«الثقافة الشعبية».. أنغام الزمن الجميل

«الثقافة الشعبية».. أنغام الزمن الجميل
TT

«الثقافة الشعبية».. أنغام الزمن الجميل

«الثقافة الشعبية».. أنغام الزمن الجميل

نعيش في القرن الـ21. ولكننا نحنُّ إلى الزمن الماضي، نسميه أحيانًا بـ«الزمن الجميل»..!، ونسكن في المدينة لكننا نتحّسر على الأيام الخوالي التي كنا نعيشها في «القرية»، نسكن هذا الزمان، وعقولنا مشدودة للماضي. رغم أن الماضي لم يكن أفضل أبدا من زماننا.
تراث ذاك الزمان وعمرانه وعلاقات أفراده تمثل جانبا من ذاكرة طرية رومانسية لم تسعفنا القفزات السريعة نحو المدنية أن نشبع منها، لذلك نحنُّ إليها، لكن لن يستبدل أحدٌ بيته الوثير ببيت من الطين، ولن يركب الدواب بدلاً عن السيارات، هذه لوحات جميلة نحبّ أن نتذكرها ونعلقها على جدران بيوتنا، لا أن نعيش فيها.
لكن ماذا بشأن الثقافة؟، نحن فعلاً نفتقد صورتنا القديمة، لأن الشكل الجديد ما زال غير قادر على كسب الرضا. نحنُّ لأنماط السلوك القديمة، التي كانت سائدة في القرية، قبل أن تدخل عناصر التوجيه الخارجي، حين كان الناس أكثر بساطة وتواضعًا وقبولاً لبعضهم.
قبل أيام، نبّهني الناقد والأكاديمي السعودي الدكتور معجب الزهراني، إلى مفهوم «الثقافة الشعبية»، قال إن ثقافاتنا الشعبية التي كانت سائدة في مناطقنا الريفية كما في جنوب السعودية «كانت أقرب للرؤية الإنسانية السوية»، حيث كانت العلاقات الإنسانية خالية من التصنيف، التي طرأت بعد موجة التشدد.
يدعو الدكتور معجب الزهراني إلى العودة إلى «الثقافة الشعبية» التي كانت سائدة في فترات ما قبل النفط، حيث كانت الخلافات المجتمعية تُحل بوسائل متعارف عليها، بعيدا عن دخول المقدس أو المعتقد في تلك الخلافات التي لا تصمد أمام عوامل الوحدة كاللغة والدين.
الثقافة الشعبية أو «ثقافة الشعب» هي مجموع الخصائص والصفات التي تشكل ثقافة المجتمع في منطقة جغرافية محددة، وتحدد أنماط السلوك والقيم التي يتمسك بها الناس ويتوارثونها، وهي ثقافة ترتكز على «التقاليد الشعبية».
ولد الدكتور معجب الزهراني وتربى في قرية ريفية في الباحة، جنوبي السعودية، ومنها انتقل إلى الرياض، ثم إلى باريس حيث عمل أستاذا زائرًا في جامعة «السوربون» عام 2008، وفيها كتب روايته اليتيمة «رقص»، ورغم هذه القفزات الهائلة، ما زال مشدودًا لسمات القرية الجنوبية.
لكن ما هو الأثر الذي تركته «الثقافة الشعبية» على المجتمعات؟ يجيبني الدكتور معجب بالقول: القصد -بإيجاز- أن مجتمعاتنا الريفية الشعبية، حيث نشأنا، لم تكن تعطي للفقيه سلطة على الآخرين. فهو فلاح كغيره يؤم الناس في الصلاة، وإن دُعي لكتابة عقد نكاحٍ أو صلحٍ أجاب، ونادرًا ما ينال على ذلك أجرًا. ولم نكن نسمع أو نرى من يجبر الناس على الصلاة في المسجد أو يتدخل كثيرًا في ملابس النساء أو في عملهن مع الرجال من الصباح حتى المساء، كذلك لا أحد كان يتدخل البتة في مذاهب الناس الذين يأتون من اليمن أو غيرها، ويعبرون القرى للحج أو للتجارة، وبعضهم يقيم فترات للعمل؛ وقد يكون زيديا أو إسماعيليا».
يضيف: الحقوق كانت مصانة: فالويل كل الويل لمن يتعدى على حق عام أو خاص، لأن الأعراف كلها ستكون ضده، وإن تعلق الأمر بقطع غصنٍ من شجرة خضراء وقت الاحتطاب، أو بجمع بعض الحشائش من جبل يُعدُ حمى جماعيًا.
تلك الثقافة الشعبية تمثّل نوعًا مما يسميه الدكتور معجب بـ«العلمانية الفطرية»، أي الاستعداد الفطري للفصل ما بين الديني والسلطوي، وقيام منظومة سلوك متحرر ولكنها شديدة الالتزام بالسمات الأخلاقية التي يفرزها المجتمع، طبيعة تلك الثقافة أنها متعددة ومتسامحة، وقابلة للتعايش، ولذلك فإن «فكر التوحش لا يدرك معنى الاختلاف إلا كتهديد» يقول الدكتور معجب.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.