مؤلفا السيرة الذاتية للمرشح الجمهوري وعائلته: ترامب يحمل تناقضات هائلة ومصاب بجنون العظمة

بلير ودي أنطونيو قضيا أعوامًا في البحث والكتابة عن حياته ويعتزمان التصويت ضده * ميلانيا زوجة ترامب الحالية ظهرت عارية عام 2000.. وظهرت مرة ثانية شبه عارية على سجادة تحمل شعار الولايات المتحدة

مؤلفا السيرة الذاتية للمرشح الجمهوري وعائلته: ترامب يحمل تناقضات هائلة ومصاب بجنون العظمة
TT

مؤلفا السيرة الذاتية للمرشح الجمهوري وعائلته: ترامب يحمل تناقضات هائلة ومصاب بجنون العظمة

مؤلفا السيرة الذاتية للمرشح الجمهوري وعائلته: ترامب يحمل تناقضات هائلة ومصاب بجنون العظمة

* كيف كان يدير ترامب عائلته كزوج لثلاث زوجات وأب لخمسة أبناء وكيف تعامل مع الفشل في تجربتي طلاق صاحبتهما أخبار عن الخيانة والفضيحة
* رشح ذاته للرئاسة لأول مرة على سبيل الدعابة في الثمانينات في مجلة «سباي» الساخرة بنيويورك.. وتطرق علنا لفكرة الترشح خمس مرات
* بمجرد أن نشر ترامب تدوينة معلقا على هجمات بروكسل مذكرا بدعوته إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة تحولت التغطية إلى «ما هو رأي ترامب في أحداث بلجيكا»؟
* لفهم ترامب وكيف سيكون البيت الأبيض في حال فوزه يستدعي ذلك دراسة جادة لجذوره وتكوينه النفسي وتاريخ سفره وعلاقاته الخارجية
* اشتهر والد ترامب بالدخول في اللحظة الأخيرة قبل إبرام صفقة عقارية إذ تكون العقود على الطاولة
* عاش ترامب على مدار عقود كرجل مستهتر في نيويورك وفي الوقت ذاته أدى دور الثري الأرستقراطي الملتزم بإقامة مؤسسة تحكمها العائلة
* لا يدير ترامب شركاته أو عائلته بنظام ديمقراطي.. بل يبدو أن نزعته لأن يكون صاحب تركة جعلته يقترب بدرجة ما من شخصية قيادات الدول التي تحكمها عائلات ملكية في الخارج
* يتفق مؤلفا الكتابين عن حياته على أن المنطق الذي يسود في خطب ترامب يتعلق بجمهوره المحلي وليس له صلة بأي توجه أو رؤية خاصة
* سياسة ترامب العائلية أشبه بتجربة مسبقة للرؤى السياسية في المجتمع الدولي

في إطار البحث في الظاهرة الأكثر استنزافا في السياسة الأميركية في الوقت الحالي، أجرت الشقيقة مجلة «المجلة» حوارا مع اثنين من الخبراء الأميركيين في التاريخ الشخصي والتكوين النفسي للمرشح الرئاسي الجمهوري المتصدر دونالد ترامب، وهما غويندا بلير ومايكل دي أنطونيو، وكلاهما ألف كتابا مسهبا عن حياة ترامب. رسم الاثنان صورة لرجل يحمل تناقضات وقوة هائلة وعيوبا خطيرة؛ رجل يتسم بالمرونة والبراغماتية، غير آيديولوجي بالمرة ولديه عزم وطيد على النجاح في أي شيء يختاره لتعريف النجاح؛ وفوق كل ذلك، رجل يملك حسا حريصا على عقلية الولايات المتحدة وشعبها ومؤسساتها، ويعرف كيفية التأثير على النظام واستخدامه وقلبه من أجل تحقيق أهدافه.
ورغم أن التغطية العالمية لظاهرة دونالد ترامب تتسم بالإسهاب، فإنه يصعب الاستيعاب الكامل لتحولها إلى قضية محورية تستهلك الوقت والجهد في النقاش العام الأميركي إلا إذا كنت عشت في هذه البلاد طوال الشهور القليلة الماضية. في هذا الموسم الانتخابي، حقق ترامب انتصارات كبيرة، في ولاية بعد الأخرى. وفي المدن التي يزورها لعقد تجمعات سياسية، يؤجر أكبر مركز مؤتمرات أو ملعب كرة قدم متاح - وفي حين ينتشر رجال الشرطة حول المكان في محاولة عابثة لمنع حدوث اضطرابات مدنية، يتدفق المؤيدون بالآلاف وأحيانا بعشرات الآلاف ليحتلوا كل المقاعد. وينتظر مئات أو آلاف آخرون في صفوف خارج الإستاد أملا في أن يخرج البعض مبكرا تاركين مكانا لغيرهم. كذلك في أماكن العمل والحرم الجامعي وحتى في المدارس الابتدائية، أصبح ترامب موضوعا لنقاش يومي ساخن.
حماس مؤيديه
إذا أدرت التلفزيون على أي قناة إخبارية، من المرجح أن تجد تغطية متتابعة لترامب وحماس مؤيديه وكثافة المسيرات التي تجوب الشوارع معارضة له، وأحدث محاولات النخبة الجمهورية وكذلك الديمقراطية لعرقلة حملته الانتخابية. أوقفت الشبكات بصفة مؤقتة حوارات المشاهير المعتادة أو الأخبار الإنسانية العامة التي عادة ما تحتل أغلب برامجها: وقد كشفت بيانات مسح لجمهور المشاهدين أن التغطية الإخبارية المتعلقة بترامب أصبحت كل ما تحتاج إليه الشبكات للحفاظ على نسب مشاهدتها. عندما قام الرئيس أوباما بزيارته التاريخية إلى كوبا في شهر مارس (آذار)، وهزت التفجيرات الإرهابية الدموية أرجاء بروكسل، بدا أن هناك بعض اللحظات التي ستعود فيها أخبار متنوعة إلى دورة الأخبار. ولكن بمجرد أن نشر ترامب تدوينة علق فيها على هجمات بروكسل، مذكرا بدعوته إلى فرض حظر مؤقت على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة «حتى نعرف ما هي المشكلة» - تحولت التغطية إلى «ما هو رأي ترامب في هجمات بروكسل؟»، ومنها عودة إلى ما هي آراء ترامب عامة، وما هو رأي الأميركيين فيه، وماذا يعني ذلك بالنسبة لأميركا ذاتها؟
كانت تلك نجاحات يومية لمقدم برنامج تلفزيون الواقع الناجح الذي يتصف ببراعة هائلة في التعامل مع الإعلام الأميركي؛ وهو أيضا مطور عقاري مزدهر يملك حسا قويا بكيفية السيطرة على الساحة العامة؛ وفوق كل ذلك هو أميركي ذكي لديه جذور راسخة في تاريخ مجتمع البروتستانت الأنجلوساكسون ذوي البشرة البيضاء، يعرف جيدا «ما الذي يؤثر في الشعب الأميركي» وكيف يستخدم الروح الأميركية لتحقيق مصلحته.
ماذا سيعني فوز ترامب بالرئاسة للولايات المتحدة والعالم؟
قالت غويندا بلير، مؤلفة سيرة ذاتية لعائلة ترامب مكونة من 592 صفحة في كتاب بعنوان «عائلة ترامب: ثلاثة أجيال من البنّائين ومرشح رئاسي»: «إنه ترشح للرئاسة كقوة معطلة سوف تقلب كل شيء. ولا يهم من سيصاب على طول الطريق».
وقال مايكل دي أنطونيو، مؤلف كتاب آخر عن حياة ترامب بعنوان «لا يكفي مطلقا: ترامب والبحث عن النجاح»: «ترامب خطير ونقي وبسيط».
من خلال حوارات شاملة مع هذين الكاتبين البارزين بشأن حياة ترامب وزمنه، يمكن الشعور ببعض المرارة تجاه ترامب، والتي يشعر بها كثيرون من النخبة في الإعلام الأميركي، الذين يشنون، ومعهم الطبقة السياسية، حملة شعواء تبدو بلا طائل لنزع الثقة عنه. تشهد مشاعرهم على وجود جانب آخر في ظاهرة ترامب: وهي أن النخبة الأميركية تجد ذاتها على خلاف كبير مع قطاع عريض من الجمهور الأميركي المنتمي إلى الطبقة العاملة، وأغلبهم من أصحاب البشرة البيضاء والذين يشعرون بأنهم على هامش «الحلم الأميركي». ولكن هذا أيضا أصبح ميزة إضافية لترامب. عندما أعلن المرشح الرئاسي الجمهوري السابق ميت رومني، الذي خسر أمام أوباما في انتخابات عام 2008، تصميمه على تدمير ترامب، كان رد المرشح الجمهوري المتصدر بأن وصف رومني بـ«الفاشل» و«الخانق»، مؤكدا على أن عداء رومني سوف يساعده بالفعل في استطلاعات الرأي. وحتى الآن يبدو أنه على صواب.
يتفق كلا الكاتبين، في حديثهما عن آرائهما بشأن ترامب إلى «المجلة»، على أنه بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، الوقت الحالي هو الأنسب لفهم ترامب وكيف سيكون البيت الأبيض في المستقبل في حالة فوزه. من وجهة نظر السياسة الخارجية، يستدعي ذلك دراسة جادة لجذوره وتكوينه النفسي وتاريخ سفره وعلاقاته الخارجية، للتعرف على تكوين السياسات التي من المرجح أن يتبناها هذا الرجل إذا تحول من أنجح رجال الأعمال في البلاد إلى أقوى رجل في العالم. يحفز ذلك أيضا على البحث في دوره كأب وزوج - إلى درجة اعتبار سياسته العائلية أشبه بتجربة مسبقة للرؤى السياسية في المجتمع الدولي.
وبغض النظر عما إذا كان ترامب سينجح أو يخسر في الانتخابات المقبلة، يبدو أن التعرف على ترامب مكون أساسي لتشخيص نبض وطبيعة الولايات المتحدة الأميركية.
من هو دونالد ترامب؟
أوضحت غويندا بلير: «إنه متفوق على جميع رجال الأعمال الموهوبين الذين يدركون ما تريده السوق. ففي صناعة العقارات بمدينة نيويورك في الثمانينات، وجد أنه إلى جانب فكرة الأثرياء عن العقارات الأرستقراطية الأنيقة المميزة التي تبدو أقل من قيمتها، كانت هناك مجموعة أخرى من أصحاب الملايين والمليارات الذين لم يريدوا أيا من ذلك ويرغبون في التفاخر. كانت تلك سوقا لم يطرقها أحد من قبل، حيث الأثرياء الذين يريدون منازل مبهرة للغاية، وقد بناها لهم ونجح في ذلك. وفي مجال الكازينوهات، وجد سوقا مشابهة للأشخاص الذين يرغبون في المقامرة في أماكن كبيرة وبراقة تزخر بالبهرجة - في أتلانتك سيتي ولاس فيغاس - فقرر الدخول فيها مباشرة».
في مرحلة مبكرة من عمله في مجال الأعمال، اتفق ميل ترامب إلى البهرجة مع شخصية متوهجة تسعى إلى تصدر عناوين الأخبار والتأثير على الخيال الشعبي. كان المليونير الثري الذي يستطيع التحدث والتفكير كجامع قمامة يحظى باحترام منافسيه الأثرياء وبحب رجل الشارع. وفي الوقت الذي يتوخى فيه الحذر داخل قاعة الاجتماعات بشركته، أدخل «فن الصفقات» في الثقافة الشعبية وذلك في البداية عن طريق كتاب يحمل الاسم ذاته محققا أفضل مبيعات، ثم بعد ذلك أصدر لعبة تم تسويقها بين الشباب والتي حملت ببساطة اسم «لعبة ترامب».
والد ترامب
قد ترجع السرعة التي صعد بها ترامب سلم الثروة والشهرة مع الاحتفاظ بعلاقة وثيقة مع عقلية الرجل العادي إلى نشأته: من جهة، لم تكن قصة ترامب تتعلق برجل تحول من الفقر إلى الثراء، حيث كان والده فريد ترامب أيضا ثريا، وإن لم يكن بحجم الثراء الذي حققه ابنه. من جهة أخرى، كان ترامب بالفعل جديدا على غرف الاجتماعات الداخلية في ناطحات السحاب في مانهاتن. وذلك لأن والد ترامب لم يكون ثروته عن طريق بناء ناطحات السحاب الفاخرة، بل بإنشاء إمبراطورية من الوحدات السكنية الخاصة بالطبقة الوسطى في مناطق نيويورك الخارجية مثل بروكلين وكوينز. ومن أجل السيطرة على هذا القطاع، لا يمكن للمرء أن ينأى بذاته عن احتياجات وأسواق الطبقة العاملة. وكانت نتيجة النشأة في ثقافة الشركات الواقعة على أطراف نيويورك مثل كوني آيلاند في بروكلين أن اكتسب ترامب لكنة وحس يمتلكه قطاع كبير للغاية من سكان نيويورك البالغ عددهم 8 ملايين شخص.
من أجل التفاوض حول صفقة في كوني آيلاند، يجب التصرف مثل البلطجي. وكما أشارت غويندا بلير: «إحدى وسائل ذلك أن تدخل الغرفة وتبحث عن أقوى شخص بها وتسدد له لكمة». بدلا من ذلك، يمكنك أن تستخدم تكتيكات قديمة في المفاوضات شديدة التوتر والتي قد تكون مألوفة لدى رجال الأعمال في البلدان العربية أو أي مجتمع تقليدي: «اشتهر والد (ترامب) بالدخول في اللحظة الأخيرة قبل إبرام صفقة عقارية، إذ تكون العقود على الطاولة وتستعد الجرافات للعمل، عندما يبدأ في إعادة التفاوض، فيقلل المقابل ويقتطع قليلا من المال هنا وقليلا منه هناك. في الوقت ذاته، لا يجد الآخرون أي خيار سوى الموافقة على شروطه».
كانت قصص تلك الكسور الضئيلة الإضافية التي جمعها فريد ترامب لبناء إمبراطوريته لبناء منازل للطبقة المتوسطة مصدر إلهام للأشخاص الذين سكنوا تلك المنازل. يحب الجميع الشخص الفائز - وقد كان الفائز الذي ينتصر على حساب الراضين عن ذاتهم والقانعين.
شقيق ترامب سقط جراء إدمانه الكحوليات
في مانهاتن، القريبة ولكنها بعيدة في الوقت ذاته، لم تكن تلك التكتيكات منتشرة، ويبدو أن ترامب الابن فاجأ منافسيه الأرستقراطيين عندما طبقها معهم. كان دافع ترامب رغبة عازمة وواضحة على تحقيق ثراء فاحش من جهة، ومن جهة أخرى، كان يخشى الفشل المأسوي المُذل. كان شقيق ترامب الأكبر، فريدي الصغير طيارا محبا للمرح ويحبه الجميع. سقط فريدي، الذي كان وسيما ولطيفا واجتماعيا، ضحية لإدمان الكحوليات وتوفي في عمر 43 عاما. يعني ذلك أن ترامب وجد خياراته منحصرة ما بين إدمان الكحوليات وإدمان الثروة والشهرة.
بعد مرور عقود، استثمر صورته كرجل أعمال نفعي ماهر في نيويورك بالظهور على التلفزيون من خلال برنامج الواقع «المتدرب»، الذي تصدرت نسب مشاهدته في أوقات الذروة لفترة. كان المكان في غرفة الاجتماعات في شركته، وفي كل موسم تتابع الحلقات مجموعة صغيرة من الشباب الذين يحاولون جمع المال لصالح شركة ترامب بينما يدخلون في منافسة شرسة مع بعضهم البعض. وفي كل حلقة يواجه المتدرب الذي حقق أقل قدر من النجاح احتمالية فقدان وظيفته - ويتشوق المشاهدون لمتابعة ترامب وهو ينطق قراره الأسبوعي قائلا: «أنت مطرود».
ذكرت غويندا قائلة: «أحب المشاهدون متابعة الشباب الناشئ وهم يقومون بأعمال غير معقولة مثل بيع عصير الليمون في الشارع». كان الأمر أشبه بمشاهدتهم وهم يُطردون من الجنة.
رشح ذاته للرئاسة لأول مرة في الثمانينات
كان ترامب، مثل كثير من رجال الأعمال الناجحين، يعطي ببذخ للحملات الانتخابية للمرشحين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء. خرج اقتراح بأن يرشح ذاته للرئاسة لأول مرة على سبيل الدعابة في الثمانينات في مجلة «سباي» الساخرة الشهيرة في نيويورك، والتي توقف إصدارها. ولكن تطرق ترامب علنا لفكرة الترشح خمس مرات قبل أن يتخذ الأمر بجدية أخيرا. على مدار عقود، بدا أنه يتبني آراء ليبرالية اجتماعيا في قضايا مثيرة للجدل داخل أميركا مثل حق الإجهاض، وفي حالات أخرى بدا أنه يتحدث من وجهة نظر جمهوري محافظ. وأخيرا في فترة رئاسة أوباما، تبنى ترامب خطاب نشطاء ينتمون إلى أقصى اليمين والذين يشككون في أن يكون أوباما قد ولد خارج الولايات المتحدة وبذلك ربما لا يُسمح له قانونا بتولي الرئاسة. يشار إلى أن الديمقراطيين والإعلام الليبرالي سخروا بلا رحمة من ترامب عندما أعلن عن ترشحه للرئاسة في العام الماضي، حتى أن موقع «هافنغتون بوست» أعلن أنه سينشر تقارير حملة ترامب الانتخابية في قسم أخبار الترفيه. وحتى الرئيس أوباما أساء إلى ترامب مرارا في وجهه أثناء حفل عشاء المراسلين السنوي في البيت الأبيض. ولكن كما اتضح مع مرور الوقت، استهانت تلك النخب الأميركية كثيرا بقدرات ترامب.
زوجة ترامب العارية
في تناول السؤال حول كيفية إدارة ترامب للبلاد إذا تم اختياره رئيسا، ربما يكون من المهم أن نسأل كيف كان يدير عائلته، كزوج لثلاث زوجات وأب لخمسة أبناء، وكيف تعامل مع الفشل في تجربتي طلاق صاحبتهما أخبار عن الخيانة والفضيحة.
* أضغط على هذا الرابط لمتابعة تفاصيل جديدة ومثيرة عن حياة ترامب وعائلته على موقع الشقيقة مجلة «المجلة»



تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
TT

تجميد واشنطن شحنة سلاح لإسرائيل... نقطة في بحر المساعدات

لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)
لافتة كُتب عليها «1500 طفل قُتلوا بقذائف أميركية» رُفعت خلال مظاهرة لإحياء يوم النكبة في ولاية تكساس الأميركية (إ.ب.أ)

استُقبل قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجميد شحنة قنابل ثقيلة لإسرائيل مطلع الشهر الحالي بموجة ترحيب وتهليل من الداعين إلى تغيير سياسة الدعم الأميركية لإسرائيل. لكن هذه الشحنة ليست إلا قطرة في بحر المساعدات الأميركية لتل أبيب التي تتصدر لائحة البلدان المتلقية هذه المساعدات، كما أنها لا تشمل إلا جزءاً بسيطاً من أسلحة هجومية تخشى الإدارة أن تستعملها إسرائيل في عملية رفح، مقابل الإبقاء التام على الأسلحة الدفاعية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل ولا يشملها قرار التجميد. وهذا تحديداً ما تحدث عنه بايدن قائلاً: «لقد أوضحت أنهم إذا دخلوا رفح، فلن أزوّدهم بالأسلحة التي استخدمت تاريخياً للتعامل مع رفح». لكنّه سرعان ما استدرك موضحاً في مقابلة مع شبكة «سي إن إن» بأن بلاده ستستمر في تقديم أسلحة دفاعية لإسرائيل، وأن التجميد يتعلق بجزئية رفح فقال: «سنواصل التأكد من أن إسرائيل آمنة في ما يتعلق بالقبة الحديدية، وقدرتها على الرد على الهجمات التي انطلقت من الشرق الأوسط».

والولايات المتحدة هي أكبر مصدّر للأسلحة في العالم. نفوذ تعتمد عليه للحفاظ على مكانتها كقوة عظمى توفّر سلاحاً قيّماً من خلال صفقات أسلحة دورية وباهظة الثمن من جهة، وتقديم مساعدات عسكرية لبلدان تحتاج إلى دعمها من جهة أخرى.

لكن هذه القوة مثيرة للجدل. فلطالما ارتبط النفوذ الأميركي بترويج الولايات المتحدة للديمقراطية، لتفرض الإدارات المتعاقبة على بعض البلدان شروطاً كثيرة مقابل تقديم هذه المساعدات والأسلحة والتساهل في تطبيقها مع بلدان أخرى؛ ما طرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير الأميركية فيما يتعلق بإسرائيل.

وجاءت حرب غزة، التي تزامنت مع سباق انتخابي محتدم بين الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترمب، لتدفع بقاطن البيت الأبيض إلى اتخاذ خطوة نادرة زعزعت العلاقة مع حليف الولايات المتحدة التاريخي: تجميد شحنة قنابل لتل أبيب تخوفاً من اجتياح رفح، في قرار واجه ردود فعل متفاوتة في الأوساط السياسية، من مرحّب بتطبيق الشروط الأميركية للضغط على إسرائيل للحد من سقوط الضحايا المدنيين، إلى مندّد بالتسبب بإيذاء العلاقات التاريخية بين البلدين.

 

رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون متحدثاً في مؤتمر صحافي لحث مجلس الشيوخ على الموافقة على قانون دعم المساعدة الأمنية لإسرائيل (إ.ب.أ)

سياسة «الشيك على بياض»

معلوم أن إسرائيل تتمتع بمكانة بارزة في سلم المساعدات الأميركية؛ إذ تتصدر لائحة المساعدات الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية. فبحسب أرقام لمجلس العلاقات الخارجية، حصلت تل أبيب على أكثر من 300 مليار دولار من الولايات المتحدة منذ العام 1946، منها أكثر من 220 مليار دولار من المساعدات العسكرية.

ولا يقتصر الدعم الأميركي الواسع النطاق لإسرائيل على حزب دون الآخر، بل يتساوى فيه الديمقراطيون والجمهوريون. وكان الكونغرس خصص مبلغاً يتراوح بين 3 مليارات و4 مليارات سنوياً لإسرائيل منذ العام 1970 ضمن المخصصات المالية العسكرية التي يقرّها المجلس التشريعي، ليصل المبلغ إلى ذروته الشهر الماضي مع إقرار مبلغ 15 مليار في إطار الدعم الأميركي لإسرائيل في حرب غزة، وهو مبلغ، بحسب مجلس العلاقات الخارجية، يتخطى أي تمويل فردي لتل أبيب منذ 50 عاماً.

لكن الطريق لم تكن سهلة أمام إقرار المبلغ المطلوب من قِبل الإدارة، فقد اصطدم بحائط التجاذبات الحزبية في موسم انتخابي حامٍ، فسعى عدد صغير من الجمهوريين والديمقراطيين إلى عرقلته لأسباب مختلفة. من جهة، طالبت الأقلية الجمهورية بالتركيز على الأزمات الداخلية الأميركية، كالهجرة على سبيل المثال، بينما عارض بعض الديمقراطيين التقدميين المبلغ بسبب انتهاكات إسرائيل حقوق الإنسان من جهة أخرى.

وسرعان ما هبّ صقور الجمهوريين للتصدي لهذه المساعي المعرقلة لإقرار التمويل، فأحبطوها وتم إقرار القانون بأغلبية أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في أبريل (نيسان) 2024، ليوقّع عليها بايدن وتصبح قانوناً ساري المفعول.

سوابق تاريخية

صحيح أنه بمجرد أن أعلنت إدارة بايدن عن تجميد شحنة الأسلحة، انهال الجمهوريون بوابل الانتقادات متهمين الإدارة الديمقراطية بالانحياز ضد تل أبيب، وإلى أن مسيرة الديمقراطيين أدت إلى تأزم العلاقات مع حليف الولايات المتحدة التاريخي في المنطقة، لكن الأدلة تقول غير ذلك. فإدارة الرئيس السابق باراك أوباما الديمقراطية هي التي وقّعت مذكرة التفاهم التاريخية مع إسرائيل في العام 2016 التي تعهدت بتخصيص 38 مليار دولار لتل أبيب على مدى 10 أعوام بدءاً من العام 2018.

كما أن الإدارات الجمهورية، وليست الديمقراطية هي التي سبق وأن فرضت قيوداً على إسرائيل بسبب انتهاكها الأعراف الدولية، بدءاً من إدارة رونالد ريغان في العام 1981 والتي جمّدت تسليم مقاتلات «F-16» أميركية لإسرائيل لمدة شهرين بعد أن قصفت مفاعلاً نووياً في العراق. وبعد ذلك بعام، في يوليو (تموز) 1982 جمّد ريغان شحنة من القذائف العنقودية لتل أبيب بعد أن استعملتها إسرائيل خلال اجتياح لبنان.

ولم يكن ريغان الرئيس الجمهوري الوحيد الذي اتخذ خطوات من هذا النوع، ففي مارس (آذار) 1992 أجّل جورج بوش الأب تسليم ديون بقيمة 10 مليارات دولار لإسرائيل بسبب مخاوف من مضي إسرائيل قدماً في خطط بناء مستوطنات في الضفة الغربية.

وحول ذلك، يقول كبير المستشارين العسكريين السابق في وزارة الخارجية الأميركية العقيد المتقاعد عباس دهوك: «قانون المساعدات الخارجية وقانون تصدير السلاح يوفران شروطاً واضحة، لكن التطبيق يعتمد على سياسات الإدارة داخلياً وخارجياً. واستعمال المساعدات العسكرية أداةً سياسية هي تقليد قديم في السياسة الخارجية الأميركية تتخطى التعامل مع إسرائيل».

لكن هذه المرة، جاء قرار التجميد كمفاجأة للداعمين والرافضين له على حد سواء.

فلم تمر أيام قليلة على التوقيع حتى أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، رداً على تسريبات صحافية، بأنها قررت تجميد إرسال شحنة من الأسلحة لإسرائيل. ويتحدث جون ألترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، عن هذا القرار، فيقول في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن «تجميد شحنة الأسلحة المؤلفة من قنابل قوية هي امتداد منطقي للجهود الأميركية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) لتغيير طريقة تفكير إسرائيل بهذه الحرب». ويضيف ألترمان: «منذ البداية حاول المسؤولون الأميركيون التشديد لإسرائيل بأنه ليس هناك حل عسكري بحت للصراع مع (حماس)، وعليها أن تفكر في حماية المدنيين الفلسطينيين لأنهم سيكونون أساس حكومة ما بعد الحرب. إن القلق بشأن تسليم القنابل هو أنها ستتسبب على الأرجح بضرر واسع النطاق لجهود إسرائيل في ضرب قادة (حماس)؛ وهو ما تعتقد الولايات المتحدة أنه سيضر بمصلحة كل من إسرائيل وأميركا». واعتبر ألترمان أن خطوة بايدن «هي بداية التغيير في السياسة الأميركية وقد تؤدي إلى بداية تغيير في السياسة الإسرائيلية».

في المقابل، لفت دهوك إلى أن القرار «نابع من دوافع سياسية بحتة»، وقال دهوك لـ«الشرق الأوسط»: «إدارة بايدن تتعرض لضغوط شديدة من الجمهوريين والديمقراطيين والناخبين الأميركيين وطلاب الجامعات لتمارس نفوذها على حكومة نتنياهو. وهذه الخطوة تعكس تقليداً قديماً في السياسة الخارجية الأميركية، حيث يتم استعمال المساعدات العسكرية كأداة سياسية».

وبالفعل، هذا ما تعول عليه الإدارة التي أكدت أنها ملتزمة بالقوانين الأميركية، وأن الأسلحة المجمدة لا تشمل أي أسلحة دفاعية، التزاماً بما يعرف بـ«قانون لايهي» الذي أقرّه الكونغرس في العام 1997، وتحسباً لتقرير مرتقب للكونغرس بناء على مذكرة تفاهم رئاسية أقرها بايدن في فبراير (شباط) 2024 عُرفت باسم «NSM-20».

موظفون في الكابيتول يرفعون لافتة للمطالبة بـ«إنقاذ رفح» قُبيل التصويت على قانون تجميد صفقة السلاح لإسرائيل (أ.ف.ب)

مذكرة الأمن القومي رقم 20

لم يأتِ قرار الإدارة بالتجميد، رغم ندرته، من فراغ، بل تزامن مع موعد تسليم الإدارة لتقريرها الملزم قانونياً إلى الكونغرس، بحكم المذكرة الرئاسية التي أقرّها بايدن في 8 فبراير 2024، وتعطي هذه المذكرة الرئاسية، التي تتمتع بصلاحيات قانونية، وزير الخارجية الأميركي فترة 45 يوماً لتوفير «ضمانات مكتوبة موثوقة وذات مصداقية» من حكومات الدول الأجنبية التي تحصل على مساعدات عسكرية أميركية والتي تواجه صراعات حالية كإسرائيل وأوكرانيا. وعلى هذه الضمانات أن تشمل تعهدات بأنها تستعمل المساعدات العسكرية بالتوافق مع القوانين الدولية الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان.

وفي حال فشلت هذه الحكومات في تقديم التعهدات المذكورة في الوقت المطلوب، يتم تجميد هذه المساعدات العسكرية باستثناء أنظمة الدفاع الجوي وأسلحة دفاعية أخرى، وهو ما فعلته إدارة بايدن جزئياً مع إسرائيل، بعد أن خلصت في تقريرها إلى أن الأدلة غير كافية بشأن انتهاك إسرائيل لقواعد استعمال الأسلحة الأميركي.

ويوافق كبير الموظفين السابق في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جايسون ستاينبوم على مقاربة بايدن في هذه الإطار، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل لديها «حق الدفاع عن نفسها لتدمير (حماس)، لكن لديها أيضاً واجب الحد من وقوع الضحايا المدنيين على قدر المستطاع والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وهي لم تقم بهذا بالشكل الكافي، والرئيس بايدن محق في وضع شروط على المساعدات العسكرية الهجومية لإسرائيل على ضوء تصرفاتها في رفح ومع المدنيين في غزة».

يرى بعض المنتقدين أن هذه المذكرة التي أقرّها بايدن لم تكن سوى أداة سياسية وظفها الرئيس الأميركي لاسترضاء الشق التقديم من حزبه والذي يعارض سياسته في حرب غزة، ويشير هؤلاء إلى وجود قوانين أميركية كقانون المساعدات الخارجية وقانون لايهي الذي يحتوي فعلياً على الشروط نفسها.

قانون لايهي

في العام 2017 كتب السيناتور الديمقراطي حينها باتريك لايهي مشروع قانون يحُول دون تقديم مساعدات عسكرية للوحدات الأمنية في دول أجنبية تنتهك حقوق الإنسان، ليقرّه الكونغرس في إطار قانون المساعدات الخارجية. فبالنسبة للسيناتور عن ولاية فيرمونت، الذي خدم في الكونغرس منذ العام 1975 وتقاعد في 2023 عن عمر يناهز 81 عاماً، يحرص قانونه على «وقف المساعدات الأميركية عندما تكون هناك أدلة واضحة وموثوق بها عن انتهاكات لحقوق الانسان»، لكن القانون يعطي الصلاحية للإدارة الأميركية بتخطيه «للسماح بتقديم أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في هذه البلدان».ويقول ستاينبوم إن القانون لا ينطبق على مبيعات الأسلحة، ويشرح قائلاً: «إن تطبيق قانون لايهي معقد؛ فالقانون يشمل الأسلحة ضمن المساعدات الأميركية، لكن الأسلحة الاخرى التي باعتها أميركا لإسرائيل لا تقع ضمن القانون المذكور. إذن، سيتطلب نظر الحكومة الأميركية في الانتهاكات المتعلقة بالقانون وقتاً طويلاً». مضيفاً: «إن فرض شروط على تسليم الأسلحة هي إشارة تدل على خلاف جدي بين البلدين اللذين عادة ما يسعيان جاهدين إلى عدم إظهار خلافاتهما إلى العلن».

وساهم السيناتور لايهي المخضرم في رسم صورة جديدة للمساعدات الأميركية وتاريخها الطويل الذي مرّ بمراحل كثيرة منذ سعيها إلى تغيير مسار الأنظمة الشيوعية خلال الحرب الباردة، مروراً بالتصدي للاتجار بالمخدرات في التسعينات ووصولاً إلى مواجهة الأفكار المعادية للغرب في الأعوام اللاحقة. فالولايات المتحدة هي من البلدان الأبرز التي تقدم مساعدات عسكرية خارجية وتوفر تدريبات عسكرية للجيوش وقوى الأمن الاجنبية، ففي العام 2012 على سبيل المثال، وصلت النفقات الأميركية على برامج من هذا النوع إلى أكثر من 25 مليار دولار قدمتها لنحو 100 بلد حول العالم.

ويقول ألترمان رداً على الاتهامات لأميركا بازدواجية المعايير في تطبيق الشروط على تسليم الأسلحة: «هناك قيود قانونية على المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة وبعض الاستثناءات التي تسمح للرئيس بالتصرف في بعض القضايا لتقديم مصلحة الأمن القومي، حتى إن لم يتم احترام الشروط المذكورة. بشكل عام، إن حافز الولايات المتحدة هو تقديم المصالح القومية».

 

هل تتأثر عملية رفح؟

أطفال فلسطينيون يتفقدون مكان قذيفة إسرائيلية في رفح (أ.ف.ب)

وفي خضم الجدل الدائر حول السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وتجميد شحنة القنابل في مساعي للضغط على تل أبيب للتراجع عن اجتياح رفح، يقول ألترمان: «لعقود تصرفت الولايات المتحدة على افتراض أن إسرائيل تعيش في بيئة تهديد خطيرة، وأن لديها فهماً جيداً للتهديدات التي تواجهها وقدرة مستقلة قوية للتصدي لهذه التهديدات. كما كان هناك تصور بأنه إذا شعرت إسرائيل بالأمان فستكون قادرة على تقديم تنازلات للسلام، لكن عندما تشعر بالتهديد فمن المستبعد ان تقوم بذلك».

واعتبر ألترمان أنه فيما يتعلق برفح، فإن الطرفين الأميركي والإسرائيلي لا يتوقعان أن خطوة الادارة هذه سوف تؤدي إلى تغيير فوري في خطط إسرائيل.ويوافق دهوك مع هذا التقييم مشيراً إلى أنه ورغم أن قرار بايدن بتجميد شحنة الذخيرة خلق انتقادات سياسية بسبب الضغوط الداخلية فان التأثير المباشر على العمليات في رفح هو بسيط جداً، مضيفاً: «الجيش الإسرائيلي يملك طرقاً بديلة لشن مهامه العسكرية ويستفيد من توجيهات الجيش الأميركي للحد من الخسائر في الارواح والممتلكات من الطرفين».

أما ستاينبوم فيعتبر أن «إسرائيل بلد مستقل وستقوم بما تعتقد أنه ضروري لحماية أمنها القومي»، مشيراً إلى أنها تجاوبت مع بعض المطالب الأميركية عبر السماح بدخول بعض المساعدات الانسانية لغزة «لكن لا يبدو أن هذه القيود المحدودة على الأسلحة الأميركية أدت بشكل جدي إلى تغيير مقاربة إسرائيل فيما يتعلق برفح»، على حد تعبيره.