إيران: طريق سري إلى القنبلة النووية يمر عبر كوريا الشمالية

امتلاك الحرس الثوري لصواريخ باليستية خطر على الأمن الدولي * تتباهى قيادات الحرس الثوري بقدرتها على نقل خبراتها الصاروخية إلى الجماعات التابعة لها

إيران: طريق سري إلى القنبلة النووية يمر عبر كوريا الشمالية
TT

إيران: طريق سري إلى القنبلة النووية يمر عبر كوريا الشمالية

إيران: طريق سري إلى القنبلة النووية يمر عبر كوريا الشمالية

منذ الاتفاق النووي في يوليو (تموز)، أجرى الحرس الثوري عدة اختبارات لإطلاق الصواريخ الباليستية كان آخرها في بداية مارس الماضي في استفزاز واضح لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ حيث يتباهى الحرس الثوري بتحديه للولايات المتحدة ومقاومته للعقوبات. وفي الوقت نفسه يعمل على تعزيز إمكانياته من خلال تطويره لبرنامج الصواريخ الباليستية، كما أن بإمكانه أيضا الحصول على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
مما لا شك فيه أن امتلاك الحرس الثوري للصواريخ الباليستية يمثل خطرا شديدا على الأمن الدولي.

وكانت الجمهورية الإسلامية تواجه صعوبات شديدة في العثور على مصادر موثوق بها لتحديث جيشها، ومن ثم منحت طهران أولويتها الأولى للحصول على أنواع مختلفة من الصواريخ وتطويرها لكي تعوض ذلك العجز.
كان الغرب قد توقف عن بيع المعدات العسكرية إلى إيران بعد ثورة 1979. وهو ما مثل مشكلة جدية للقوات المسلحة الإيرانية التي تتبنى النموذج الأميركي. ومن ثم، تراجعت القدرات العسكرية التقليدية لإيران إلى حد كبير خلال فترة الحرب الإيرانية - العراقية (1980 - 1988). واليوم، أصبح برنامج الصواريخ الباليستية للحرس الثوري من الأعمدة الرئيسية للاستراتيجية العسكرية للجمهورية الإسلامية.
فمنذ الحرب الإيرانية - العراقية، عملت طهران بلا كلل على تطوير برنامجها للأسلحة الباليستية حتى أصبحت اليوم تمتلك أكبر ترسانة في الشرق الأوسط. ويخضع البرنامج لسلطة الحرس الثوري الإيرانية وتحديدا لقوات الفضاء.
عملت قوات الحرس الثوري على توسيع نطاق وجودة صواريخها؛ حيث استثمرت إيران في تصنيعها محليا وفي تطوير البنية المحلية لتقليل الاعتماد على المصادر الأجنبية. ورغم أنها ما زالت تحتاج إلى استيراد بعض المكونات الرئيسية، فإنها أصبحت قادرة على إنتاج الصواريخ. ورغم أن العقوبات الدولية عرقلت مساعي الحرس الثوري للحصول على الصواريخ الباليستية وأجبرته على الاعتماد على مصادر بديلة أقل مصداقية للحصول على تكنولوجيا الصواريخ، فإن هذه العقوبات سيتم رفعها بعد الاتفاقية النووية مما يفتح أمامه أبواب القنوات الشرعية للشراء.
جدير بالذكر أن الحرس الثوري يمتلك حاليا صواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى يتراوح مداها بين 300 و2000 كيلومتر قادرة على ضرب أهداف في الشرق الأوسط. وتتكون معظم ترسانته من الصواريخ قصيرة المدى التي يصل نطاقها إلى 500 كيلومتر مثل «شهاب1» و«شهاب2» اللذين تم تصميمهما على غرار النموذجين السوفياتيين «سكود بي» و«سكود سي». وتتضمن ترسانتهم من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى صواريخ «شهاب3» الذي يصل مداه إلى 1280 كيلومترا. ومؤخرا، قام الحرس الثوري باختبار صاروخ «عماد» الذي تفيد التقارير بأن مداه يصل إلى 1700 كيلومتر. وأعلن الحرس الثوري أن إنتاج هذا الصاروخ سيكون على نطاق واسع، مستعرضا مخزونه من صواريخ «عماد» المخزنة في قبو تحت الأرض في يناير (كانون الثاني) الماضي. تستطيع الصواريخ الباليستية بعيدة المدى الموجودة حاليا لدى الحرس الثوري مثل «سجيل2» وأحد نسخ «شهاب3» أن تصل إلى مسافة 2000 كيلومتر. وقد أكد مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية أن الصواريخ الباليستية الموجودة حاليا لدى إيران خاصة الصواريخ متوسطة وطويلة المدى «قادرة» على حمل رؤوس نووية.
كما تمكن الحرس الثوري من إنشاء شبكات من مستودعات ومخازن الصواريخ تحت الأرض وفي الجبال في جميع أنحاء البلاد واستعرضهم في عرض بثته التلفزيونات المحلية. ومن جهة أخرى، سعت إيران إلى تعزيز دفاعها الجوي لتعزيز قدرة صواريخها على الصمود إذا ما تعرضت لهجمات استباقية.
تعد الصواريخ الباليستية محورية لاستراتيجية إيران العسكرية التي تعتمد على تجنب أو ردع النزاعات التقليدية بينما تستعرض قوتها بالخارج من خلال العمليات بالوكالة. وبمعنى آخر، فإنها تخدم غرضا دفاعيا كما تعمل كغطاء يمكن طهران من استئناف مساعيها لتحقيق أهدافها الثورية التي تسعى لتغيير الأوضاع الراهنة في العالم الإسلامي والحلول محلها.
تعتمد سياسة الردع الإيرانية على القدرة على تهديد الملاحة في مضيق هرمز، وشن هجمات إرهابية على عدة قارات وشن هجمات بالصواريخ بعيدة المدى على القوات الأميركية وحلفائهم في المنطقة. كما تتباهى قيادات الحرس الثوري بأنها تستطيع نقل خبراتها الصاروخية إلى الجماعات التابعة لها.
تمكنت الجمهورية الإسلامية من خداع المجتمع الدولي بشأن أبحاثها وعملها على تطوير الأسلحة النووية لأكثر من عقدين. وتأكدت الشكوك بشأنها بعدما أصدرت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» تقريرها حول الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي في ديسمبر (كانون الأول)؛ حيث وجدت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن طهران كانت تجري تجارب على تزويد الصاروخ الباليستي «شهاب3» برأس نووي وهي التقنية التي تستطيع إيران تطويرها واستخدامها في الصواريخ طويلة المدى.
ورغم إصرار إيران المستمر على أنها لم تسع أبدأ للحصول على الأسلحة النووية، يؤكد التقرير أن طهران كان لديها بالفعل برنامج نووي، وهو البرنامج الذي استمر لعدد من السنوات يزيد على العدد الذي أعلنته من قبل الاستخبارات الأميركية.
ولكن التقرير لم يكن مكتملا لأن إيران رفضت أن تقدم إجابات كاملة عن أسئلة الوكالة بشأن نشاطات «الأبعاد العسكرية المحتملة» كما لم يصمم مفاوضو الصفقة النووية على أن تقدم إيران إجابات كاملة. فمن جهة، لم يكن السعي لتحقيق «الأبعاد العسكرية المحتملة» يمثل اتهاما محرجا يدفع الجمهورية الإسلامية للاعتراف. ومن جهة أخرى، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحاجة إلى أن تعرف إلى أي مدى ذهبت إيران في مسار التسليح لكي تؤسس نظاما فعالا للتأكد من الحقيقة. فمن دون أسس واضحة، لن تتمكن الوكالة من رصد حركة استئناف أنشطة التسليح.
تعمل الجمهورية الإسلامية على تطوير برنامج صواريخ باليستية عابرة للقارات تحت غطاء العمل على برنامج إطلاق فضائي، نظرا لاعتماد كلا البرنامجين على تكنولوجيا مشتركة. وأخذا في الاعتبار أوجه التشابه بين البرنامجين، وتاريخ إيران من الخداع، من المنطقي أن تحوم الشكوك حول ما إذا كان برنامج الإطلاق الفضائي يتم استخدامه كغطاء لبرنامج تطوير الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. ومما لا شك فيه أن الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ليس لها سوى غرض واحد وهو حمل رؤوس نووية.
وسوف يعمل برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات على تعزيز قدرة الجمهورية الإسلامية على تنفيذ ضربات بعيدة المدى تصل إلى أكثر من 5500 كيلومتر وربما تصل إلى الولايات المتحدة نفسها. ومع ذلك هناك صعوبات تقنية كبرى تقف أمام تطوير برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والبرنامج القادر على نقل الرؤوس النووية.
ومن جهة أخرى، نجحت طهران من خلال برنامجها الفضائي في إطلاق أول صاروخ مداري وهو «السفير» في عام 2010. ويشبه برنامج إيران الفضائي الجديد الذي يحمل اسم «سميرغ» برنامج صواريخ كوريا الشمالية «أونها» ويمكنه إرسال أطباق اصطناعية أكبر إلى مدارات أعلى. وتفيد التقارير بأن طهران كانت تسعى منذ فبراير (شباط) إلى إطلاق قمر اصطناعي من خلال صاروخ «سميرغ»؛ وهو ما يمكن أن يمثل خطوة مهمة في تقدم برنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات وقدرتها على حمل رؤوس نووية.
مما لا شك فيه أن هناك تعاونا باليستيا طويل المدى بين الجمهورية الإسلامية وكوريا الشمالية؛ فقد ساعدت الأخيرة الحرس الثوري على تطوير الصواريخ الباليستية. ووفقا لبعض التقارير، سافر وفد من كوريا الشمالية إلى إيران لحضور فعاليات إجراء الاختبار الذي أجراه الحرس الثوري في فبراير 2014.
وتفيد التقارير بأن وفدا من العلماء الإيرانيين قد دفع قدرا سخيا من الأموال لحضور الاختبار النووي الذي أجرته كوريا الشمالية في فبراير 2013. وفي مذكراته، أشار الرئيس الإيراني السابق آية الله علي أكبر هاشمي، مؤسس البرنامج النووي الإيراني، إلى «عملية نقل تكنولوجية» غير محددة من كوريا الشمالية في 1991 وتلقي «بضائع خاصة» عبر قنوات الاستخبارات بعد ذلك بسنة.
ومن ثم فهناك طريق سري إلى القنبلة النووية يمر عبر كوريا الشمالية. ووفقا للاستخبارات الأميركية قد قالت في أواخر مارس (آذار) إن بيونغ يانغ ربما تكون قد تمكنت من تصغير قنبلة نووية يمكن حملها على الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وكانت بيونغ يانغ تسعى مؤخرا بجدية أكبر لتحقيق طموحاتها النووية؛ حيث قامت بإجراء اختبار لتفجير قنبلة نووية أخرى في يناير.
في بداية مارس، أجرى الحرس الثوري على مدار أسبوع كامل اختبارات لسلسلة من الصواريخ الباليستية في حدث تم بث وقائعه على شاشات التلفزيون المحلي. وفي مقطع الفيديو الذي تم بثه، ظهرت صواريخ باليستية يتم إطلاقها من قواعد صاروخية.
وكان هذا هو ثالث اختبار للصواريخ الباليستية منذ الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في الصيف الماضي. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، اختبرت إيران الجيل الجديد من صواريخ «عماد» الباليستية التي تزعم أن مداها يصل إلى 1700 كيلومتر ويمكنها حمل 750 كيلوغراما ومزودة بمركبات عودة حديثة التصميم ونظم أكثر تطورا للتحكم والتوجيه. وفي بداية ديسمبر (كانون الأول)، أعلن الحرس الثوري أنه أجرى اختبارا إضافيا في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني).
ورغم أن هذه الاختبارات تنتهك الكثير من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن لغة ووضع تلك القرارات تغيرا إلى حد كبير منذ الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في الصيف. فكان قرار 1929 الذي تم إصداره في 2010 يفرض عقوبات مشددة على طهران نظرا لعدم تعاونها مع المجتمع الدولي في ضمان الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي. كما يحظر القرار تطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية بما في ذلك تكنولوجيا إطلاق الصواريخ الباليستية. وهو ما يرجع أساسا إلى أن صواريخ إيران الباليستية لديها القدرة على حمل الرؤوس النووية.
ولكن العمل بقرار 1929 انتهى في يناير 2016. عندما أكدت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» أن إيران أوفت بجميع التزاماتها النووية، وبدأ العمل بقرار 2231 الذي يحتفي بالاتفاق النووي. ولكن قرار 2231 ما زال يطالب إيران بعدم انتهاك القيود المفروضة على برنامجها للصواريخ الباليستية لمدة ثماني سنوات من تاريخ التنفيذ.
كان رد فعل الولايات المتحدة على تلك الانتهاكات هادئا؛ فهي لم تذهب بالانتهاكات التي قامت بها طهران في اختبارات أكتوبر، ونوفمبر إلى مجلس الأمن عندما كان قرار 1929 ما زال ساريا رغم أن تقرير الأمم المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) أفاد بانتهاك هذين الاختبارين للقرار. ورغم أن الولايات المتحدة أخذت الانتهاك الذي قامت به إيران في مارس إلى مجلس الأمن، استخدمت روسيا حق الفيتو على ذلك الإجراء.
كما أرسلت واشنطن أيضا إشارات على أنها ليست جادة بشأن اتخاذ إجراءات عقابية تجاه انتهاكات طهران. فعندما دار الحديث حول نية الولايات المتحدة فرض بعض العقوبات في ديسمبر، سرعان ما استنكر المسؤولون بالحكومة والقادة العسكريون العقوبات المحتملة واعتبروها انتهاكا للاتفاقية النووية، وأصدر الرئيس حسن روحاني أوامره إلى وزير الدفاع بالإسراع في عملية إنتاج الصواريخ. ومن ثم تراجع البيت الأبيض معلنا أنه سيؤجل العقوبات لحين إجراء «مراجعات داخلية».
واتضح لاحقا أن طهران هددت البيت الأبيض بوقف المفاوضات المستمرة لتحرير خمسة إيرانيين - أميركيين معتقلين في إيران إذا ما تم فرض عقوبات جديدة عليها. ويعد هذا مثالا على الكيفية التي ستستفيد بها الجمهورية الإسلامية من الصفقة النووية وإمكانية أن تهدد بالانسحاب منها إذا ما قررت الولايات المتحدة أن تتخذ إجراء عقابيا ضد برنامجها للصواريخ الباليستية.
وفرضت الولايات المتحدة في يناير، ومارس عقوبات محدودة على عدة كيانات وأفراد شاركوا في برنامج الصواريخ الباليستية. ولكن هذه العقوبات المحدودة لن تؤثر في الواقع على البرنامج الصاروخي للحرس الجمهوري؛ وذلك حيث إن الحرس الثوري أسس إمبراطورية اقتصادية تخترق كافة قطاعات الاقتصاد الإيراني وتهيمن على كبرى الحصص في الصناعات التي تدعم برنامج الصواريخ الباليستية مثل التعدين والمواد الكيماوية والطاقة.
ونظرا للإحباط الذي شعر به المشرعون الأميركيون تجاه ما يرون أنه سلبية البيت الأبيض، فإنهم طرحوا إجراءات لفرض عقوبات على القطاعات الاقتصادية الإيرانية التي تدعم البرنامج الصاروخي. ولكن وزير الثقافة الإيراني أخبر وسائل الإعلام مؤخرا أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف بألا يقلق تجاه إجراءات الكونغرس.
*زميل ومحلل أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية بواشنطن
ينشر بالتزامن مع الشقيقة مجلة (المجلة) .. أضغط على الرابط التالي



غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

TT

غزة... تاريخ من المواجهات والحروب قبل السابع من أكتوبر

مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)
مخيم نازحين في دير البلح عند شاطئ غزة (أرشيفية - أ.ب)

في المنطقة الجنوبية من الساحل الفلسطيني على البحر المتوسط، على مساحة لا تزيد على 360 كيلومتراً مربعاً، بطول 41 كم، وعرض يتراوح بين 5 و15 كم، يعيش في قطاع غزة نحو مليوني نسمة، ما يجعل القطاع البقعة الأكثر كثافة سكانية في العالم.

تبلغ نسبة الكثافة وفقاً لأرقام حديثة أكثر من 27 ألف ساكن في الكيلومتر المربع الواحد، أما في المخيمات فترتفع الكثافة السكانية إلى حدود 56 ألف ساكن تقريباً بالكيلومتر المربع.

تأتي تسمية القطاع «قطاع غزة» نسبة لأكبر مدنه، غزة، التي تعود مشكلة إسرائيل معها إلى ما قبل احتلالها في عام 1967، عندما كانت تحت الحكم المصري.

فقد تردد ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، في احتلال القطاع بعد حرب 1948، قبل أن يعود بعد 7 سنوات، في أثناء حملة سيناء، لاحتلاله لكن بشكل لم يدُم طويلاً، ثم عاد واحتله وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان عام 1967.

خيام النازحين الفلسطينيين على شاطئ دير البلح وسط قطاع غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

في عام 1987، أطلق قطاع غزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى، وغدا مصدر إزعاج كبيراً لإسرائيل لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، تمنى لو يصحو يوماً ويجد غزة وقد غرقت في البحر.

لكن غزة لم تغرق كما يشتهي رابين، ورمتها إسرائيل في حضن السلطة الفلسطينية عام 1994 على أمل أن تتحول هذه السلطة إلى شرطي حدود. لكن هذا كان أيضاً بمثابة وهم جديد؛ إذ اضطرت إسرائيل إلى شن أولى عملياتها العسكرية ضد غزة بعد تسليمها السلطة بنحو 8 سنوات، وتحديداً في نهاية أبريل (نيسان) 2001.

وفي مايو (أيار) 2004، شنت إسرائيل عملية «قوس قزح»، وفي سبتمبر (أيلول) 2004، عادت ونفذت عملية «أيام الندم». ثم في 2005، انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ضمن خطة عرفت آنذاك بـ«خطة فك الارتباط الأحادي الجانب».

بعد الانسحاب شنت إسرائيل حربين سريعين، الأولى في 25 سبتمبر (أيلول) 2005 باسم «أول الغيث»، وهي أول عملية بعد خطة فك الارتباط بأسبوعين، وبعد عام واحد، في يونيو (حزيران) 2006، شنت إسرائيل عملية باسم «سيف جلعاد» في محاولة فاشلة لاستعادة الجندي الإسرائيلي الذي خطفته «حماس» آنذاك جلعاد شاليط، بينما ما زالت السلطة تحكم قطاع غزة.

عام واحد بعد ذلك سيطرت حماس على القطاع ثم توالت حروب أكبر وأوسع وأضخم تطورت معها قدرة الحركة وقدرات الفصائل الأخرى، مثل «الجهاد الإسلامي» التي اضطرت في السنوات الأخيرة لخوض حروب منفردة.

ظلت إسرائيل تقول إن «طنجرة الضغط» في غزة تمثل تهديداً يجب التعامل معه حتى تعاملت معها «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بانفجار لم تتوقعه أو تستوعبه إسرائيل وجر حرباً دموية على غزة، وأخرى على لبنان، وسلسلة مواجهات باردة في جبهات أخرى في حرب تبدو نصف إقليمية، وما أسهل أن تتحول إلى نصف عالمية.

أبرز الحروب

«الرصاص المصبوب» حسب التسمية الإسرائيلية أو «الفرقان» فلسطينياً:

بدأت في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2008، وشنت خلالها إسرائيل إحدى أكبر عملياتها العسكرية على غزة وأكثرها دموية منذ الانسحاب من القطاع في 2005. واستهلتها بضربة جوية تسببت في مقتل 89 شرطياً تابعين لحركة «حماس»، إضافة إلى نحو 80 آخرين من المدنيين، ثم اقتحمت إسرائيل شمال وجنوب القطاع.

خلفت العمليات الدامية التي استمرت 21 يوماً، نحو 1400 قتيل فلسطيني و5500 جريح، ودمر أكثر من 4000 منزل في غزة، فيما تكبدت إسرائيل أكثر من 14 قتيلاً وإصابة 168 بين جنودها، يضاف إليهم ثلاثة مستوطنين ونحو ألف جريح.

وفي هذه الحرب اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إسرائيل باستخدام الفسفور الأبيض بشكل ممنهج في قصف مناطق مأهولة بالسكان خلال الحرب.

«عمود السحاب» إسرائيلياً أو «حجارة السجيل» فلسطينياً:

أطلقت إسرائيل العملية في 14 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 باغتيال رئيس أركان «حماس»، أحمد الجعبري. واكتفت إسرائيل بالهجمات الجوية ونفذت مئات الطلعات على غزة، وأدت العمليات إلى مقتل 174 فلسطينياً وجرح 1400.

شنت «حماس» أعنف هجوم على إسرائيل آنذاك، واستخدمت للمرة الأولى صواريخ طويلة المدى وصلت إلى تل أبيب والقدس وكانت صادمة للإسرائيليين. وأطلق خلال العملية تجاه إسرائيل أكثر من 1500 صاروخ، سقط من بينها على المدن 58 صاروخاً وجرى اعتراض 431. والبقية سقطت في مساحات مفتوحة. وقتل خلال العملية 5 إسرائيليين (أربعة مدنيين وجندي واحد) بالصواريخ الفلسطينية، بينما أصيب نحو 500 آخرين.

مقاتلون من «كتائب القسام» التابعة لـ«حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - «كتائب القسام» عبر «تلغرام»)

«الجرف الصامد» إسرائيلياً أو «العصف المأكول» فلسطينياً:

بدأتها إسرائيل يوم الثلاثاء في 8 يوليو (تموز) 2014، ظلت 51 يوماً، وخلفت أكثر من 1500 قتيل فلسطيني ودماراً كبيراً.

اندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل مسؤولين من حركة «حماس» اتهمتهم أنهم وراء اختطاف وقتل 3 مستوطنين في الضفة الغربية المحتلة.

شنت إسرائيل خلال الحرب أكثر من 60 ألف غارة على القطاع ودمرت 33 نفقاً تابعاً لـ«حماس» التي أطلقت في هذه المواجهة أكثر من 8000 صاروخ وصل بعضها للمرة الأولى في تاريخ المواجهات إلى تل أبيب والقدس وحيفا وتسببت بشل الحركة هناك، بما فيها إغلاق مطار بن غوريون.

قتل في الحرب 68 جندياً إسرائيلياً، و4 مدنيين، وأصيب 2500 بجروح.

قبل نهاية الحرب أعلنت «كتائب القسام» أسرها الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، خلال تصديها لتوغل بري لجيش الاحتلال في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وما زال في الأسر.

«صيحة الفجر»:

عملية بدأتها إسرائيل صباح يوم 12 نوفمبر عام 2019، باغتيال قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، بهاء أبو العطا، في شقته السكنية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وردت «حركة الجهاد الإسلامي» بهجوم صاروخي استمر بضعة أيام، أطلقت خلالها مئات الصواريخ على مواقع وبلدات إسرائيلية.

كانت أول حرب لا تشارك فيها «حماس» وتنجح إسرائيل في إبقائها بعيدة.

طفل فلسطيني يسير أمام أنقاض المباني في مدينة غزة (أ.ف.ب)

«حارس الأسوار» أو «سيف القدس»:

بدأت شرارتها من القدس بعد مواجهات في حي الشيخ جراح، واقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى ثم تنظيم مسيرة «الأعلام» نحو البلدة القديمة، وهي المسيرة التي حذرت «حماس» من أنها إذا تقدمت فإنها ستقصف القدس، وهو ما تم فعلاً في يوم العاشر من مايو (أيار) عام 2021.

شنت إسرائيل هجمات مكثفة على غزة وقتلت في 11 يوماً نحو 250 فلسطينياً، وأطلقت الفصائل أكثر من 4 آلاف صاروخ على بلدات ومدن في إسرائيل، ووصلت الصواريخ إلى تخوم مطار رامون، وقتل في الهجمات 12 إسرائيلياً.

 

«الفجر الصادق» أو «وحدة الساحات»:

كررت إسرائيل هجوماً منفرداً على «الجهاد» في الخامس من أغسطس (آب) 2022 واغتالت قائد المنطقة الشمالية لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي) في غزة، تيسير الجعبري، بعد استنفار أعلنته «الجهاد» رداً على اعتقال مسؤول كبير في الحركة في جنين في الضفة الغربية، وهو بسام السعدي.

ردت «حركة الجهاد الإسلامي» بمئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقالت في بيان إنها عملية مشتركة مع كتائب المقاومة الوطنية وكتائب المجاهدين وكتائب شهداء الأقصى (الجناح العسكري لحركة فتح)، في انتقاد مبطن لعدم مشاركة «حماس» في القتال. توقفت العملية بعد أيام قليلة إثر تدخل وسطاء. وقتل في الهجمات الإسرائيلية 24 فلسطينياً بينهم 6 أطفال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام خريطة لغزة خلال مؤتمره الصحافي في القدس ليلة الاثنين (إ.ب.أ)

«السهم الواقي» أو «ثأر الأحرار»:

حرب مفاجئة بدأتها إسرائيل في التاسع من مايو 2023، باغتيال 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة)، أمين سر المجلس العسكري لسرايا القدس، جهاد غنام (62 عاماً)، وقائد المنطقة الشمالية في السرايا خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً).

وحرب عام 2023 هي ثالث هجوم تشنه إسرائيل على «الجهاد الإسلامي» منفرداً، الذي رد هذه المرة بتنسيق كامل مع «حماس» عبر الغرفة المشتركة وقصف تل أبيب ومناطق أخرى كثيرة بوابل من الصواريخ تجاوز الـ500 صاروخ على الأقل.

... ثم الحرب الحالية في السابع من أكتوبر 2023.