الذكرى الـ11 للانسحاب السوري.. تكريس هيمنة «حزب الله» على الدولة اللبنانية

إخفاقات «انتفاضة الاستقلال» بدأت مع إبقاء لحود والتحالف الرباعي

صورة تظهر انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 (غيتي)
صورة تظهر انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 (غيتي)
TT

الذكرى الـ11 للانسحاب السوري.. تكريس هيمنة «حزب الله» على الدولة اللبنانية

صورة تظهر انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 (غيتي)
صورة تظهر انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 (غيتي)

بعد مرور 11 عامًا على الانسحاب العسكري السوري من لبنان، بفعل «انتفاضة الاستقلال» التي انطلقت في 14 مارس (آذار) 2005 على أثر اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، فإن هذه الانتفاضة لم تحقق معظم أهدافها، أهمها حلم اللبنانيين في بناء دولة سيّدة ذات قرار مستقلّ، لكن الإنجاز الوحيد الذي نجحت القوى السيادية، أي فريق «14 آذار»، في تحقيقه، هو إنشاء المحكمة الدولية التي تتولى محاكمة قتلة الحريري ورفاقه، رغم كل المعوقات السياسية والقانونية التي رفعت أمامها.
لا شكّ في أن الأحلام والطموحات كانت أكبر من الواقع، سيما أن لبنان لا يعيش في جزيرة معزولة عن المحيط، وفق ما يشير إليه عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، وجود «حزب مسلح هو (ما يسمى) حزب الله يمارس سلطته على الدولة، خصوصًا أنه بعد الانسحاب السوري بدأ يهيمن على الدولة ويرسم سياستها». ولفت إلى أن «دويلة (ما يسمى) حزب الله بقواها العسكرية والبشرية والمالية باتت أقوى من الدولة»، مشددًا على أن «الدولة الشرعية ستبقى حلمًا ما دام هناك حزب مسلح يستقوي عليها ويفرض خياراته على كل اللبنانيين»، واصفًا ما يسمى «حزب الله» بأنه «قوة إيران الضاربة في المنطقة، تستغلّها أينما تشاء».
ورفض فتفت مقولة أن قوى «14 آذار» لم تحقق شيئًا منذ الانسحاب السوري، وقال: «لقد حافظنا بقدر الإمكان على ما تبقى من الدولة وعلى السلم الأهلي، ومنعنا تمدد الحرب السورية إلى لبنان، كما منعنا (حزب الله) من جرّ لبنان إلى صراع مسلّح».
ومنذ اغتيال رفيق الحريري، مرّ لبنان بثلاث مراحل، بحسب المفكّر والكاتب اللبناني رضوان السيد، الذي عدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المرحلة الأولى بدأت مع انسحاب الجيش السوري وخسارة جماعة سوريا في لبنان الانتخابات النيابية، لكن مع بقاء رئيس الجمهورية (السابق إميل لحود) الموالي لسوريا في سدّة الحكم، وبقاء نفوذ (حزب الله) الذي بدأت تتقدم أسهمه».
وأشار إلى أن المرحلة الثانية «بدأت تتشكّل مع الاتجاه إلى إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، لمحاكمة من اغتال الرئيس الحريري، فعادت سوريا و(ما يسمى) حزب الله لإحكام القبضة على لبنان، من خلال حصار الحكومة (حكومة فؤاد السنيورة) وإغلاق مجلس النواب للحيلولة دون إقرار المحكمة، لكن هذه المرحلة انتهت بإنشاء المحكمة واحتلال بيروت». ولفت إلى أن المرحلة الثالثة «هي المرحلة القائمة حاليًا على منطق الغلبة على الدولة بكل مؤسساتها ومصالحها، وهذا يعني أن لبنان لم يستقلّ كما حلمنا بعد اغتيال الحريري».
أما رئيس حركة اليسار الديمقراطي النائب السابق إلياس عطا الله، فرأى أن «انتفاضة الاستقلال التي انفجرت على أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، هي التي اقتلعت الجيش السوري من لبنان، لكن هذه المعركة لم تستكمل». وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «أزمة لبنان ما قبل الانسحاب السوري كانت تقوم على قاعدتين؛ الأولى الوصاية السورية، والثانية الدور الإيراني، لكن توقف الانتفاضة عند اقتلاع الوصاية السورية من دون استكمال إزالة النفوذ الإيراني أدى إلى تعثّرها ووصولها إلى الإخفاقات التي وصلت إليها».
وما دامت الثورة التي لا تستكمل أهدافها يكون مصيرها الإخفاق والتراجع، يقول عطا الله: «فكان علينا كقوى استقلالية أن نكمل المواجهة بعد الانسحاب السوري بإقالة الرئيس (الجمهورية)، الممد له قسرًا إميل لحود، ثم تعمّقت الانتكاسة عبر التحالف الانتخابي في عام 2005 مع (ما يسمى) حزب الله، وصولاً إلى اتفاق الدوحة (الذي فرضه اجتياح ما يسمّى حزب الله بيروت عسكريًا)، وهذا المنحى حرم لبنان من الاستفادة بالشكل المناسب من تضحيات الشهداء من أهل السياسة والفكر والصحافة، ولذلك أخفقنا في قطف ثمار ما حققته انتفاضة الاستقلال».
ولم يخف رضوان السيد أن «تحوّل سلاح (ما يسمى) حزب الله إلى الداخل، واحتلال بيروت في السابع من مايو (أيار) 2008، قضى على كل الآمال بقيام الدولة، رغم فوز قوى (14 آذار) بالانتخابات النيابية في عام 2009». وأشار إلى أن «الطرف الآخر يحاول اليوم إخافة اللبنانيين بأنهم أصبحوا في جوار التطرف والإرهاب، وإذا لم يدافع عنهم (حزب الله) سيصبحون جزءًا من ساحة الإرهاب». وأكد السيد أن «أفق الحلول السياسية في لبنان مقفلة تمامًا». وقال: «هناك من يقول لك نحن وراءك ونحن مسلحون وأنت أعزل».
وبالنسبة إلى التراجع السياسي بعد الانسحاب السوري، فقد عزاه إلياس عطا الله إلى «عدم قدرة الدولة اللبنانية على تسلم زمام المبادرة، حيث تركت سلطة الانتداب تتحول من يد النظام السوري إلى يد (حزب الله)، وإصرار الأخير إلى إضعاف الدولة، وبدء النفوذ الإيراني بالسيطرة على لبنان وإخضاع الحياة السياسية إلى الترغيب والترهيب». وعلى الرغم من كل الإخفاقات، فإن رئيس حركة اليسار الديمقراطي يرى أن «مسار الاستقلال لن يذهب سدى، لأنه إذا انعدم الخيار الاستقلالي، يصبح مصير لبنان في خطر».
وأضاف عطا الله: «نحن نعيش فترة ركود وإخضاع لمؤسسات الدولة بضغط من (حزب الله)، لكن هذا الحزب لن ينجح في النهاية، وتجربته في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أثبتت عجزها عن تحمّل المسؤولية»، عادّا في الوقت نفسه أن «الخطأ الذي ارتكبته القوى الاستقلالية (فريق 14 آذار)، هو أنها قبلت بشراكة سياسية من فريق لا يؤمن بالشراكة»، كاشفًا أن «لبنان أمام تكوّن شبابي لن يظهر بعد، سيكون في مواجهة القوى السياسية التقليدية التي خضعت لإرادة (حزب الله)، لأنه لا يمكن التسليم لقوى الأمر الواقع التي تقود لبنان إلى خراب داخلي وخارجي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.