قصر «لا كول نوار».. حلم مجهض يستنشق الأزهار والورود من جديد

الدار استغرقت 3 سنوات لترميمه.. و«كريستيان ديور» تكشف من خلاله جانبًا مهمًا من حياة مؤسسها

منظر بانورامي للمنزل الذي خطف أنفاس كريستيان ديور أول ما رآه.. لكنه خضع الآن لعدة ترميمات تجعل منه تحفة فنية تستحق الزيارة
منظر بانورامي للمنزل الذي خطف أنفاس كريستيان ديور أول ما رآه.. لكنه خضع الآن لعدة ترميمات تجعل منه تحفة فنية تستحق الزيارة
TT

قصر «لا كول نوار».. حلم مجهض يستنشق الأزهار والورود من جديد

منظر بانورامي للمنزل الذي خطف أنفاس كريستيان ديور أول ما رآه.. لكنه خضع الآن لعدة ترميمات تجعل منه تحفة فنية تستحق الزيارة
منظر بانورامي للمنزل الذي خطف أنفاس كريستيان ديور أول ما رآه.. لكنه خضع الآن لعدة ترميمات تجعل منه تحفة فنية تستحق الزيارة

في 12 فبراير (شباط) 1947، أصبح كريستيان ديور، أشهر مصمم أزياء في العالم.. فبين ليلة وضحاها حقق ما لم يحققه غيره، حيث أعاد باريس إلى الخريطة عاصمةً للموضة العالمية دون منازع، وأعاد للمرأة الأنوثة التي افتقدتها طوال سنوات الحرب، وما تطلبته من تقشف واستعمال أقمشة خشنة وتصاميم عملية. في المقابل، قدم لها تصاميم رومانسية طبعها بالورود المتفتحة، فيما أصبح يطبع أسلوبه ويدخل في جينات الدار التي أسسها.
ما يعرف عنه، تفاؤله إلى حد الهوس بالورود والأزهار، التي كانت تلهمه وتغذي خياله، وفي الوقت ذاته تذكره بطفولته في بيت العائلة «لي رامب»، وتلك الساعات السعيدة التي كان يقضيها مع والدته يزرع الورود أو يقطفها. هذه الذكريات كانت وراء عدد من الإبداعات في مجال الموضة والعطور، التي لا تزال تلقى شعبية كبيرة حتى الآن، وليس أدل على هذا من عطره «ميس ديور» و«ديوريسيمو».
في عام 1957، توفي السيد كريستيان ديور فجأة، وبعملية حسابية بسيطة، كان من الممكن أن يختفي اسمه تماما ولا يتذكره سوى قلة من الناس؛ إذ إن سنوات عطائه لم تتعد عشر سنوات، حيث قدم أول تشكيلة له في عام 1947. لكن العكس حصل، فهو من أهم المؤسسات الثقافية الفرنسية، وفي كل مرة نكتشف وجها جديدا له، وتنسج الدار قصة مثيرة من خيط بسيط تلتقطه عن حياته. هذه المرة كان الخيط هو بيت «لو شاتو لا كول نوار» LE CHATEAU LA COLLE NOIRE، المطل على سهل Montauroux. منزل بني في عام 1858، على بعد 40 كيلومترا من مدينة «كان» بجنوب فرنسا، و18 كيلومترا من عاصمة العطور الفرنسية غراس. وقع في حبه من النظرة الأولى رغم أنه كان مهملا، وبعد أن اشتراه حاول ترميمه وتجديده ليكون البيت الذي يقضي فيه بقية أيامه، حسب ما كتبه في سيرته: «أفكر فيه كبيتي الحقيقي، البيت الذي سأنسى فيه يوما ما كريستيان ديور المصمم، وأصبح مجرد إنسان مغمور وعادي مرة أخرى». لكن الموت باغته ولم يعطه فرصة لتحقيق هذا الحلم. المهمة التي أخذتها دار العطور المتخصصة على عاتقها أن تحيي هذا الحلم، فالكل فيه يعرف أن المصمم كان خجولا، لا يميل إلى الأضواء ولا يبحث عنها، بل كان حساسا إلى درجة أنه كان يعاني من حالات قلق وتوتر وأرق، قبل أي عرض أزياء. يعرفون أيضا أن أسعد أوقاته كانت تلك التي يهرب فيها إلى جنوب فرنسا، بعيدا عن أفينو مونتين مقر الدار الرئيسي، لينام بين أحضان الطبيعة. كان دائما يتوق لبيت في الريف يلخص فلسفته وحياته، ويستعيد فيه ذكريات الطفولة، قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب بسبب الحرب وويلاتها. في عام 1951 عثر على بغيته متجسدة في «لو شاتو لا كول نوار» LE CHATEAU LA COLLE NOIRE، وهذا العام تفخر «دار كريستيان ديور للعطور المتخصصة» بافتتاحه. فقد اشترته عام 2013، واستغرق ترميمه ثلاث سنوات، لهذا فإن 2016، بالنسبة للدار، عام تاريخي.
وتؤكد الصور أن المنزل ليس مجرد معلم تاريخي، كان مؤسسه السيد كريستيان ديور يحلم أن يقضي فيه سنواته الأخيرة، بقدر ما هو لوحة فنية تدغدغ كل الحواس بمناظره وطبيعته الخلابة وهدوئه، وطبعا روائحه الزكية، وهو ما تعقد عليه دار العطور المتخصصة كثيرا من الآمال لبناء إمبراطورية في عقر عاصمة العطور.
أهميته العاطفية والعملية، تكمن في أنه لا يبعد عن بيت العائلة «لي رامب» بغرانفيل، حيث عاش طفولة سعيدة، يزرع فيها الورود ويستنشق فيها الأزهار والأخشاب العطرية مع والدته، مما حفزه عندما اشترى هذا المنزل، على أن يعيد كتابة كثير من العناصر القديمة فيه، حيث أشرف بنفسه على زرع آلاف الأشجار والأزهار العطرية، فيما أسند مهمة الديكور الداخلي للمهندس المعماري آندريه سفتشين. أول ما قام به المهندس أنه تخلص من الغرف الصغيرة وحولها إلى صالونات مفتوحة وأجنحة شاسعة تتيح دخول الضوء الطبيعي، وتجعل الداخل امتدادا للخارج. كان السيد ديور يذكره دائما بأنه يصمم له البيت الذي سيقضى فيه سنوات طويلة وسعيدة من حياته، قبل أن يباغته الموت ويجهض حلمه.
ولا تزال الكلمات التي كتبها في سيرته الذاتية عام 1956 يتردد صداها، مؤكدة على هذه الأهمية: «أكتب السطور الأخيرة هذه وأنا في مدينة مونتورو، حيث ساقني القدر إلى هذا المكان الهادئ في ريف الجنوب ليشهد آخر أعمالي. الليل ينحسر حاملا معه سلاما لا نهاية له». النهاية التي كان يقصدها هنا كانت وضع النقطة الأخيرة في سيرته الذاتية، ولم يكن يقصد بها خذلان قلبه له، وأنه قد يفسر بالنهاية.
شغفه بالمكان ظهر أيضا في كتاب نشرته ماري فرنس بوشنا، في عام 1993، بعنوان «كريستيان ديور.. الرجل الذي جعل العالم يبدو بلون جديد»؛ حيث كتبت أنه قال: «أريد أن يكون هذا المنزل بمثابة بيت عائلي، تشعر فيه بأن أجيالا عديدة توالت عليه وتوارثته. لا أريد أي شيء يبدو فيه جديدا، ويجب أن تكتسي كل جزئية فيه بمظهر معتق يعطي الانطباع بأن له تاريخا، وبأنه غني بذكرياته ومثقل بتجارب الزمن».
في عام 1968 بيع المكان وتعرض للإهمال، ثم بيع مرة أخرى في عام 1976 لمالك استخدمه لاستضافة السائحين وإقامة الحفلات الفخمة، خصوصا أن اسمه - أو بالأحرى اسم صاحبه السابق - كريستيان ديور، كان يثير كثيرا من الاهتمام ويزيد من الإقبال عليه. جماله شجع أيضا مجموعة Oasis في عام 1999 على تسجيل ألبومها الرابع «Standing on the Shoulder of Giants» فيه.
وبما أن بيوت الأزياء الكبيرة تتبع حاليا تقليدا مهما، يتمثل في العودة إلى جذورها ومحاولتها البناء على هذه الجذور، في زمن أصبح فيه الذواقة يريدون منتجات وأسماء لها أصل وتاريخ، كانت المسألة مسألة وقت لتستعيده الدار وتعيد له مجده القديم. وفي الوقت ذاته، تحقق حلم كريستيان ديور في أن يحمل اسمه ويتحول إلى معلم في عاصمة العطور غراس، التي تبعد عنه بنحو 18 كيلومترا فقط.
وكانت «دار كريستيان ديور للعطور المتخصصة» قد اشترته في عام 2013 بصفته جزءا من تراثها، وافتتحته هذا العام. ويقول المسؤولون إن العملية كانت طبيعية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن السيد ديور استلهم عطره الشهير «ديوريسيمو» في المنطقة، وهو عطر تغلب عليه رائحة زنبقة الوادي وأزهار عطرية أخرى ولا يزال يحقق للدار كثيرا من النجاح. العامل الآخر الذي شجعها على استعادته، قربه الجغرافي من مدينة غراس، مسقط رأس عطارها فرنسوا ديماشيه، الذي سيبدأ من الآن فصاعدا ابتكار وصنع عطور «ديور» هنا، على أن يكون باكورتها عطر ستطلقه الدار في الأسواق في شهر مايو (أيار) المقبل، يحمل اسم «كول نوار» Colle Noire على اسم المنزل.
وهكذا عادت الحياة مرة أخرى للمكان، فيما أنيطت مسؤولية تصميم الديكور إلى المهندس إيف دي مارسي Yves de Marseille، الذي قام بعملية ترميم شملت الأرضيات وغرف الضيوف والاستقبال، فضلا عن بهو المدخل ومكتب السيد ديور، الذي كتب فيه سيرته الذاتية، ورسم فيه تصوره للأنوثة والرومانسية.
وحتى لا ينسى الناس علاقة المصمم بفنانين من عصره، ومدى دعمه لهم، أنشأ المهندس أجنحة تحمل أسماء فنانين، مثل: شاغال، وبيكاسو، ودالي.. وغيرهم.
ولم يقتصر التجديد على الداخل، بل امتد أيضا إلى الحديقة المترامية على مساحة 50 هكتارا تقريبا. أشرف على تصميم هذا الفضاء وتشذيبه، مهندس تنسيق المواقع المتخصص في هندسة المناظر الطبيعية، فيليب ديليو. في لقاء خاص، قال إنه حرص على أن يكون الخارج امتدادا للداخل، لهذا وضع أحواض زينة مستلهمة من طراز القرن الثامن عشر، وأحاطها بصناديق الأشجار، كما زرع شجيرات الورد وأزهار السوسن والبنفسج والياسمين، وما شابه من أمور يعرف أن كريستيان ديور كان يهتم ويحلم بها. أما بالنسبة للأشجار الوارفة، من أشجار الزيتون إلى شجر السرو، الذي يبلغ طوله الآن أكثر من 15 مترا، فقال: «كانت موجودة أساسا، وكل ما قمت به أني حاولت إعادة تنسيق المنظر الطبيعي للحديقة، بتقليمها حتى يتكشف جمالها أكثر، وزراعة عشرات الآلاف من شجيرات زهرة «مايو»، وأشجار العنب، وأشجار اللوز، والمزيد من أشجار الزيتون».

* مدينة غراس وعطور «ديور».. بالأرقام

- لإنتاج كيلوغرام واحد من أزهار الياسمين، يحتاج العطار إلى ما بين 8 آلاف و10 آلاف زهرة.
- لإنتاج لتر واحد من الزيت العطري الخام، يحتاج إلى 700 كيلوغرام من أزهار الياسمين.
- كمية الأزهار التي يقطفها عامل واحد في اليوم، تقدر بما بين 10 كيلوغرامات و20 كيلوغراما.
- طريقة القطف مهمة جدا؛ إذ يجب التأكد من قطف الزهرة من أسفل الكأس.
- تبلغ مساحة المعمل الذي أنشأته مؤسسة «إلفي آم آش» لدار «ديور» في مدينة غراس، 320م2.
- تحتوي عطور «ديور» على 50 - 100 زيت عطري خام.
- 30 عاما، هو متوسط العمر المتوقع لزهرة الياسمين.
- 15 عاما، هو متوسط العمر المتوقع لشجيرة الورد.
- 30 ألفا، هو عدد الأزهار المطلوبة لإنتاج كيلوغرام من الزيت العطري الخام.
- هناك مشروع تنوي خلاله «دار كريستيان ديور للعطور» زراعة 20 ألف شجيرة من زهرة «مايو»، رغم أنها زهرة ضعيفة للغاية، وإذا لم يتم قطفها في اليوم الذي تزهر فيه، تصبح غير صالحة للاستخدام.
- تخضع عملية زراعة الأزهار لمعايير صارمة، بداية من الدورة المحصولية للأزهار، وتبوير الأرض لمدة عامين، وحتى قطف المحصول يدويا.
> تشتهر مدينة غراس بأزهار مثل زهرة «مايو»، والياسمين، والميموزا، ومسك الروم، والنارنج. والفضل يعود إلى أن أرضها تنعم لأكثر من 300 عام بالماء والشمس، وتربة جيرية طينية. لهذا، وعلى الرغم من التطور الذي شهدته صناعة دباغة الجلود في المدينة خلال القرن الرابع عشر، فإن الروائح التي كانت تنبعث من هذه الأزهار والأعشاب شجعت على زراعة النباتات العطرية في القرن السابع عشر، الأمر الذي تحول إلى تقليد وثقافة يعتز بها السكان، ويتوارثون أسرارها أبًا عن جد.



الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
TT

الأقمشة تبرز لاعباً أساسياً في أزياء المساء والسهرة هذا الموسم

الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)
الممثلة الأميركية أوبري بلازا في جاكيت توكسيدو وقبعة من المخمل تتدلى منها ستارة من التول (دولتشي أند غابانا)

في عالم الموضة هناك حقائق ثابتة، واحدة منها أن حلول عام جديد يتطلب أزياء تعكس الأمنيات والآمال وتحتضن الجديد، وهذا يعني التخلص من أي شيء قديم لم يعد له مكان في حياتك أو في خزانتك، واستبدال كل ما يعكس الرغبة في التغيير به، وترقب ما هو آتٍ بإيجابية وتفاؤل.

جولة سريعة في أسواق الموضة والمحال الكبيرة تؤكد أن المسألة ليست تجارية فحسب. هي أيضاً متنفس لامرأة تأمل أن تطوي صفحة عام لم يكن على هواها.

اقترح المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 قطعاً متنوعة كان فيها التول أساسياً (رامي علي)

بالنسبة للبعض الآخر، فإن هذه المناسبة فرصتهن للتخفف من بعض القيود وتبني أسلوب مختلف عما تعودن عليه. المتحفظة التي تخاف من لفت الانتباه –مثلاً- يمكن أن تُدخِل بعض الترتر وأحجار الكريستال أو الألوان المتوهجة على أزيائها أو إكسسواراتها، بينما تستكشف الجريئة جانبها الهادئ، حتى تخلق توازناً يشمل مظهرها الخارجي وحياتها في الوقت ذاته.

كل شيء جائز ومقبول. المهم بالنسبة لخبراء الموضة أن تختار قطعاً تتعدى المناسبة نفسها. ففي وقت يعاني فيه كثير من الناس من وطأة الغلاء المعيشي، فإن الأزياء التي تميل إلى الجرأة والحداثة اللافتة لا تدوم لأكثر من موسم. إن لم تُصب بالملل، يصعب تكرارها إلا إذا كانت صاحبتها تتقن فنون التنسيق. من هذا المنظور، يُفضَّل الاستثمار في تصاميم عصرية من دون مبالغات، حتى يبقى ثمنها فيها.

مع أن المخمل لا يحتاج إلى إضافات فإن إيلي صعب تفنن في تطريزه لخريف وشتاء 2024 (إيلي صعب)

المصممون وبيوت الأزياء يبدأون بمغازلتها بكل البهارات المغرية، منذ بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) تقريباً، تمهيداً لشهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). فهم يعرفون أن قابليتها للتسوق تزيد في هذا التوقيت. ما يشفع لهم في سخائهم المبالغ فيه أحياناً، من ناحية الإغراق في كل ما يبرُق، أن اقتراحاتهم متنوعة وكثيرة، تتباين بين الفساتين المنسدلة أو الهندسية وبين القطع المنفصلة التي يمكن تنسيقها حسب الذوق الخاص، بما فيها التايورات المفصلة بسترات مستوحاة من التوكسيدو أو كنزات صوفية مطرزة.

بالنسبة للألوان، فإن الأسود يبقى سيد الألوان مهما تغيرت المواسم والفصول، يليه الأحمر العنابي، أحد أهم الألوان هذا الموسم، إضافة إلى ألوان المعادن، مثل الذهبي أو الفضي.

المخمل كان قوياً في عرض إيلي صعب لخريف وشتاء 2024... قدمه في فساتين وكابات للرجل والمرأة (إيلي صعب)

ضمن هذه الخلطة المثيرة من الألوان والتصاميم، تبرز الأقمشة عنصراً أساسياً. فكما الفصول والمناسبات تتغير، كذلك الأقمشة التي تتباين بين الصوف والجلد اللذين دخلا مناسبات السهرة والمساء، بعد أن خضعا لتقنيات متطورة جعلتهما بملمس الحرير وخفته، وبين أقمشة أخرى أكثر التصاقاً بالأفراح والاحتفالات المسائية تاريخياً، مثل التول والموسلين والحرير والمخمل والبروكار. التول والمخمل تحديداً يُسجِّلان في المواسم الأخيرة حضوراً لافتاً، سواء استُعمل كل واحد منهما وحده، أو مُزجا بعضهما ببعض. الفكرة هنا هي اللعب على السميك والشفاف، وإن أتقن المصممون فنون التمويه على شفافية التول، باستعماله في كشاكش كثيرة، أو كأرضية يطرزون عليها وروداً وفراشات.

التول:

التول كما ظهر في تشكيلة المصمم رامي علي لربيع وصيف 2025 (رامي علي)

لا يختلف اثنان على أنه من الأقمشة التي تصرخ بالأنوثة، والأكثر ارتباطاً بالأفراح والليالي الملاح. ظل طويلاً لصيقاً بفساتين الزفاف والطرحات وبأزياء راقصات الباليه، إلا أنه الآن يرتبط بكل ما هو رومانسي وأثيري.

شهد هذا القماش قوته في عروض الأزياء في عام 2018، على يد مصممين من أمثال: إيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، وسيمون روشا، وهلم جرا، من أسماء بيوت الأزياء الكبيرة. لكن قبل هذا التاريخ، اكتسب التول شعبية لا يستهان بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، لعدد من الأسباب مهَّدت اختراقه عالم الموضة المعاصرة، على رأسها ظهور النجمة الراحلة غرايس كيلي بفستان بتنورة مستديرة من التول، في فيلم «النافذة الخلفية» الصادر في عام 1954، شد الانتباه ونال الإعجاب. طبقاته المتعددة موَّهت على شفافيته وأخفت الكثير، وفي الوقت ذاته سلَّطت الضوء على نعومته وأنوثته.

التول حاضر دائماً في تشكيلات المصمم إيلي صعب خصوصاً في خط الـ«هوت كوتور» (إيلي صعب)

منذ ذلك الحين تفتحت عيون صناع الموضة عليه أكثر، لتزيد بعد صدور السلسلة التلفزيونية الناجحة «سيكس أند ذي سيتي» بعد ظهور «كاري برادشو»، الشخصية التي أدتها الممثلة سارة جيسيكا باركر، بتنورة بكشاكش وهي تتجول بها في شوارع نيويورك في عز النهار. كان هذا هو أول خروج مهم لها من المناسبات المسائية المهمة. كانت إطلالة مثيرة وأيقونية شجعت المصممين على إدخاله في تصاميمهم بجرأة أكبر. حتى المصمم جيامباتيستا فالي الذي يمكن وصفه بملك التول، أدخله في أزياء النهار في تشكيلته من خط الـ«هوت كوتور» لعام 2015.

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» استعملت فيها ماريا غراتزيا تشيوري التول كأرضية طرزتها بالورود (ديور)

ما حققه من نجاح جعل بقية المصممين يحذون حذوه، بمن فيهم ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» التي ما إن دخلت الدار بوصفها أول مصممة من الجنس اللطيف في عام 2016، حتى بدأت تنثره يميناً وشمالاً. تارة في فساتين طويلة، وتارة في تنورات شفافة. استعملته بسخاء وهي ترفع شعار النسوية وليس الأنوثة. كان هدفها استقطاب جيل الشابات. منحتهن اقتراحات مبتكرة عن كيفية تنسيقه مع قطع «سبور» ونجحت فعلاً في استقطابهن.

المخمل

إطلالة من خط الـ«كروز» لدار «ديور» اجتمع فيها المخمل والتول معاً (ديور)

كما خرج التول من عباءة الأعراس والمناسبات الكبيرة، كذلك المخمل خرج عن طوع الطبقات المخملية إلى شوارع الموضة وزبائن من كل الفئات.

منذ فترة وهو يغازل الموضة العصرية. في العام الماضي، اقترحه كثير من المصممين في قطع خطفت الأضواء من أقمشة أخرى. بملمسه الناعم وانسداله وألوانه الغنية، أصبح خير رفيق للمرأة في الأوقات التي تحتاج فيها إلى الدفء والأناقة. فهو حتى الآن أفضل ما يناسب الأمسيات الشتوية في أوروبا وأميركا، وحالياً يناسب حتى منطقة الشرق الأوسط، لما اكتسبه من مرونة وخفة. أما من الناحية الجمالية، فهو يخلق تماوجاً وانعكاسات ضوئية رائعة مع كل حركة أو خطوة.

تشرح الدكتورة كيمبرلي كريسمان كامبل، وهي مؤرخة موضة، أنه «كان واحداً من أغلى الأنسجة تاريخياً، إلى حد أن قوانين صارمة نُصَّت لمنع الطبقات الوسطى والمتدنية من استعماله في القرون الوسطى». ظل لقرون حكراً على الطبقات المخملية والأثرياء، ولم يُتخفف من هذه القوانين إلا بعد الثورة الصناعية. ورغم ذلك بقي محافظاً على إيحاءاته النخبوية حتى السبعينات من القرن الماضي. كانت هذه هي الحقبة التي شهدت انتشاره بين الهيبيز والمغنين، ومنهم تسلل إلى ثقافة الشارع.

يأتي المخمل بألوان غنية تعكس الضوء وهذه واحدة من ميزاته الكثيرة (إيلي صعب)

أما نهضته الذهبية الأخيرة فيعيدها الخبراء إلى جائحة «كورونا»، وما ولَّدته من رغبة في كل ما يمنح الراحة. في عام 2020 تفوَّق بمرونته وما يمنحه من إحساس بالفخامة والأناقة على بقية الأنسجة، وكان الأكثر استعمالاً في الأزياء المنزلية التي يمكن استعمالها أيضاً في المشاوير العادية. الآن هو بخفة الريش، وأكثر نعومة وانسدالاً بفضل التقنيات الحديثة، وهو ما جعل كثيراً من المصممين يسهبون فيه في تشكيلاتهم لخريف وشتاء 2024، مثل إيلي صعب الذي طوعه في فساتين و«كابات» فخمة طرَّز بعضها لمزيد من الفخامة.

من اقتراحات «سكاباريللي» (سكاباريللي)

أما «بالمان» وبرابال غورانغ و«موغلر» و«سكاباريللي» وغيرهم كُثر، فبرهنوا على أن تنسيق جاكيت من المخمل مع بنطلون جينز وقميص من الحرير، يضخه بحداثة وديناميكية لا مثيل لها، وبان جاكيت، أو سترة مستوحاة من التوكسيدو، مع بنطلون كلاسيكي بسيط، يمكن أن ترتقي بالإطلالة تماماً وتنقلها إلى أي مناسبة مهمة. الشرط الوحيد أن يكون بنوعية جيدة حتى لا يسقط في خانة الابتذال.