ليبيا: كوبلر يتهم مجلس النواب بدعم الاقتتال.. والجيش يمهد لتحرير درنة

حفتر يسعى لحسم المعركة في بنغازي.. والسراج يتلقى دعوة لزيارة ألمانيا

ليبيا: كوبلر يتهم مجلس النواب بدعم الاقتتال.. والجيش يمهد لتحرير درنة
TT

ليبيا: كوبلر يتهم مجلس النواب بدعم الاقتتال.. والجيش يمهد لتحرير درنة

ليبيا: كوبلر يتهم مجلس النواب بدعم الاقتتال.. والجيش يمهد لتحرير درنة

شن مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا، هجوما حادا على مجلس النواب الليبي المنقسم على نفسه بشأن منح الثقة لحكومة الوفاق الوطني المقترحة من البعثة الأممية والتي يرأسها فائز السراج، ورأى أن المجلس «مستمر في التقاتل ولا يريد تحمل مسؤوليته لإنهاء معاناة الليبيين».
وجاءت هذه التصريحات قبل جلسة استثنائية سيعقدها البرلمان المعترف به دوليا اليوم بمقره في مدينة طبرق، بناء على دعوة مشتركة من نائبي رئيس المجلس، وذلك في محاولة جديدة لتمرير حكومة السراج، وسط استمرار الانقسام في المواقف حيالها بين الأعضاء.
وتحدث علي القطراني وعمر الأسود، النائبان المنسحبان من المجلس الرئاسي لحكومة السراج، خلال لقائهما في طبرق مع مجموعة من الأكاديميين والمثقفين عن مدينة بنغازي، عما وصفاه بالإشكاليات والخروقات التي قام بها المجلس الرئاسي، والتي كانت بعيدة كل البعد عن الوفاق، على حد تعبيرهما.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية الرسمية عن العضوين قولهما إن قلة من أعضاء المجلس الرئاسي تعمدوا إقصاء التيار الوطني من المشهد، بدءا من اختيار حكومة لم تناقش، ولم تعرض على أعضاء المجلس والتوافق عليها قبل الإعلان عنها، بالإضافة إلى محاولتهم تمرير هذا المجلس وحكومته قبل تعديل الإعلان الدستوري وتضمين الاتفاق ومنح الثقة من قبل الجهة التشريعية الوحيدة في البلاد، وهو مجلس النواب، وفقا لاتفاق الصخيرات الذي رعته البعثة الأممية نهاية العام الماضي في المغرب.
من جهته، كشف أمس صالح قلمة، مقرر مجلس النواب، عن اتفاق بين اللجان المكلفة من طرفي أعضاء مجلس النواب (6+6) بإحالة الاتفاق السياسي إلى لجنة الحوار، وذلك لإلغاء المادة (8) وتبعاتها، بحيث تبقى المناصب السيادية العليا، بما فيها صفة القائد الأعلى، للبرلمان.
ويرفض مجلس النواب أي مساس بقيادات المؤسسات الأمنية والعسكرية، خاصة الفريق خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني الموالي للسلطات الشرعية في البلاد.
وفي المقابل، حث كوبلر في تغريدات له أمس الجميع على التصويت بشكل سلمي لصالح حكومة السراج، لافتا النظر إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في ليبيا بقوله إن «40 في المائة من سكان ليبيا في حاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو ما يعادل مليونين و400 ألف مواطن ليبي».
مضيفا أن «60 في المائة من المستشفيات الليبية غير صالحة، كما أن مليونا ومائتي ألف ليبي لا يحصلون على الغذاء والماء الصالح للشرب بالقدر الكافي»، واعتبر أن وضع المدنيين العالقين في مناطق النزاع في بنغازي خطير ومقلق جدًا، ودعا كل الأطراف لحماية المدنيين وتأمين خروجهم الفوري والآمن.
في غضون ذلك، أعلنت قيادة الجيش الليبي انهيار دفاعات عناصر تنظيم داعش في مدينة درنة، التي تعتبر معقلا رئيسيا للجماعات الإرهابية شرق البلاد، فيما أكد الفريق خليفة حفتر خلال اجتماع موسع مع بعض قادة محاور القتال داخل فندق الفضيل في بنغازي، ضرورة حسم المعركة في بنغازي، ودحر ما تبقى من الميليشيات الإرهابية التابعة لـ«داعش».
وقالت مصادر عسكرية إن قوات الجيش نجحت في اختراق دفاعات المتطرفين وسط قصف جوي، أسفر عن انسحاب مفاجئ لعناصر «داعش» إلى خارج درنة، مشيرة إلى أن قوات الجيش تقوم بعملية تمشيط واسعة النطاق في المدينة، تمهيدا لإعلان تحريرها رسميا.
إلى ذلك، جددت الجزائر على لسان وزيرها للشؤون المغاربية عبد القادر مساهل، الذي سجل نفسه أمس كأول مسؤول عربي أو أفريقي يزور طرابلس، تأكيدها بأنه لا بديل إلا الحل السياسي والمصالحة الوطنية والحوار الوطني لحل الأزمة في ليبيا.
وقال مساهل في مؤتمر صحافي عقده إن «وجودنا بطرابلس اليوم للتعبير عن تضامننا مع الشعب الليبي، ولنقدم كل ما بوسعنا لمرافقة الشقيقة ليبيا في هذه الظروف، ومناقشة الأولويات للتعاون الجزائري - الليبي، وتنمية المناطق الحدودية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والتطرف وتحقيق الأمن والاستقرار».
وأكد مساهل استعداد بلاده لتقديم المساعدة والمشورة في المجالات كافة، ودعمها للجهود الرامية إلى استتباب السلام والاستقرار في ليبيا، مشيرا إلى أن الجزائر ستعيد فتح سفارتها بطرابلس في أقرب وقت.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد أجرت مساء أول من أمس اتصالا هاتفيا، هو الأول من نوعه لرئيس دولة أوروبية مع رئيس الوزراء المكلف فائز السراج، الذي ما زال يعزز تواجد المجلس الرئاسي لحكومته في العاصمة طرابلس، رغم عدم منح مجلس النواب الموجود في طبرق الثقة له لبدء عمل حكومته بصورة رسمية.
وقال المكتب الإعلامي للسراج في بيان له، إن ميركل دعته خلال الاتصال الهاتفي للقيام بزيارة رسمية إلى العاصمة الألمانية برلين خلال الأيام المقبلة.
وبحسب البيان فقد أشادت مستشارة ألمانيا بالجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي لحكومة السراج من أجل إنجاح عمل الحكومة من طرابلس، مشيرا إلى أنها عبرت أيضا عن سعادتها بما وصفته بالأوضاع الجيدة والمستقرة التي تعيشها طرابلس، والصورة التي نقلها وزير خارجيتها فرانك شتاينماير خلال زيارته الأخيرة إلى المدينة.
وقام عدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي على مدى الأيام القليلة الماضية بزيارات رسمية متعاقبة إلى طرابلس لإظهار التأييد الغربي لحكومة السراج، بينما يعد الوزير الجزائري أول مسؤول عربي يزور طرابلس منذ وصول السراج، بحرا من تونس إلى العاصمة الليبية نهاية الشهر الماضي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.