ليبيا.. السويحلي رجل «مفترق الطرق»

رئيس مجلس الدولة يسحب البساط من المؤتمر الوطني

ليبيا.. السويحلي رجل «مفترق الطرق»
TT

ليبيا.. السويحلي رجل «مفترق الطرق»

ليبيا.. السويحلي رجل «مفترق الطرق»

من النادر أن تجد اسم عبد الرحمن السويحلي، الذي عُيّن أخيرًا رئيسًا لـ«المجلس الأعلى الدولة» الليبي، في المواقف العادية، إذ إنه يظهر عادة في الظروف الصعبة، أو كما يقال هنا: حين يكون هناك مفترق طرق، وحين يسود الارتباك، ستراه واقفًا لحسم الأمر وتوجيه الدفة، بغض النظر عن أي حسابات. السويحلي، ابن مدينة مصراتة الليبية، هو أول رئيس للمجلس الذي جرى انتخابه قبل أسبوعين رغم اللغط والانتقادات. ولقد ولد في أواخر أربعينات القرن الماضي، لأسرة معروفة شاركت في إرباك الاحتلال الإيطالي لليبيا. ومثل مصراتة، ارتبط اسم السويحلي بالكثير من المنعطفات التي مرت بها ليبيا بما في ذلك سنوات حكم معمر القذافي، ثم عام 2011 التي قامت فيها ميليشيات من المدينة بتهجير سكان بلدة تاورغاء المجاورة لها، بعد اتهام السكان هناك بمساندة نظام القذافي. وبعد ذلك شاركت ميليشيات من مصراتة في شن هجوم عسكري في عام 2012 على بلدة بني وليد، في عملية ارتبطت على ما يبدو بالرغبة في تصفية ثأر قديم وعملية انتقامية تركت جراحًا لم تندمل بعد. وبعد ذلك ظهرت مصراتة على الواجهة مجددًا من خلال «قوات فجر ليبيا»، التي شنت حروبا ضد خصومها، أشهرها معركة المطار ومناطق غرب طرابلس.
يمتلك عبد الرحمن السويحلي، بغض النظر عن كل شيء، تجربة سياسية قديمة تعود لسنوات المد القومي في سبعينات القرن الماضي. وقتها كان القذافي يغيّر موازين القوى الداخلية تحت شعارات، منها الاشتراكية والوحدوية، وتحت حماية «اللجان الثورية» التي أسست في ذلك الوقت لدعم نظام الحكم والسيطرة على الغضب الطلابي في الجامعات، وتطبيق نظريات السلطة التي عُرفت فيما بعد بمنهج «الكتاب الأخضر».
في تلك السنوات التي كانت فيها منطقة الشرق الأوسط ما زالت تدور في دوامة تداعيات حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، بدأ السويحلي، قبل أن يتخطى عامه الثلاثين، ينشط في الأوساط السياسية حين انتقل للدراسة خارج البلاد، معتمدًا في ذلك على علاقاته القديمة مع طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية ممن انتقلوا لاستكمال الدراسة في أوروبا، خصوصًا من أبناء مدينته.
من السيرة الطويلة لهذا الرجل، يمكن أن تلاحظ أنه يحسب خطواته.. قبل أن ينتقل من مكانه ينظر أمامه وينظر خلفه، ثم يتخذ القرار حتى لو لم تكن نتائجه مضمونة تمامًا. لهذا يبدو أنه أدرك، حين كان يقيم في العاصمة البريطانية لندن، حيث كان يتابع دراسته، استحالة تغيير نظام القذافي من خلال حركة طلابية صغيرة تنحصر غالبية أنشطتها بعيدا عن أرض الوطن. وعليه قرر في أواخر ثمانينات القرن الماضي العودة إلى ليبيا والابتعاد عن العمل السياسي، رغم ما كان في هذه العودة من مخاطر.
حدث هذا بينما كانت المعارضة الليبية في الخارج، سواء تلك التي اتخذت من لندن مقرًا لها، أو التي كانت مبعثرة في العالم، تزداد نشاطًا وقوة، مقابل ارتفاع وتيرة الملاحقات من جانب النظام ضد المعارضين في الداخل. ولهذا كان من المستغرب، لدى كثرة من السياسيين المطارَدين في البلدان الغربية، أن يتخذ الشاب السويحلي النشيط في خصومته لحكم القذافي، قرارًا بالعودة إلى ليبيا.
في نهاية المطاف.. وحين تنظر إلى تلك الأيام، حين كانت المعارضة في الخارج تعاني من الفقر والعراقيل، يمكن أن تفهم قرار السويحلي بالرجوع إلى بلاده. في تلك الفترة أيضًا ظهر اسم رجل الجيش خليفة حفتر، قائدًا للجيش الوطني الليبي في المنفى. كان حفتر قائدًا في القوات البرية الليبية أثناء الحرب بين ليبيا وتشاد، وتعرض للأسر وانتقل بواسطة إقليمية ودولية إلى الولايات المتحدة، لينضم بعد ذلك إلى «جبهة إنقاذ ليبيا» و«التحالف الوطني» وغيرهما من مسميات المعارضة.
لم يستمر الأمر طويلاً. دبت الخلافات بين عدد من قادة المعارضة الليبية في الخارج، وتوزعت ولاءات كثير منهم بين هذه الدولة وتلك، وبين هذا التيار وذاك. كان مفترق طرق يقف فيه قوميون وجماعة الإخوان وماركسيون وليبراليون ومشارب سياسية مختلفة. وفي هذه الأثناء كان السويحلي قد حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من بريطانيا، وعاد إلى بلاده ليدخل في منعطف جديد، حيث أصبح رجل أعمال يدير مكتبه الاستشاري الخاص في أعمال الهندسة.
مدينة مصراتة، التي ينتمي إليها السويحلي، معروفة تاريخيًا بأنها مدينة الصناعة والثراء والميل إلى التيار المحافظ. ويبدو أن هذه الخلفية أثرت في تكوين شخصيته. ومن الطرائف أن بعض قيادات التيار الديني تصنّفه على أنه من «العلمانيين»، بينما يصنفه البعض في التيار المدني ضمن التيار الديني. ويقول عنه بعض المحايدين إنه «سياسي يجيد استخدام ما لديه من أوراق». وللعلم، تقع مصراتة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، وشهدت عواصف سياسية وعسكرية مرت على البلاد. ولقد كان لها مكانة خاصة في قلب القذافي منذ انتقل لاستكمال دراسته الثانوية فيها آتيًا من مدرسته في سبها في الستينات. (مدينة سرت، مسقط رأس القذافي، تقع إلى الشرق من مصراتة بنحو 200 كيلومتر أيضًا).
وفي مصراتة نفسها، شكّل القذافي «خلايا ثورية» رئيسية، وأقنع الكثير من الدارسين باستكمال التعليم عسكريًا في الكلية الحربية التي كانت تتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها. ومن هناك انطلقت الحركة التي عرفت فيما بعد باسم «ثورة الفاتح عام 1969»، لتتولى حكم البلاد، وكان لرجال مصراتة نصيب في النظام الجديد، رغم اعتماد القذافي على التوزيع القبلي لكثير من المناصب خصوصًا الأمنية والعسكرية.
بعدها مرّت مصراتة ومعها كبار أثرياء ووجهاء المدينة، بمفترق طرق جديد يعد من المنعطفات المهمة التي أثرت بطريقة أو بأخرى على مسيرة السويحلي، وطريقته في النظر إلى الأمور، ووضع التصورات للمستقبل، بعد رجوعه إلى ليبيا ببضع سنوات. وهذا المنعطف يرتبط بشكل مباشر بالعلاقة التاريخية المضطربة بين مصراتة ومدينة بني وليد معقل قبيلة ورفلّة.
أولا.. تتذكر كثرة من الليبيين أن أصل الخلاف بين ورفلة ومصراتة يرجع إلى نحو مائة سنة مضت. وكان يدور في الأساس بين رجلين صديقين؛ أحدهما من أجداد السويحلي، اسمه رمضان السويحلي، وكان زعيمًا كبيرًا لقبائل مصراتة، والآخر هو عبد النبي بالخير، زعيم قبيلة ورفلّة. كان الرجلان ممن أسهموا في تأسيس أول جمهورية عربية، هي جمهورية طرابلس، إلا أن تباين الرؤى في التعامل مع المحتل الإيطالي وقتذاك، دفع السويحلي الجدّ إلى شن هجوم عسكري كبير على ورفلّة، لكن المعارك انتهت بمقتله، وانتهت أيضًا باختفاء بالخير من ليبيا.
ومضت السنون، وظلت كوادر من الجانبين، أي من مصراتة وورفلّة، يتربّص بعضها ببعض، رغبة في الثأر والانتقام وحسم الخلاف القديم، مع أن غالبية كل من مصراتة وورفلّة ما أرادتا أبدا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، لكن هكذا كانت الظروف تسير بالجميع إلى الأمام.
واستمرت الأحوال على هذا المنوال إلى أن بدأت الانتفاضة المسلحة ضد نظام القذافي في مطلع 2011. ومن جديد وجدت مصراتة وقياداتها - ومن بينهم رجل الأعمال والسياسي القديم عبد الرحمن السويحلي - نفسها عند مفترق طرق جديد.. هل يقفون مع ثورة 17 فبراير، أم ينتظرون إلى أن تتضح الآفاق الجديدة؟ بيد أن الأمم المتحدة، وأطرافًا إقليمية ودولية أخرى، كانت قد تواصلت مع «الثوار»، وبدا أنها عزمت على تغيير الأوضاع في ليبيا إلى الأبد. ووجد السويحلي نفسه من بين المتهمين بالتحريض على الثورة، وزجّ به القذافي في السجن مع عدد من أفراد أسرته.
ومن المفارقات العجيبة أن قبيلة ورفلّة، خصوصًا في مدينة بني وليد، ورغم الظلم الذي وقع على أبنائها من نظام القذافي، وقفت ضد تدخّل حلف الـ«ناتو» في البلاد. ولهذا جرى تصنيف المدينة وسكانها باعتبارهم من الموالين لنظام القذافي، رغم أن هذا لا يُعد دقيقًا بأي حال، فكبار رجال القبيلة يقولون إنهم ما كانوا مع القذافي بل مع مبدأ عدم التحالف مع الأجنبي للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، أيًا ما كانت طبيعة الخلافات بين أبناء الوطن الواحد.
في أي حال، تمكن المنتفضون على حكم القذافي من تحرير عبد الرحمن السويحلي ومَن معه من السجن، لتواصل المدينة رحلتها في التحرّر من قبضة قوات النظام الذي فرض عليها حصارًا من جميع الجهات لعدة أشهر. وتكوّنت عدة ميليشيات وكتائب في مصراتة شاركت بقوة في ملاحقة رجال النظام السابق، إلى أن وصلت إلى مقر إقامته في ذلك الوقت في مسقط رأسه بمدينة سرت. وبعد قتله، نُقِل جثمانه إلى مصراتة لكي يُدفن في مكان لم يُعلن عنه حتى الآن.
في البداية، أي بعد مقتل القذافي بعدة أشهر، أسس السويحلي حزب «الاتحاد من أجل الوطن» في عام 2012، ثم فاز في انتخابات «المؤتمر الوطني العام» (البرلمان السابق، وهو الأول بعد سقوط نظام القذافي) عن مدينة مصراتة، التي أجريت خلال شهر يوليو (تموز) من تلك السنة، ليترأس فيه لجنة «الدفاع والأمن القومي». وفي هذا التوقيت، أدت الظروف والانقسامات التي تمر بها البلاد، إلى جانب الخوف من عودة رجال النظام السابق إلى الحياة السياسية والعسكرية، إلى اتخاذ «المؤتمر الوطني» السابق قرارًا بشن هجوم مسلح على مدينة بني وليد، بزعم أنها تناصر أنصار القذافي، وتخبئ بعض القيادات المطلوبة. وظهرت على السطح اتهامات بوجود رغبة في الانتقام والثأر لمقل الجدّ رمضان السويحلي، خصوصًا أن كثيرًا من الميليشيات التي شاركت في الهجوم كانت محسوبة على مصراتة وقادتها، بمن فيهم عبد الرحمن السويحلي، حفيد الجدّ رمضان.
ومع ذلك فاز السويحلي في الانتخابات الجديدة للبرلمان في يونيو (حزيران) عام 2014، عن مصراتة أيضًا، لكنه رفض الالتحاق بالعمل في البرلمان الذي اضطر لعقد جلساته في مدينة طبرق بشرق البلاد. وسبب رفضه هو صدور حكم للمحكمة الدستورية العليا يخص بطلان إجراءات اتخذت في البرلمان السابق، إلا أن تفسير خصوم البرلمان الجديد، ومنهم السويحلي، أن قرار المحكمة يقضي بحل البرلمان الجديد من الأساس. وعلى ذلك عاد الرجل لمواصلة عمله في البرلمان السابق، الذي واصل عقد جلساته في طرابلس.
استمر هذا الوضع إلى أن بدأت «معركة طرابلس» التي أدت لحرق مطار العاصمة الليبية الدولي، وتدمير الطائرات الجاثمة فيه. ومجددًا اتهمت ميليشيات مصراتة، بإيعاز من بعض قادتها، بأنهم وراء هذه القوة التي استولت على طرابلس، تحت اسم «قوات فجر ليبيا». وبعد هذه الواقعة دخلت الأمم المتحدة على الخط، من جديد، لأول مرة منذ قرارها بإعطاء الضوء الأخضر للـ«ناتو» في 2011 بالتدخل في ليبيا. وبدأت منذ أواخر 2014 سلسلة من المفاوضات الصعبة لإيجاد حكومة توافقية بين بعض الخصوم الليبيين. واختير عبد الرحمن السويحلي ضمن الفريق الممثل للبرلمان السابق. واستمرت هذه المفاوضات ما بين بلدة الصخيرات المغربية وعدة مدن عربية وأجنبية أخرى إلى أن انتهت في أواخر العام الماضي، بالإعلان عن «مجلس رئاسي» برئاسة فايز السرّاج، وحكومة مقترحة لم تحصل على ثقة البرلمان بعد، مع إنشاء «مجلس أعلى للدولة» يتكون من أعضاء من «المؤتمر الوطني» (البرلمان السابق) يكون له الصفة الاستشارية، مع البرلمان الحالي المعترف به دوليًا وصاحب الاختصاص الأصيل في التشريع والرقابة.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.