رئيس الجمهورية منحه وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى المذهب والبطريرك بشارة الراعي سماه «قديس الطرب»

ودع لبنان الفنان الكبير وديع الصافي في جنازة مهيبة أقيمت له في الثالثة من بعد ظهر أمس في كاتدرائية مار جرجس وسط بيروت. وكان قبل ذلك قد سجي جثمان الفقيد في كنيسة مار روكز (الحازمية). حضر مراسم الدفن لفيف من رجال السياسة والصحافة والفن وقد أقيمت برئاسة البطريرك بشارة الراعي. استهلت المراسم بالصلاة على جثمان الفنان الراحل وقد لف نعشه بالعلم اللبناني، وأحيت جوقة الكسليك للتراتيل المقدسة الجنازة ورافقها في العزف على الكمان نجل الراحل جورج الصافي.
بعدها تلا البطريرك الراعي كلمة بالمناسبة شدد فيها على مزايا الفنان الراحل وعلى محبة قلبه وحلاوة لسانه، مشيرا إلى أن وديع الصافي استراح من عمل الأرض لينتقل إلى ليتورجية السماء. وتابع البطريرك محملا إياه وصية من اللبنانيين قائلا: «على هتاف هللويا أدخل إلى مجد السماء من أجلنا ومن أجل لبنان كي يدرك المسؤولون في وطننا أن وضع لبنان موقوف على الله». وأضاف: «أغانيك يا قديس الطرب لؤلؤة ثمينة توجب علينا الحفاظ عليها». واستشهد البطريرك الراعي بعبارة قالها أحد الفنانين عن الراحل الكبير فقال: «لقد اقترن اسمه بلبنان وتماهى به وعندما نسمعه يغني وكأننا نسمع لبنان نفسه يغني». مشيرا إلى أنه بالفعل قد لا يشهد لبنان وديع صافي ثانيا إلا بعد ستة آلاف عام.
وكانت عائلة الفقيد من أبنائه وإخوته إضافة إلى فنانين أمثال عاصي الحلاني ووليد توفيق ووسام الأمير وعلاء زلزلي وطوني كيوان وغيرهم قد تصدروا المقاعد والصفوف الأمامية، إضافة إلى ممثلين رسميين عن الرؤساء الثلاثة وبمقدمهم الوزيران غابي ليون (ممثلا رئيس الجمهورية) وباسم الجسر (ممثلا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي) والنائب نبيل نقولا (ممثلا رئيس مجلس النواب نبيه بري).
وخلال إقامة مراسم الجنازة تناوب على الوقوف إلى جانب نعش الفنان الراحل عدد من الفنانين بينهم نقولا الاسطا وأحمد دوغان وعادل سرحان وفادي لبنان ورواد رعد وغسان صليبا وغيرهم.
وعند انتهاء المراسم قلد وزير الثقافة غابي ليون الفنان الراحل وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى المذهب قائلا: «تقديرا لعطاءاتك قرر الرئيس ميشال سليمان منحك هذا الوسام ليضاف إلى وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر الذي استحققته».
بعدها تلى إيليا فرنسيس شقيق الفنان الراحل كلمة باسم العائلة شكر فيها كل اللبنانيين الذين شاركوهم حزنهم قائلا: «وديع لبنان والأصالة والتراث سيبقى في قلوبنا وقلوبكم وفي كل صلاة ترفع للوطن». وأضاف: «مع إطلالة كل صباح سيكون لوديع الصافي إطلالته من فوق يتطلع فيها إلى لبنان الذي أحبه وكرس صوته من أجل خلوده». وذكر فرنسيس في كلمته حادثة حصلت له مع أخيه الراحل عندما أسر له مرة بأن يوم مماته سيكون يوما عظيما من حياته لأن الجميع ومن كل الأطياف والأديان سيتحلقون حول محبته ومحبة لبنان.
وختم الدفن بتقبل عائلة الفنان الراحل التعازي على صوت ترتيلة بصوت ابنه أنطوان وليتحلق بعدها عدد من الفنانين حول نعش وديع الصافي لتوديعه ولحمله على الأكف. وعزف أثناء ذلك نشيد الموت ثم أخرج نعش الفنان الراحل على موسيقى أغنيته الشهيرة (طلوا حبابنا طلوا نسم يا هوا بلادي) متوجهين به إلى الموكب الحاشد المتوجه إلى مسقط رأسه في بلدة نيحا الشوفية وقد نثر له الورد وأطلقت الزغاريد.
وأقيم للفنان الراحل خلال نقل نعشه إلى مثواه الأخير استقبالات شعبية في عدد من البلدات التي تقع على الطريق الواصل إلى بلدته نيحا، وبينها بلدة الدامور حيث نظم له أهاليها استقبالا حاشدا فوقفوا إلى جانبي الطريق بالمئات ينثرون الأرز والورود ويطلقون الزغاريد ويهتفون بأغانيه. وفي نيحا أقيمت له صلاة البخور وتم دفنه في مدفن عائلة فرنسيس حيث سبقه أهله من والديه وأخوه (توفيق). وكانت عائلة الفقيد الراحل قد قررت أن يدفن ابنها في بلدة نيحا بناء على طلب وإصرار وجهاء البلدة الذين زاروا منزل آل فرنسيس في الحازمية مطالبين بأن يعود وديع الصافي إلى تراب مسقط رأسه. وذكر أحد أبناء نيحا أن وديع الصافي أوصى شخصيا في إحدى الحفلات التي أحياها في بلدته الأم وأمضى فيها معظم أيام طفولته أن يدفن فيها وأنه قال: «يا بني أيوب خلوا تراب نيحا يدفيني أن خلصت سنيني». ومن المقرر أن يقام في بلدة نيحا وعلى قطعة أرض قدمها أحد أبناء البلدة غسان فرحات مدفنا ومقاما ومتحفا خاصين بالفنان الراحل ليكونوا بمثابة تحية إكرام وإكبار لصاحب صوت الجبل.
وتردد أن الفنان الراحل كان قد أوصى منذ نحو السنتين أن يتم دفنه في منطقة الدكوانة وأنه أعد له مدفنا لهذه الغاية. إلا أن العائلة وتجاوبا مع مطلب أهالي بلدة نيحا، وافقت على نقل جثمانه إلى مسقط رأسه، وقد ذكر شقيقه في حديث تلفزيوني أن أخاه وديع الصافي كان يتمنى أن يدفن هناك إلى جانب والديه وهذا ما تم التوافق عليه.