماضي انتهاء ظاهرة «النينيو» الطبيعية التي تتسبب بالاحترار وبتفاقم بعض الظواهر المتطرفة، وبانتقال نحو ظروف محايدة أو ظاهرة «النينيا» المعاكسة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية حذرت في ديسمبر من أنّ ظاهرة «النينيا» ستكون «قصيرة ومنخفضة الشدة»، وغير كافية لتعويض آثار الاحترار العالمي.