المغربي حسن الوزاني يكشف عن بشاعات «قرية الكون»

بعد عطلته «الشعرية» الطويلة

المغربي حسن الوزاني يكشف عن بشاعات «قرية الكون»
TT

المغربي حسن الوزاني يكشف عن بشاعات «قرية الكون»

المغربي حسن الوزاني يكشف عن بشاعات «قرية الكون»

بعد ديوانه الأول «هدنة ما» الصادر عام 1998 عن اتحاد كتاب المغرب، الذي عُدّ، برأي النقاد، إحدى إشراقات قصيدة النثر المغربية، يعود الشاعر المغربي حسن الوزاني لمواصلة تميزه الشعري، من خلال مجموعته الجديدة «أحلام ماكلوهان»، الصادرة مع مطلع السنة الجارية، ضمن منشورات «دار العين» المصرية.
ورغم هذا التوقف الاختياري عن النشر، الذي دام سنوات، تخللها صدور عدد من كتبه العلمية، بقي الوزاني، حسب بيان يقدم للإصدار الشعري الجديد: «حريصا على الإمساك بحرارة قصيدته، بألقها المتجدد، الذي ينحاز إلى إعادة ترتيب خسارات العالم، بكثير من النضج الشعري والتأمل الهادئ، فيما قصيدته، كما دشنها، قبل أزيد من ثلاثة عقود، ما زالت تقدم نفسها طقسا احتفاليا جماعيا، يسعى، من خلاله الشاعر، إلى الكشف عن بشاعات «قرية الكون»، بعدما تكاثفت فيها مفردات الألم وصارت مجرد صورة باهتة لكساد المشاعر وبوار القناعات».
وقال الوزاني لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا عن صدور ديوانه الثاني، والفجوة الزمنية بين تاريخي نشر ديوانيه، ودواعي النشر خارج البلد: «الحقيقة أنني سعيد بصدور «أحلام ماكلوهان». ويبدو أنني أخذت عطلة شعرية طويلة. ولا أريد أن أبرر الأمر بالحياة التي قادتني إلى ضفاف أخرى، سواء العلمية منها أو الإدارية. الأهم أنني احتفظت بصوت الشاعر داخلي، وذلك بموازاة مع حضوري كباحث. أما عن اختيار القاهرة، وعبرها «دار العين»، لنشر عملي الجديد، فيعود، أساسا، إلى حرصي على تجنب النشر داخل المغرب خلال فترة تحملي إدارة مديرية الكتاب بوزارة الثقافة، وعضويتي بلجنة دعم قطاع النشر بالمغرب». وفي مقابل الخواء الذي يجرح الروح وتتآخى فيه الأضداد، يظهر أن «الشاعر ما زال مصرا على أن وراء هذه الأكمة المظلمة ما يشبه الحلم البعيد، الذي يقود حتما إلى ترميم تشققات الحياة، بما يجعل الذات تتصالح مع نفسها»، ومن ذلك قوله، في قصيدة «زلزال يقتات من أصابعي»: لمْ أكترثْ بالماءِ يغمرُني - فقطعتُ الصحراء وحيدًا. - لمْ أكترثْ بنفسي - تأمرُني بالسوء، فانتهيتُ أسيرا لمِزاجِها»، أو في قصيدة «برج الدلو»، حيث نقرأ: ليس لي ما أخسره. - الدروب التي أمامي تقضي - إلى نفس الدروب - (...) أنا - سليلُ بُرج الدلو - أقيمُ ككائن أليفٍ بقرية الكَوْن - حيثُ الأشياءُ صديقة لأضْدادِها- أستندُ إلى جبلِ العَدَم - كي أُطلَّ على أحلامي - أنا سليلُ بُرجِ الدلو - أرمي حُبَيبات خساراتي - في الطريقِ عبر غابة الحياة - كي أهتدي - لطريقِ الرجوعِ إلي».
في ديوانه، يكتب الوزاني، أو الكولومبي، كما يحلو للأصدقاء أن يسموه، بيد ثالثة، فيما ينطلق مع الشعر صوب مدارج من البهاء، داعيا إلى الانتباه للتاريخ، أحمر الشفاه، حكايات السلام في أوسلو والحرب على جبهات الستريبتيز، هو الذي خاض حروبا كي يصير البطل، افتعل حروبا أخرى كي يكون الشهيد، وزار عدن، الأطلس، الصحراء، مغارات الأرض ونسي أن يزور نفسه، كما نقرأ له في «تصفية حسابات»، والذي لم يكثرت باليسار ينحو نحو اليمين فأقام طويلا في الوسط ينتظر طلائع الثوار، كما نقرأ له في قصيدة «زلزال يقتات من أصابعي».
ويقع ديوان «أحلام ماكلوهان»، الذي يعكس نضجا شعريا راكمه الشاعر من خلال أسفار قادته إلى جغرافيات نائية من العالم، في 112 صفحة، وقد ضم تسع قصائد، هي «أحلام ماكلوهان» و«احتفي بما تبقى» و«برج الدلو» و«على سلم ريشتر» و«حارس الزلزال» و«تصفية حسابات» و«زلزال يقتات من أصابعي» و«نساء الميترْو» و«أنصب فخاخا للشمس»، كتبت بـ«لغة مجروحة وشفافة وذات نفس حكائي مسترسل»،
وإلى جانب أعماله الشعرية، صدر للوزاني، الذي يعد من أهم الأصوات الجديدة في الشعر المغربي: «معجم طبقات المؤلفين على عهد دولة العلويين لعبد الرحمن بن زيدان: تحقيق ودراسة ببليومترية» (2009)، و«قطاع الكتاب بالمغرب: الوضعية والآفاق» (2009)، و«الأدب المغربي الحديث: 1929 - 1999. ببليوغرافيا ودراسة ببليومترية» (2002).



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.