مراسل {نيويورك تايمز} في الشرق الأوسط: أبهرتني التغييرات في السعودية

بن هبارد قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يعد نفسه مراسلاً حربيًا.. {ولكن تركيزي كان منصبًا على العالم العربي الذي شهد كثيرًا من الحروب أيضًا}

مدائن صالح بعدسة «نيويورك تايمز» أثناء زيارة بن هبارد للموقع الأثري
مدائن صالح بعدسة «نيويورك تايمز» أثناء زيارة بن هبارد للموقع الأثري
TT

مراسل {نيويورك تايمز} في الشرق الأوسط: أبهرتني التغييرات في السعودية

مدائن صالح بعدسة «نيويورك تايمز» أثناء زيارة بن هبارد للموقع الأثري
مدائن صالح بعدسة «نيويورك تايمز» أثناء زيارة بن هبارد للموقع الأثري

بن هبارد، مراسل صحيفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط، قضى 10 سنوات في المنطقة دارسا ومراسلا للصحيفة الأميركية غطى خلالها الأحداث التي مرت بالعالم العربي ولاسيما الحرب الأهلية السورية وأصدائها وتداعياتها على أرجاء المنطقة كافة وصعود الجماعات المسلحة وتدفق المهاجرين على جزيرة ليسبوس اليونانية.
وخلال عمله في المنطقة زار كثيرًا من الدول العربية ولاسيما السعودية التي زارها أكثر من 10 مرات منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وأعرب بن هبارد، خلال مقابلته مع صحيفة «الشرق الأوسط»، عن انبهاره بالتغييرات التي تشاهدها المملكة. وجاء الحوار معه على النحو التالي:

* هل يمكنك أن تعطي للقراء العرب فكرة مبسطة عن نفسك؟
- أنا مراسل منطقة الشرق الأوسط لصحيفة نيويورك تايمز، وأعيش حاليا في مدينة بيروت. أنا أميركي نشأت في ولاية كولورادو ودرست التاريخ، واللغة العربية، والصحافة قبل بداية حياتي المهنية. ولي عشر سنوات الآن لم أغادر فيها العالم العربي، في عامين منها كنت طالبا أدرس اللغة العربية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وثمانية أعوام أعمل بدوام كامل صحافيا. ولقد غطيت مجموعة واسعة من الدول الأخبار الصحافية، بما في ذلك مصر، وسوريا، ولبنان، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وليبيا. انتقلت للعمل لدى صحيفة نيويورك تايمز بعد عملي في وكالة أسوشيتدبرس الإخبارية في عام 2013، وكان أغلب تركيزي خلال هذه الفترة منصبا على الحرب الأهلية السورية وأصدائها وتداعياتها على أرجاء المنطقة كافة، ومنذ صعود الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش، وتدفق المهاجرين على جزيرة ليسبوس اليونانية.
* كيف بدأت حياتك المهنية في مجال الصحافة؟
- أردت أن أكون كاتبا قبل أن أكون صحافيا، ولكنني أدركت في نهاية المطاف أنني في حاجة إلى وظيفة وأردت الكتابة بحثا عن لقمة العيش، ومن ثم كانت الصحافة هي أفضل خياراتي. ولقد كنت قارئا شغوفا بالقراءة منذ نعومة أظفاري وجاء جُل اهتمامي بالكتابة من واقع رغبتي في الإنتاج الأدبي؛ حيث كنت أحب القراءة كثيرا.
حصلت على شهادة الماجستير في الصحافة من جامعة كاليفورنيا فرع بيركلي، وحصلت على التدريب المهني من وكالة أسوشيتدبرس الإخبارية، التي وفرت لي الوظيفة التي كنت أحتاج إليها. ولقد عملت هناك لمدة خمسة أعوام قبل انتقالي للعمل لدى صحيفة نيويورك تايمز.
* كم كانت مدة رحلتك إلى سجن «الحائر» السعودي؟
- كانت أولى زياراتي للمملكة العربية السعودية في عام 2013، ثم عاودت زيارة المملكة منذ ذلك التاريخ نحو 10 مرات، ومنبهر بالتغييرات هناك؛ حيث تعرفت على شرائح مختلفة من المجتمع السعودي، وعقدت صداقات جيدة للغاية هناك. ثم ازداد عدد الزيارات للمملكة في الآونة الأخيرة، نظرا إلى التغيرات الجارية في المملكة التي لفتت انتباهي كثيرا نحوها كما كان الأمر لدى الكثير من قراء الصحيفة.
إنني منبهر بالتغييرات التي تشهدها المملكة؛ نظرا إلى الموقف الاقتصادي الراهن، والدينامكيات التي تمر بالمنطقة، والنسبة الكبيرة من الشباب في البلاد. كما ينتابني الفضول كذلك حيال المبادرات الجديدة التي يترأسها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وآمل أن أتشرف بمقابلته حتى يتسنى لي أن أتفهم ذلك القائد السعودي الجديد الذي يحاول التعامل مع التحديات الكبرى التي تواجه المملكة ومعالجتها.
* كيف يمكنك أن تصف تجربتك في سجن «الحائر»؟
- رتبت الأمر لزيارة السجن عبر عدد من الاتصالات مع وزارة الداخلية السعودية، الذين يفتخرون ببرامج المناصحة المطبقة هناك ويسعدون بعرضها على الزوار، بما في ذلك الدبلوماسيون الأجانب والصحافيون. واستغرقت زيارتي للسجن نصف يوم، ولقد رافقني مساعد مدير السجن خلال زيارتي لمختلف الأقسام هناك.
* هل تقابلت مع أي متشددين؟ من كانوا؟ وماذا كانت قصتهم؟
– أتيحت لي الفرصة للتحدث مع بعض السجناء. ولقد زرنا الأستوديو الإذاعي في السجن وتقابلنا مع الرجل الذي يقدم عرضا مضحكا يقوم من خلاله بتقليد اللهجات من مختلف مناطق المملكة. وقال الرجل إنه ألقي القبض عليه قبل عدة سنوات لمحاولته السفر إلى العراق لمحاربة القوات الأميركية، وها هو يتجاذب أطراف الحديث معي ويقدم عرضا كوميديا لرفاقه داخل السجن. وقال: إنه مسرور بأنه لم يتمكن من السفر إلى العراق؛ لأن الأمور قد تحولت إلى الأسوأ بكثير هناك. وبطبيعة الحال، من الصعب جدا معرفة مقدار القصص التي يرويها السجناء عندما تتحدث إليهم برفقة مساعد مدير السجن.
* أتعتقد أن هذه هي أفضل قصة إخبارية لديك حتى الآن؟ وإن لم تكن، هلا تكرمت وأخبرت القراء بقصة مثيرة أخرى تمكنت من تغطيتها؟
– في العام الماضي، أخذت نحو 10 أيام للسفر في مختلف أنحاء المملكة العربية السعودية بحثا عن قصة حول السياحة في المملكة. وذهبت إلى العلا ومدائن صالح (الحجر) وجزيرة فرسان، ولقد كانت كلها مناطق مغلفة بجمال طبيعي يأخذ الروح والعقل في منتهى الروعة والجمال. ثم ذهبت إلى مدينة بريدة؛ حيث كنت أعمل على قصة صحافية أخرى مع بعض من الأصدقاء الذين ذهبوا بي إلى مهرجان غادة في عنيزة. ولقد كان أمرا مدهشا وجميلا أن أرى كيف يكون المهرجان الثقافي في ذلك الجزء من المملكة العربية السعودية؛ حيث إنهم في أغلب الأمر لا يأتيهم الكثير من الزوار الأجانب، ولقد انتهى الأمر بي وهم يعاملونني كأحد المشاهير؛ حيث كان الشباب السعودي يحاول التقاط الصور لي بهواتفهم الذكية.
* هل لك أن تخبرنا قليلا بتجربتك مع أي لغة مختلفة أخرى؟ وكيف ساعدك ذلك في حياتك المهنية؟
– لقد درست عددا من اللغات المختلفة، واعتدت الحديث باللغة الفرنسية الشيء القليل، ولكن كان تركيزي بالأساس على تعلم اللغة العربية، من حيث القراءة والكتابة، ولقد أدى ذلك إلى التخلي عن تعلم أغلب اللغات الأخرى. ولكن معرفتي باللغة العربية كان له أبلغ الأثر في عملي الصحافي؛ حيث أتاحت لي عقد المقابلات الصحافية من دون الحاجة إلى مترجم، والقدرة على قراءة الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية العربية، وإقامة صداقات مع مختلف الشخصيات في المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان في المنطقة، الذين كان سيصعب التواصل معهم للغاية من دون معرفتي باللغة العربية. فمعرفة اللغة يسمح للمراسل بالوصول إلى مستويات عميقة من الثقافة المحلية بطريقة تخدم كثيرا العمل الصحافي.
* لقد عملت مراسلا في كثير من الصراعات ومن مختلف البلدان، ومن دون شك شاهدت كثيرًا من الأمور المزعجة. فهل تلك الخبرات لا تزال عالقة في ذهنك أو لعلك تناسيتها في خضم مشاكل العمل والحياة وتنتهي علاقتك بها بمجرد انتهاء المهمة؟
– قضيت بعض الوقت في مناطق الحروب، ولكنني لا أعد نفسي مراسلا حربيا. يركز بعض الناس على الصراعات، ولكن كان تركيزي منصبا على العالم العربي، الذي شهد كثيرا من الحرب كذلك، ومن ثم كان لزاما علي تغطيتها. وقضيت بعض الوقت في سوريا مع قوات المعارضة في إدلب وحلب في عام 2012. ولقد كانت تجربة رائعة ومذهلة ومخيفة في آن واحد. ومثل هذه التجارب لا تخلف أثرا نفسيا في ذاتي بعد انقضائها، ولكنني أتذكر عودتي لمنزلي في بيروت بعد خروجي من سوريا وأنصت في عصبية لأزيز الطائرات، متسائلا إن كان يتحتم علي القلق من إحدى الغارات الجوية الوشيكة.
* هل لديك من نصيحة تود أن تمنحها للمراسلين أو الصحافيين العرب على وجه الخصوص؟
- إن قواعد العمل الصحافي لا تتغير باختلاف المكان أو الزمان: اعمل بجد، وابحث عن الحقيقة المجردة، وابذل الجهود المخلصة في فهم وإدراك جوانب القضية كافة التي تغطيها، وحافظ على شكوكك الصحافية حيال تصريحات المسؤولين!
تكمن الصعوبة في منطقة الشرق الأوسط «وليس في العالم العربي فقط» في أن الحديث يميل كثيرا نحو الاستقطاب، وأن الناس لا يريدون إلا الاستماع للمعلومات التي تؤيد الموقف الذي يتخذونه فحسب، كما أنهم يرفضون الاستماع إلى وسائل الإعلام أو للمعلومات الآتية من منظور أو زاوية أخرى مغايرة. ومن ثم، بدلا من إخبار الناس حول تعقيدات القضايا والدوافع المختلفة التي تحرك مختلف اللاعبين، ينتهي الأمر بوسائل الإعلام إلى ترسيخ ما يعتقده الكثير من الناس بالفعل. وبتلك الطريقة، من وجهة نظري، تزداد صعوبة بناء التفاهم الذي يمكن من خلاله المساعدة في تسوية بعض من الصراعات المشتعلة في المنطقة.
* كيف تتوقع أن تنتهي الأزمة السورية؟
– لسوء الحظ، لا أرى أي إشارات تفيد بنهاية الصراع السوري على المدى القريب. فليس لدى أي طرف المقدرة على تحقيق الانتصار عسكريا، ولكنهم كما يبدو ليسوا مستعدين كذلك للوصول إلى تسوية للأزمة عن طريق التفاوض. وأعتقد أن هذه الحرب سوف تستمر لمزيد من الوقت.
* كم ساعة تقضيها في العمل أسبوعيا؟ وهل يفسح العمل المجال لك قضاء بعض الأوقات الشخصية؟
- ليست لدي فكرة عن عدد ساعات العمل التي أقضيها في الأسبوع، ولكن بالتأكيد هو عدد كبير! وبالنسبة إلي، فإن أفضل شيء في مهنة المراسل الصحافي هو أني أتولى إدارة وقتي بنفسي إلى حد كبير. فلا يعبأ أحد متى آتي إلى المكتب أو متى أغادر طالما أنا على رأس الأخبار، وأستمر في إنتاج الأعمال الجيدة. ويعني ذلك أنني أقضي الليالي الطويلة في العمل وفي عطلات نهاية الأسبوع كذلك، وإجمالي عدد الساعات يصل إلى أكثر مما يمكن أن أقضيه في أي وظيفة عادية. ولكن من يريد وظيفة عادية في مهنته هذه؟
* ما نصيحتك للشباب الذي يبدأون أولى خطواتهم في العمل الصحافي؟
– أفضل ما يمكن للمراسل الجديد عمله هو العثور على وظيفة يقومون فيها بفعل ما يحبونه سواء كان ذلك في الكتابة، أو التصوير بالفيديو، أو افتتاح المواقع الإلكترونية. وأفضل وسيلة للتقدم والتميز هو بذل مزيد من الوقت والجهد وتجربة الأشياء الجديدة، والفشل والتعلم من تجاربك الفاشلة. وكما يحلو لصديقي الكاتب والشاعر الأميركي جون إيفانز أن يقول: «إن الكتابة مثل تمرينات الضغط الرياضية، فكلما مارست التمرين، صار سهلا وبسيطا عليك».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».