النواب العراقيون المعتصمون يطالبون بتغيير هيئة الرئاسة.. وعراك بالأيدي في البرلمان

الجبوري يستنجد بمعصوم لإقالة العبادي بدلاً منه.. ولا يستبعد حل البرلمان إذا استمرت الأزمة

الجبوري خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
الجبوري خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

النواب العراقيون المعتصمون يطالبون بتغيير هيئة الرئاسة.. وعراك بالأيدي في البرلمان

الجبوري خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
الجبوري خلال مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)

صعّد النواب المعتصمون في البرلمان العراقي لليوم الثاني على التوالي من مطالبهم، وذلك بتغيير الرئاسات الثلاث (الجمهورية فؤاد معصوم، والبرلمان سليم الجبوري، والوزراء حيدر العبادي)، بدلا من إقالة هيئة رئاسة البرلمان (الرئيس سليم الجبوري، والنائبان همام حمودي، وآرام شيخ محمد)، ووقع على الوثيقة الجديدة نحو 164 نائبا.
وأفادت مصادر عراقية، أمس، بأن سليم الجبوري، رئيس البرلمان، يدرس احتمال حل المجلس في ظل احتدام الأزمة السياسية. وقال متحدث باسم الجبوري - لم يكشف عن اسمه – أن الإعلان جاء بعد جلسة للبرلمان شابتها الفوضى، وتشاجر خلالها نواب أثناء مناقشة خطة لإعادة تشكيل الحكومة بهدف مكافحة الفساد.
وكان نحو 61 نائبا من المعتصمين قدموا طلبا إلى رئيس البرلمان بعقد جلسة طارئة أمس، بدلا من الجلسة الاعتيادية المقررة اليوم للتصويت على الكابينة الوزارية الجديدة التي تقدم بها إلى البرلمان رئيس الحكومة حيدر العبادي، للتصويت عليها أول من أمس. ولقي المقترح اعتراضات واسعة من أعضاء البرلمان، بسبب استمرار المحاصصة العرقية والطائفية، وهو ما أدى إلى حصول فوضى داخل البرلمان، سرعان ما تحول إلى اعتصام مفتوح، حيث قضى عشرات النواب ليلتهم داخل مبنى البرلمان، بينما هددوا بإقالة هيئة الرئاسة وتشكيل هيئة رئاسية جديدة.
وبينما تمكن البرلمان من عقد جلسة طارئة برئاسة سليم الجبوري، رئيس البرلمان، لمناقشة مطالب النواب المعترضين، فقد دبت الفوضى ثانية، وتحولت إلى مشادات كلامية وعراك بالأيدي وإلقاء زجاجات المياه الفارعة بين نواب من ائتلاف دولة القانون ونواب من التحالف الكردستاني، الأمر الذي اضطر الجبوري إلى رفع الجلسة، ومن ثم الطلب من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الحضور إلى البرلمان.
وبينما راجت أنباء عن تقديم الجبوري استقالته من رئاسة البرلمان، فقد فند مكتبه مثل هذه الأنباء. وقال المكتب، في بيان له، إنه «لا صحة مطلقا للشائعات التي يطلقها البعض حول تقديم رئيس مجلس النواب استقالته».
من جهته، أكد عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية وأحد النواب المعتصمين، مشعان الجبوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاعتصام سيستمر في حال لم تتم تلبية مطالب النواب المعتصمين، التي تتمثل في مطلب واحد هو إلغاء المحاصصة العرقية والطائفية التي أضرت بالبلد كثيرا، وكانت السبب الرئيسي في كل ما حله به من دمار وخراب».
وردا على سؤال حول الكيفية التي يمكن من خلالها تنفيذ مثل هذا الطلب قال الجبوري إن «الرغبة كانت أول الأمر هي إقالة هيئة رئاسة البرلمان، لكن رئيس البرلمان سليم الجبوري طلب من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الحضور إلى البرلمان، لكي يتحول الطلب إلى إقالة رئيس الوزراء، وهو ما يعني دخولنا في قضية معقدة لا يمكن أن نخرج منها بسهولة»، مشيرا إلى أن «خطوة الجبوري إنما هي محاولة لإحداث انقسام بين النواب المعتصمين، بحيث نتحول إلى قسمين، قسم يطالب بإقالة رئاسة البرلمان، وقسم يطالب بإقالة رئيس الوزراء، وبالتالي تنتهي الاعتصامات وهو الهدف المطلوب الآن». وبشأن ما إذا كان أعداد النواب الموقعين كافيا، لا سيما مع انسحاب عدد من النواب، قال الجبوري إن «العدد يكفي لذلك، بينما النواب الذين انسحبوا لم يكونوا أصلا مع التغيير، لكنهم وضعوا توقيعاتهم لكي يسحبوها فيما بعد لأهداف تخصهم». في السياق نفسه أكد عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون، جاسم محمد جعفر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما حصل في البرلمان منذ يومين إنما هو حراك يحصل للمرة الأولى بعد عام 2003، وهو أمر مهم من أجل إلغاء المحاصصة العرقية والطائفية»، مبينا أن «نحو 170 نائبا وقعوا على إقالة هيئة رئاسة النواب التي لا تتطلب آليات معقدة مثل الاستجواب وغيرها، بينما العدد المطلوب لذلك هو 165 نائبا».
وأضاف جعفر أن «الذي حصل في الواقع عملية التفاف من قبل رئيس البرلمان، وذلك باستدعاء رئيس الجمهورية، لكي يتحول الطلب إلى إقالة رئيس الوزراء، وهذه خطوة توقعنا في إشكاليات معقدة، في حين أن الهدف أول الأمر هو إقالة رئاسة البرلمان، واختيار رئاسة جديدة ليس على أساس المحاصصة الحزبية، بل من المكونات، وهو ما يعني أنه في حال بقي المنصب من حصة المكون السني فإن النواب السنة المعتصمين يختارون من بينهم رئيسا، وكذلك الأكراد والشيعة، وبالتالي فإن دعوة رئيس الجمهورية للحضور إنما هي عملية التفاف على مطالب النواب ومحاولة عرقلة الحراك». وحول النواب الأكراد قال جعفر إن «النواب الأكراد الذين شاركوا في الاعتصام كانوا من كتلة التغيير الكردية لكنهم انسحبوا جميعا».
وعن انسحاب نواب حركة التغيير الكردية، قال عضو البرلمان العراقي، مسعود حيدر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «النواب الكرد مع التغيير ومع إلغاء المحاصصة، لكننا مع حفظ التوازن وحقوق المكونات، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا».
وأضاف حيدر أن «عدم مشاركتنا في الاعتصام ناجم عن احترامنا للسياقات الدستورية، كما أن هناك نظاما داخليا للبرلمان العراقي يمكن اللجوء إليه في حال أردنا تغيير الرئاسة، لأن المطلوب هو حماية الدولة ومؤسساتها». وفي سياق متصل، فإنه بدلا من المطالبة بحل الرئاسات الثلاث فإن رئيس البرلمان سليم الجبوري نقل الكرة إلى ملعب رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وذلك بدعوته إلى حل البرلمان، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، للخروج من الأزمة الراهنة، وهو ما يعني تحويل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال لحين إجراء الانتخابات».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.