إرهاب

إرهاب
TT

إرهاب

إرهاب

* هناك فرق بين أن يتم هدم مدينة، أو جزء منها، أو أحد أهم معالمها، بفعل كارثة طبيعية أو بين أن يتم هدمها بفعل كارثة ناتجة مباشرة عن مجموعة من الأشرار ذوي الغايات الخطرة.

> صحيح أن المدينة لو هدمت، ستعج بالضحايا من البشر العاديين في كلتا الحالتين. الضحية التي يتسبب زلزال بدفنها أو طوفان بجرفها أو حريق بالتهامها، لا تختلف، عند البعض، عن الضحية التي يتم القضاء عليها بعملية إرهابية، ولو أن هناك اختلافًا بيّنًا في الواقع. فما يختلف كثيرًا هو أثر ذلك على المجتمع ككل. حيال الكارثة الطبيعية لا يمكن تحميل أي جهة فداحة ما حدث. في حين لو أن إحدى العصابات الإرهابية دمّرت نيويورك أو البيت الأبيض أو لندن أو سواها فإن هناك جهة لا بد من ملاحقتها ومعاقبتها.

> في صالات السينما، يتصرّف الناس تبعًا للوضع ذاته. الأفلام التي تدور حول كوارث طبيعية تهاجم المدن وتدمرها شيء، وتلك التي تتحدث عن منظمات إرهابية كبيرة تفجر البرلمان البريطاني (في «لندن سقطت») أو البيت الأبيض (في «أوليمبوس سقط») شيء آخر. في الأولى يعتبر المشاهدون أن ذلك ما زال جزءًا من خيال لا ضرر منه. في الثاني، تنظر (اليوم أكثر من أي وقت مضى) بعصبية وتوتر إلى مشاهد الدمار وتربطه بما حدث فعلاً أو بما قد يحدث في أي لحظة. أي متعة هذه؟

> بعد ما سببه «لندن سقطت» (London Has Fallen) من ألم بين قطاع كبير من المشاهدين الذين لم يقدّروا للفيلم إثارة قلقهم حول كيف ستؤول مدينتهم إلى خراب محتمل بفعل منظمة إرهابية (يرأسها مسلم وتشمل مسلمين بريطانيين!) يعرض في أسابيع قليلة «يوم باستيل» الذي تقع أحداثه في باريس ومثله فيلم فرنسي آخر عنوانه «صُنع في باريس».

> كلاهما عن منظمات إرهابية ناجحة تقتل وتبيد وتخطط لدمار أوسع وكلاهما يثيران في نفوس المشاهدين مشاعر متعددة. إذا كان المشاهد مسلمًا أو عربيًا فإنه سيشعر بأنه مستهدف كون الفيلمين يتحدثان عن الجاليات ذات الأصول العربية التي تصدّر هذا الإرهاب أو تتبناه. إذا ما كان أوروبيًا أبيض البشرة، فإنه إما سيلجأ للخوف أو سيشعر بأنه يريد تحطيم رأس أول عربي يجده حين يخرج من الصالة.

> هذه الأفلام تلعب على الوتر كيفما نظرت إليها. ليس أن الوقع واحد بين كل المشاهدين، لكنه كذلك على القطاع الأكبر وهو القطاع الغالب من الناس بكل فئاته. ذلك الذي لن يجلس في البيت ليفكر في الأسباب أو ليحلل الأوضاع تبعًا لخلفياتها، بل سيثور على ما يراه أو يخاف لدرجة التقوقع.

> للأسف، هذه الأفلام لا تستخدم المسلمين والعرب هباء، لأن الواقع هو أن بعضنا إرهابي. وفي حين كان من الصواب بقدر كبير الاحتجاج على تشويه الصورة العربية في السينما الغربية الآن بتنا نحن صانعي هذه الصورة بكل ما تحمله من عنف ودموية وإساءة إلى الإسلام.



«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.