«الإسلاموفوبيا».. جائزة المتطرفين الكبرى في حربهم الآثمة

«داعش» يغرق أوروبا بالدم عمدًا ليحصد الكراهية

يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
TT

«الإسلاموفوبيا».. جائزة المتطرفين الكبرى في حربهم الآثمة

يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)
يرى مراقبون أن الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا لاستغلال هذه الأحداث وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين (أ.ف.ب)

يرى مراقبون أن تنظيم داعش الإرهابي - التنظيم الأكثر نشاطا من باقي الجماعات المتطرفة في أوروبا - يسعى في حربه الآثمة لري أرض اليمين المتطرف في الغرب بالدم، لحصد الكراهية والفوز بالجائزة الكبرى، ألا وهي نشر «الإسلاموفوبيا» في أوروبا. وفي المقابل يُطالب علماء وخبراء مصريون بضرورة وضع علاج لظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أسرع وقت، بدلا من المسكّنات والإدانات التي تُطلق من وقت لآخر، عندما يتعرّض المسلمون لأي اضطهاد، الذي يزداد يوما بعد يوما في الغرب. بينما قالت مشيخة الأزهر في مصر إن «الإسلاموفوبيا» أصبحت تُمثل ظاهرة حقيقية تُهدد المسلمين في المجتمعات الغربية، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جهود جميع الهيئات والمؤسسات الدينية والاجتماعية والدولية لمواجهتها بجميع الأساليب الممكنة وفي أقرب وقت ممكن، حذّر مرصد «الإسلاموفوبيا» التابع لدار الإفتاء المصرية من موجة اعتداءات جديدة لعناصر التنظيم الإرهابي في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مؤكدا أن «أعمال التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها (داعش) تهدم صورة الإسلام حول العالم وتشوه معانيه وقيمه السامية، وتدفع كثيرين، خاصة من المتطرفين، إلى معاداة المسلمين والاعتداء عليهم».
يُناقش وزراء أوقاف ومفتون من 16 دولة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في مؤتمر دولي تستضيفه مصر خلال أيام. وحسب قيادي في وزارة الأوقاف المصرية فإن «المجتمعين خلال جلسات المؤتمر سوف يفضحون مُخططات (داعش) في الغرب، التي تهدف تشويه صورة الإسلام ونعته بأنه دين (قتال ونحر)، لإثارة القوى المتطرفة في أوروبا ضد المسلمين».
المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية يعقد مؤتمره الـ26 تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتشمل محاور المؤتمر «واقع المؤسسات الدينية في الدول العربية والإسلامية، والتنسيق بين المؤسسات على المستوى الوطني والعربي والإسلامي في نشر الفكر الوسطي، ودور جامعة الدول العربية في التنسيق بين المؤسسات الدينية في العالم العربي، ودور رابطة الجامعات الإسلامية والمجامع العلمية والفقهية في القضايا الكبرى، خاصة قضية التطرف، ووضع آليات لمواجهة الجماعات المتطرفة وظاهرة (الإسلاموفوبيا)، وضرورة تصحيح صورة الإسلام لدى الآخر في الغرب، والحفاظ على الثوابت، بالإضافة إلى ضرورة توحيد الفتاوى التي تصدر عن المجامع الفقهية في القضايا الكبرى».
وجدير بالذكر أن انعقاد هذا المؤتمر يأتي بعدما شهدت العاصمة البلجيكية بروكسل أخيرًا انفجارات استهدفت مواطنين أوروبيين، كما وقعت انفجارات بالعاصمة الفرنسية باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن التفجيرات، متوعدا بمزيد من العمليات الانتقامية في أوروبا وأميركا خلال الفترة المقبلة.
في المقابل، سبق أن أطلقت مجموعة «بيغيدا» المُعادية للإسلام، مجموعة تابعة لها في بريطانيا زاعمة أن الدين الإسلامي «آيديولوجية فاشية» عقب أحداث فرنسا الأخيرة. وحثت منظمة «العفو الدولية» فرنسا على وقف المُضايقات والتمييز بحق الأقلية المسلمة، كما اتهم تقرير مشترك لمنظمتي «هيومان رايتس ووتش» و«العفو الدولية» الشرطة الفرنسية باستخدام القوة المفرطة خلال ممارساتها التي تستهدف مسلمين بينهم أطفال وشيوخ، فضلا عن رمي الشرطيين مصاحف القرآن الكريم على الأرض أثناء مداهمات المساجد والمحال التجارية ومنازل المسلمين. إلى ذلك يواجه المسلمين في أستراليا زيادة في معدل الاعتداءات اللفظية عبر الإنترنت، فضلا عما يحدث في الولايات المتحدة.
اليوم يرى المراقبون أن «الأحداث التي تُلصق بالإسلام دفعت بعض العناصر المُتطرفة في أوروبا، لاستغلال هذه الأحداث، وإلصاق تهم الإرهاب والعنف بالإسلام والمسلمين، وبدأوا التضييق على المسلمين في أوروبا؛ بل التعدّي عليهم واستهدافهم في بعض الأماكن». ويضيف المراقبون أن «جمعية مكافحة (الإسلاموفوبيا) في فرنسا، وهي جمعية مُستقلة، سجلت 29 حادثة اعتداء على المسلمين بعد تفجيرات (داعش) الأخيرة في باريس، فضلا عن ظهور رسوم جدارية مُناهضة للمسلمين في أنحاء كثيرة من فرنسا».
ولقد أعرب العلماء والخبراء المصريون عن قلقهم المُستمر من الخطابات التي تدعو إلى أعمال عدائية ضد الإسلام والمسلمين، التي يُغذيها بعض السياسيين ورجال الدين ومتطرفين في أوروبا. وكشف الدكتور حسام شاكر، المُنسق الإعلامي بجامعة الأزهر، عن وجود قصور في الإعلام العالمي والغربي في معالجته لـ«الإسلاموفوبيا»، قائلا: «يمنح الفرصة للمتطرفين لجذب عدد جديد من المؤيدين، بحجة أن الغرب وأميركا يضطهدون المسلمين والإسلام.. ولا يتناول الأحداث التي تقع بموضوعية؛ بل تهمة إلصاق كل ما يحدث بالإسلام حاضرة دائما»، مضيفا: «إن التصريحات والجرائم التي تندرج تحت الجرائم العنصرية لا بد لعقلاء العالم بأسره أن يقفوا في وجهها ويتصدوا لها؛ حتى لا تكون أفعال هؤلاء وأقوالهم مدعاة لانضمام عدد جديد من المتعاطفين مع المضطهدين لجماعات متطرفة تدعي أنها تفعل ذلك نصرة للمظلومين».
من ناحية أخرى، قال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في خطابه أمام البوندستاغ (مجلس النواب) الألماني، إنه «يعيش في أوروبا اليوم ما يقرب من عشرين مليون مسلم، معظمهم ولد في أوروبا وأصبح أوروبيًا.. ويجب أن يتمتع هؤلاء جميعا بالمُساواة بينهم وبين المواطنين من أصول أوروبية؛ وألا يتركوا يشعرون بأنهم مهاجرون يعيشون على هامش المجتمع، ويفتقدون ولاءهم لمجتمعهم الذي ينتمون إليه، فالولاء للأوطان هو (المناعة) القوية التي تقف ضد الانزلاق إلى التطرف والعنف».
كذلك أشار مصدر مُطلع في مشيخة الأزهر إلى أن «الإسلاموفوبيا» تُمثل إحدى الوسائل القوية التي يستعان بها في تجنيد الشباب للفكر المُتطرف، حيث يتم استغلال حالات التمييز والتهميش والاعتداءات التي تحدث ضد المسلمين في المجتمعات الغربية، لحثهم على التنكر لقيم المجتمع الذي يعيشون فيه، واعتناق أفكار مُتطرفة لا يقبلها الدين ولا تقرها القوانين الإنسانية، لا سيما عبر دعم ذلك بنصوص شرعية مجتزأة من سياقاتها. وشدد المصدر نفسه في مشيخة الأزهر، على أهمية تعزيز قضايا الاندماج والمواطنة ووقف التمييز القائم على العرق أو الدين في أوروبا، لافتا إلى أن الإعلام الغربي يلعب دورا كبيرا في تضخيم أي عمل إرهابي يقوم به من ينتسب إلى الإسلام خاصة «داعش»، مع غض الطرف عن آلاف الأحداث الأخرى التي تحدث في الغرب.. يكون التعامل معها على أنها مجرد جرائم عادية رغم قسوتها، الأمر الذي ساهم في ربط الإسلام بالإرهاب لدى المواطن الأوروبي. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أن مشيخة الأزهر أكدت في تقرير لها صدر أخيرًا أن مظاهر «الإسلاموفوبيا» ازدادت عام 2015 بالمقارنة بالعام قبل الماضي بصورة ملحوظة، وأن الأحداث الإرهابية التي وقعت بالعاصمة الفرنسية في نوفمبر الماضي زادت من مظاهر الكراهية للمسلمين بالأراضي الفرنسية بنسبة 222 في المائة عن عام 2014. وقال تقرير المشيخة إنه «تم تسجيل 816 بلاغا عن اعتداءات ضد المسلمين في لندن حتى يوليو (تموز) 2015 مقابل 478 بلاغا في الفترة نفسها من عام 2014 أي بنسبة زيادة 70.7 في المائة».
وأرجع تقرير مشيخة الأزهر الزيادة الملحوظة في نسب «الإسلاموفوبيا» في الغرب خلال عام 2015 إلى عدة أسباب كان من أهمها: «أن الهجمات الإرهابية التي قامت بها الجماعات المتطرفة، وفي مقدمتها (داعش)، ساهمت بشكل ملحوظ في كراهية الإسلام والمسلمين داخل المجتمعات الغربية، بسبب إعلان تلك (داعش) بأنه يفعل ذلك باسم الدين، وهو ما دفع بعض من لا يعرفون حقيقة الدين الإسلامي إلى وصف كل المسلمين بإرهابيين، ومن ثم مهاجمتهم سواء لفظيا أو بالاعتداء البدني».
وتابع التقرير «الشواهد جميعها تؤكد تصاعد حدة مظاهر الكراهية للمسلمين أكثر وأكثر بعد حادث بروكسل في بلجيكا الأخير، رغم الجهود المبذولة من عقلاء العالم لتصحيح المفاهيم المغلوطة، ومحاولة إقناع شعوب الغرب عامتهم ومثقفيهم، بأن ما تقوم به (داعش) وأخواتها لا يمت للإسلام بصلة».
وفي السياق ذاته، قال «مرصد دار الإفتاء المصرية للإسلاموفوبيا» إن اتهام البعض في أوروبا للإسلام بالفاشية «يعكس جهلاً كبيرًا بالدين الإسلامي، الذي لا يعرف النزعة العنصرية المتطرفة»، لافتا إلى أن هذه التهم وغيرها «تهيئ الرأي العام الأوروبي لتأييد جرائم الكراهية والاضطهاد ضد المسلمين، وإضافة قوانين صارمة تحرم المسلمين من حقوقهم وحرياتهم في أوروبا».
ولفت «المرصد» إلى أن علماء المسلمين قديما وحديثا قد اتفقوا على حرمة العمليات الإرهابية، التي تطلق عليها بعض التنظيمات المتطرفة «استشهادية»، التي تستهدف المدنيين وتضرب استقرار الدول وتؤثر على مسيرتها التنموية والمجتمعية، وتزرع الشقاق والفتنة بين مسلمي تلك الدول وباقي فئات المجتمع. وأكد أن «الإرهاب لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، كما أنه يستهدف الدول الإسلامية والغربية على السواء، ويوقع المدنيين من هنا وهناك بدعاوى باطلة وتبريرات واهية لا تنطلي على عاقل، وهو ما يؤكد أن الإرهاب هو عدو الإنسانية الأول في هذا العقد».
وتابع: «المرصد» أنه «قد ثبت بالدراسات الرصدية أن المسلمين هم أكثر الفئات المستهدفة من قبل الإرهابيين، كما أن الجاليات المُسلمة في الخارج هم أكثر المتضررين من أعمال تلك التنظيمات وجرائمها في حق الآمنين في مختلف دول العالم».
هذا، وقد دشنت دار الإفتاء المصرية «مرصد الإسلاموفوبيا» المتخصص في رصد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» ومعالجتها، وتقديم كل التصورات والتقديرات الضرورية لمواجهة هذه الظاهرة، والحد من تأثيرها على الجاليات الإسلامية في الخارج، وتصحيح المفاهيم والصور النمطية المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الخارج.
هذا، بينما يتوعد تنظيم داعش الغربيين باستمرار هجمات «تنسيهم» - على حد زعمه - هجمات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وباريس وبلجيكا الأخيرة.
وحسب «مرصد دار الإفتاء للإسلاموفوبيا»، فإن حدة ظاهرة «الإسلاموفوبيا» زادت في الآونة الأخيرة بعد سلسلة من جرائم «داعش» في كثير من بلدان العالم بأكثر من قارة، بينه على سبيل المثال لا الحصر، لبنان في آسيا، وفرنسا في أوروبا، ومالي في أفريقيا، موضحا أن بعض الأصوات المتطرفة في أوروبا والولايات المتحدة قد استغلت هذه الجرائم في تأييد دعايتها وتحريضها ضد الإسلام والمسلمين.
وأضاف: «إن كثيرا من حالات الاعتداء على المسلمين، خاصة النساء ممن يرتدين الحجاب في عدد من المدن الأوروبية، تم رصدها، وتعرضت كذلك كثير من المساجد للاعتداء». ونبّه إلى أن «الإسلاموفوبيا» عبارة عن «خوف مرضي غير عقلاني من الإسلام والمسلمين له ثلاثة مستويات: الأول فكري يتعلق بالمفاهيم والتصوّرات حيث ينظر للإسلام والمسلمين على أنهم (استثناء خطر) على المجتمعات وربما على العالم.. وأن هذه المفاهيم والتصورات تركز على إبراز التفسيرات المتطرفة والعنيفة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية لتسويغ وصف الإسلام والمسلمين بأنه خطر على المجتمعات في أوروبا والولايات المتحدة، مع إغفال جميع التفسيرات الأخرى وهي كثيرة ومتنوعة، وهذا المستوى يقوم على تطويره بعض من الدارسين والباحثين في الدراسات الاستشراقية في عدد من الجامعات الأوروبية والأميركية الذين – بحكم تكوينهم الدراسي – قد تشرّبوا أعمال بعض المستشرقين غير المنصفين في نظرتهم للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهّرة».
وتابع «المرصد» فذكر أن «المستوى الثاني من (الإسلاموفوبيا) يتعلق بتشويه المسلمين وشيطنتهم والتحريض عليهم، ويقوم على هذه الخطوة مؤسسات كثيرة من مراكز الأبحاث والإعلام التي تحدّد بؤرة تركيز المواطن الغربي فيما يتعلق بنظرته للإسلام، فما أن تحدث جريمة ما، أحد مرتكبيها ذو أصول عربية أو مسلمة حتى يتم التركيز على هويته، فتجد عنوانا يقول: (مسلم يقتل). في حين أنه لا يشار إلى ديانة مرتكبي جرائم أخرى كثيرة. وعلى الجانب الآخر لا يُذكر دين أي فرد مُبتكر أو مخترع ينتمي إلى الديانة الإسلامية إذا ما ظهر في وسائل الإعلام، فيتم بذلك الربط بين الجريمة والإسلام ليتجذر في ظن المتلقي هذا الارتباط، ومن ثم يسهل التحريض ضد الإسلام والمسلمين تمهيدا لقبول الإجراءات الأمنية ضد المسلمين بوصفها طائفة تنتقص من حقوقهم».
وأما عن المستوى الثالث للـ«إسلاموفوبيا» فيتمثل في: «الانتهاكات الفردية والقيود والممارسات الإدارية والقوانين التي تستهدف حقوق المسلمين وحرياتهم في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، كحظر الحجاب في المدارس العامة الفرنسية، وحظر بناء منارات المساجد في سويسرا»، موضحا أن مستويات الظاهرة متداخلة يغذى بعضها بعضا، وأن التعامل معها يحتاج إلى نظرة كلية شاملة بعيدا عن النهج الدفاعي أو الاعتذاري، كما أنه يتطلب صياغة استراتيجيات شاملة ترسخ لقواعد عامة في التعامل مع الظاهرة، وتحدد الأدوار والفاعلين الرئيسيين في مختلف مناطق الظاهرة، وصولا إلى التعاون والتكامل في الأدوار والأهداف بين جميع المهتمين والمتعاملين مع الظاهرة في الدول الغربية والعالم الإسلامي.
من جانبه، طالب الدكتور إبراهيم نجم، مُستشار مفتي مصر، بـ«استراتيجيات شاملة عربية وإسلامية» لمواجهة ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي تنتشر في بعض الدول عقب أي تفجيرات، فكريا، ورفض الانتهاكات الفردية التي يتعرض لها المسلمون جراء هذه التفجيرات التي تقوم بها جماعات تنسب نفسها زورا إلى الإسلام. وفصّل بأن «التعاطي الصحيح مع مشكلة (الإسلاموفوبيا) يبدأ من الرصد الدقيق والتحليل العلمي السليم لكل الأحداث والقضايا المتعلقة بمعاداة الإسلام والمسلمين في الخارج، فالعلاقة بين أصحاب الأديان والبشر عموما، دائما ما تحتاج إلى عمليات من الرصد والتحليل والتنبؤ من أجل إنضاج العلاقة ودفعها إلى الأمام وتصحيح مسارها دوما، والاستفادة من خبرات الماضي وقضايا الحاضر لبناء المستقبل».
وأكد الدكتور نجم أن «العالم العربي والإسلامي يواجه صراعًا حضاريًا ودينيًا وثقافيًا من أطراف عدة تحاول تشويه الإسلام ورموزه ومحاربة المسلمين، ولا بد لنا أن نواجه ذلك بالدراسة والتحليل والتزود بسلاح العلم والمعرفة والبحث العلمي، فهي أدوات لا غنى عنها في مواجهات الصدامات الثقافية والأزمات الحضارية بين أتباع الديانات المختلفة».
وتابع قائلا: «مُعالجة أزمة (الإسلاموفوبيا) تتطلب مخاطبة العالم الخارجي بلغاته عبر أدواته ووسائله الإعلامية، وهو ما تسعى له دار الإفتاء من خلال لغات المرصد الثلاث، الإنجليزية والفرنسية والألمانية، إلى جانب فريق من الباحثين والمترجمين، فضلا عن استغلال صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية في نشر رسائل المرصد ورده على حملات الكراهية التي تظهر في هذه الوسائل والوسائط».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».