لبنان: ارتفاع معدل الجرائم يهدد الأمن الاجتماعي.. وينذر بانهيار أخلاقي

أسبابها النزوح السوري والتدهور الاقتصادي.. وتنامي نسبة الفقر والبطالة

لبنان: ارتفاع معدل الجرائم يهدد الأمن الاجتماعي.. وينذر بانهيار أخلاقي
TT

لبنان: ارتفاع معدل الجرائم يهدد الأمن الاجتماعي.. وينذر بانهيار أخلاقي

لبنان: ارتفاع معدل الجرائم يهدد الأمن الاجتماعي.. وينذر بانهيار أخلاقي

لا يكاد يمرّ يوم من دون أن ترصد التقارير الأمنية عددًا من الجرائم الخطيرة التي يشهدها لبنان، جرائم تبدأ بالجنحة البسيطة لتصل إلى الخطف والقتل، لكن مهما اختلفت وتعددت الأسباب الكامنة وراءها، فإن مؤشر ارتفاع أسهمها ينذر بخللٍ ما.
تتقاطع المعلومات القضائية والأمنية عند الدافع الأول لهذه الجرائم، إنها الأزمة الاقتصادية وازدياد البطالة وارتفاع نسبة الفقر، لكنها برأي أصحاب الاختصاص في علم التحليل النفسي فإن مردودها أبعد من ذلك، إنها نذير خطر على الأمن الاجتماعي ودليل للانهيار الأخلاقي، ومع هذا التحلل الرهيب لا يبقى للمعايير القضائية والقانونية الفاعلية المرجوة، ما لم تعالج الدولة مكمن الداء.
في الأرقام التقريبية لنسبة ارتفاع وانخفاض معدلات الجريمة وأنواعها، تضاربت المعلومات القضائية مع الأمنية، ففي الوقت الذي سجلت فيه قيود الدعاوى لدى النيابات العامة في المحافظات اللبنانية الست، ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الدعاوى، أشارت معلومات أمنية إلى أن مستوى الجريمة «يشهد انخفاضا مقارنة مع السنوات الماضية»، لكنها لم تر الجرائم اليومية على اختلافها مؤشرًا خطيرًا، بقدر ما رأت أنها «تعبّر عن حالات تشهدها كل المجتمعات وليس لبنان وحده».
وفي مراجعة سريعة لبعض سجلات النيابات العامة التي تدون الشكاوى الواردة يوميًا، تظهر نسبة ارتفاع لافت في أرقامها، صحيح أن ازدياد عددها ليس حالة طارئة، فهو يحصل في لبنان كما في كل الدول العالم، لكن هذه الزيادة كانت ترتفع ما بين 3 و5 في المائة سنويًا. وتعزو مصادر قضائية ذلك إلى «ازدياد العدد السكاني، والانكماش الاقتصادي الذي تظهر تجلياته في ملفات الشكات المصرفية المرتجعة، وقضايا الاحتيال وإساءة الأمانة في التعاملات المالية والتجارية».
لا تخفي المصادر أن نسبة الدعاوى «ارتفعت منذ 2013 حتى اليوم إلى مستوى مقلق جدًا، هي قاربت في عام 2015 نحو 15 في المائة»، وتؤكد المصادر القضائية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا الاختناق في الدعوى القضائية مردّه بشكل أساسي إلى النزوح السوري الذي غصّ به لبنان، ولأن الفارق الشاسع يعود بغالبيته لأشخاص سوريين ارتكبوا جرائم في لبنان».
الأمثلة على ذلك كثيرة حسبما تقول المصادر القضائية «ازدياد عدد نزلاء السجون من السوريين، وبالدرجة الأولى زيادة الملاحقين في قضايا إرهاب تجري محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية، ويأتي ثانيًا المتهمون بجرائم سرقة وسطو، يليها جرائم الخطف ثم القتل».
أما الاختصاصية في التحليل والعلاج النفسي، الدكتورة منى شرباتي، فرأت أن «الضائقة المالية التي يعاني منها الناس وانسداد أفق الحلول توصل إلى هذه الجرائم». وعزت تنامي نسبة الجريمة إلى غياب الدولة. وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «عندما تكون هناك دولة لا يكون ثمة ضرر كبير، لكن عندما تتلاشى الدولة تتكاثر الجرائم وتعم الفوضى، وهذا الواقع ينطبق على السوريين المقيمين في لبنان كما ينطبق على الواقع اللبناني أيضًا».
وحذرت اختصاصية العلاج النفسي من أن «لبنان يتجه نحو انهيار اجتماعي وأخلاقي رهيب»، مشيرة إلى أن هذا «الواقع يتجلى في تنامي جرائم السرقة». وسألت: «هل تقاضى موظف لبناني زيادة على راتبه من خمس سنوات؟ هذا اﻷمر سيقود إلى انهيار كامل طالما أن الدولة غائبة أو مغيبة».
ونبهت شرباتي إلى أن «الخطر الحقيقي ليس في الجرائم التي يرتكبها السوريون فحسب، فهؤلاء ما دام أنهم خارج بلدهم يجدون أسبابهم لذلك، لكن الخطر فيما يفعله لبنانيون كثر وصلوا إلى حالة من اليأس». وأكدت أن «الانهيار اﻷخلاقي يكاد يكون معمما لولا بعض العائلات التي ما زالت تتمسك بالقيم وترفض أن ينجر أبناؤها إلى الانحراف».
في المقابل، قلل مصدر أمني من خطورة انعكاس هذه الجرائم على المجتمع اللبناني ككل، وقدّم مقاربة مختلفة نسبيًا، إذ اعتبر أن «الجريمة تشهد تراجعًا في لبنان وليس نموًا»، وردّ هذا التراجع إلى «الوعي الأمني في مطاردة الجريمة والحدّ منها». وشدد المصدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الجرائم التي تسجّل تعبّر عن حال المجتمع التي لا يمكن وقفها بشكل كامل، وهي تفاقمت في السنوات الأخيرة مع الوجود السوري ونسبة الفقر والبطالة».
وقال: «المهام الملقاة على عاتق الأجهزة الأمنية في ملاحقة الجريمة ليست سهلة، ونحن في أقصى جهوزية أمنية»، معتبرًا أنه «كلما ساء الوضع الاقتصادي زادت نسبة الجرائم». ورأى أن «الاكتظاظ في السجون، وازدياد أعداد الموقوفين، يؤشر إلى نجاح الأمن في مكافحة الجريمة». وأضاف المصدر الأمني: «بخلاف الاعتقاد السائد، فإن نسبة القتل انخفضت وكذلك عمليات السلب والسطو، لكن في المقابل ارتفعت جريمة النشل، بالإضافة إلى جرائم الدعارة والاتجار بالبشر التي بات مكافحتها في مقدمة أولوياتنا».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».