البلدات الحدودية تستغيث بالجيش لوقف التجاوزات السورية

عبد الله خسر رجله وعمله بسبب صاروخ سوري.. ووزارة الصحة لم تعالجه

البلدات الحدودية تستغيث بالجيش لوقف التجاوزات السورية
TT

البلدات الحدودية تستغيث بالجيش لوقف التجاوزات السورية

البلدات الحدودية تستغيث بالجيش لوقف التجاوزات السورية

تنال البلدات اللبنانية الواقعة على الحدود مع سوريا، في كل معركة، نصيبا وافرا من الصواريخ التي تنهال عليها يوميا بحجة فرار «إرهابيين سوريين» إلى الداخل اللبناني. يخرق الطيران الحربي السوري الأجواء اللبنانية وينفذ غارات على عدد من البلدات وجرودها من دون أن يسثني الأحياء السكنية أحيانا. وغالبا ما يكون الضحايا من اللاجئين السوريين أو من اللبنانيين الذين تدمر منازلهم ويقتل أبناؤهم ليس لذنب ارتكبوه إنما لسكنهم في بلدات حدودية مع سوريا.
في البقاع، لا تزال بلدة عرسال، المعروفة بتأييدها للمعارضة السورية وإيوائها نحو 100 ألف لاجئ سوري جاءوا بمعظمهم من منطقة القلمون وريف القصير، تلملم جراحها بعد المجزرة التي ارتكبها الطيران السوري بحق أطفالها. قتل منذ ثلاثة أشهر ستة أولاد من عائلة واحدة وولد سابع من آل الحجيري في منطقة رأس السرجا الحدودية في عرسال، أثناء لهوهم في يوم العطلة المدرسية في ملعب تابع لمدرسة الملاذ، بعد استهدافه بصاروخ. ولولا أن العناية الإلهية تدخلت ورأفت بأرواح أطفال البلدة، لقضى عدد كبير منهم لو لم يصادف ذلك اليوم إجازة.
لدى أم محمد، التي فقدت أولادها، عتب كبير على الدولة ونوابها الذين، على حد قولها، لم يسألوا عن حالة العائلة ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لتجنيب السكان مجازر أخرى مماثلة. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يريدون من شباب عرسال أن يمسكوا الحدود مع سوريا؟ أين دور الجيش اللبناني؟ يتهموننا بتسهيل مرور السيارات المفخخة إلى لبنان فليتفضلوا وليحمونا من القذائف السورية».
مر أربعة أشهر على وفاة أخواتها، وهي لا تزال تستيقظ في كل ليلة على كوابيس الطيران والقذائف. تتوجه سحر إلى غرفة الجلوس المكان الذي كان مخصصا للعب واللهو. تلتقط صورة أخواتها المعلقة على الحائط وتبكي طالبة من والدتها الذهاب إليهم وزيارتهم، فهي اشتاقت إلى ضحكاتهم وإلى إعداد الحليب لشقيقها الصغير محمود. يحاول أقرباؤها مواساتها وتقديم المساعدة لها من خلال تمضية الوقت مع أولاد العائلة لكي لا تشعر بقسوة الفراغ الذي تركه وفاة أشقائها. تكتفي سحر بالقول: «أخاف الطيران وأخاف أن تأخذ القذائف روح والدي كما فعلت بأشقائي».
قبل أن تصيب الصواريخ السورية رجله بإصابات بالغة ومنعته عن المشي وحطمت كل أحلامه، كان عبد الله (33 سنة) يستعد للزواج. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «ذهبت إلى مستشفى رياق برجل شبه مقطوعة أجرى الأطباء عملية فاستطاعوا إنقاذ جزء كبير منها من البتر». ويوضح أن «وزارة الصحة اللبنانية لم تتكفل بتكاليف العلاج ولم تعدني مصاب حرب»، متابعا: «حاولنا التواصل مع الوزير لكن أحدا لم يُجِبْ على اتصالاتنا وكأننا لسنا لبنانيين». ويقول: «يطببون اللاجئين السوريين في المستوصفات ويعالجون الجرحى المصابين على نفقتهم وأنا أعالج نفسي من الفقر والعوز».
يحتاج عبد الله إلى جهاز تبلغ قيمته خمسة آلاف لكي يستطيع السير بشكل شبه سليم ويحتاج لعلاج سنة ونصف من العناية والمراقبة والأهالي يستنجدون وزارة الصحة مساعدتهم لتتحمل جزءا من التكاليف. يقول والد عبد الله: «نبحث عن مستأجر للمنزل وننوي الانتقال إلى زحلة لأن الوضع اليوم غير آمن في البلدة». ويوضح أنه «خلال الحصار الذي فرضه أهل اللبوة على البلدة كان عبد الله بحاجة إلى الذهاب عند الطبيب، لكن الأهالي في القرى المجاورة منعونا الخروج».
تجلس بقربه خطيبته الشابة العشرينية وتحاول إخفاء حزنها لكي تجنب خطيبها ألما أكبر. تقول: «منزلنا الزوجي سيؤجر لعائلة سورية وسنعيش في بلدة غير بلدتنا، كل ذلك لأننا فقط من منطقة حدودية مع سوريا. أين الجيش ليحمي أرواحنا؟».
قبل إصابته في رجله، كان عبد الله يعمل في مطعم صغير فتحه في ساحة عرسال، وكان يقدم باستمرار طلبات توظيف في البقاع كونه مدرسا ابتدائيا. يقول بحسرة: «لسخرية القدر اتصلت بي إحدى المدارس بعد إصابتي في رجلي لتطلب مني العمل لديها براتب شهري يلامس عتبة الألف دولار أميركي».
قصة عبد الله لا تختلف كثيرا عن وضع طارق وزوجته اللذين أصيبا بصاروخ سقط في وسط منزلهم، ما أدى إلى وقوع سقف البيت على رؤوسهم، فأصيب الرجل المقعد في رأسه إصابة متوسطة، أما زوجته فبتر مشط رجلها ما أدى إلى عدم تمكنها من السير مجددا.
الجميع في البلدة حزين على قصة هذين الزوجين، تقول جارة أم أحمد: «كانت تعينه على المشي والأكل والشرب، أما اليوم فأصبحت هي بحاجة إلى من يعينها».
يتشارك سكان عرسال مع أهالي بلدة اللبوة المجاورة، شعور الخوف والقلق ذاته، فالصواريخ تمطر البلدات الحدودية دون توقف وإن غابت يومين فهي تعود لتنهمر من جديد. يقول رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لـ«الشرق الأوسط»: «أهالي عرسال يطالبون الجيش بالتدخل لوقف النزف الجاري ولضبط الحدود والفلتان الأمني». ويضيف جازما: «لا مكان للأمن الذاتي في البلدة وعمليات التحريض التي تطالنا لن نرضخ لها، ولن ننجر إلى حرب داخلية مع أهلنا في البلدات المجاورة».
بدوره، يؤكد رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز على «دور الجيش والقوى الأمنية في منع تدفق السيارات المفخخة إلى الداخل اللبناني عبر الحدود اللبنانية خاصة مع عرسال»، ويحرص على التأكيد على تمتين العلاقات الاجتماعية والإنسانية مع أهالي عرسال. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نتشارك مع الأهالي المحبة نفسها، ولكن مطلبنا الأساسي هو ضبط الأمن لحماية أرواحنا وأرواح أطفالنا من التفجيرات التي تستهدفنا بشكل خاص».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.