موسكو تبدي بعض الليونة عشية انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات السورية

ما زالت مصرة على إشراك الأكراد في جنيف

موسكو تبدي بعض الليونة عشية انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات السورية
TT

موسكو تبدي بعض الليونة عشية انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات السورية

موسكو تبدي بعض الليونة عشية انطلاق الجولة الجديدة من المفاوضات السورية

أعرب ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، عن تفاؤله إزاء نتائج الجولة الجديدة من المفاوضات التي ستنطلق في جنيف يوم غد. وفي سياق عرضه لنتائج لقاءاته مع شخصيات من المعارضة السورية في القاهرة مؤخرًا قال بوغدانوف إن موسكو تنتظر بتفاؤل الجولة الجديدة من المفاوضات السورية في جنيف، موضحًا أنه التقى مع أربع شخصيات معارضة، هم ممثلون عن «مجموعة القاهرة» ومعهم أحمد الجربا بصفته رئيس حركة «الغد»، بينما لم تحضر شخصيات معارضة أخرى اللقاء، في إشارة منه إلى «الهيئة العليا للمفاوضات» التي قال المتحدث الرسمي باسمها في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنهم لم يتلقوا دعوة للقاء مع بوغدانوف.
ولم يوضح نائب وزير الخارجية الروسي المواضيع التي تناولها مع من التقاهم من ممثلي المعارضة السورية، مكتفيا بالقول إنه أجرى حديثًا مع تلك الشخصيات التي التقاها من «مجموعة القاهرة»، بينما تمكن من الحديث بشكل مفصل مع أحمد الجربا حول كل القضايا. ووصف بوغدانوف الموقف الذي يعتمده الجربا بأنه «موقف متزن»، لافتًا إلى أن الرئيس سابقًا للائتلاف الوطني، وزعيم حركة «غد» غد حاليا «لا يشارك في وفد الهيئة العليا للمفاوضات».
مصادر متقاطعة من أجواء لقاء بوغدانوف مع معارضين سوريين في القاهرة، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاء كان أقرب إلى «جلسة حديث ودية»، جرى خلالها تناول مختلف جوانب التسوية السورية دون التركيز على أمر معين، بل عرض عام للأفكار، بما في ذلك فكرة تشكيل المجلس العسكري، والتي أتى الحديث عنها في سياق استعراض أفكار يجري تداولها، وليس كفكرة مقترحة حاليًا من جانب الروس أو غيرهم.
وكما في كل التصريحات الروسية حول الشأن السوري توقف بوغدانوف عند موضوع مشاركة الأكراد في المفاوضات السورية، حيث تسعى موسكو إلى ضم صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي إلى وفود المعارضة السورية. في هذا الشأن بدا بوغدانوف أكثر ليونة من السابق، إذ أكد أن موسكو ستواصل محاولاتها لضم الأكراد إلى المفاوضات، مشككًا بإمكانية تحقيق هذا الأمر خلال الجولة المرتقبة من مفاوضات جنيف، وألقى بالكرة في هذا الخصوص إلى ملعب دي ميستورا حين قال إن «المحادثات بشأن إشراك الأكراد في المفاوضات يجريها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا».
ورأى المراقبون في كلام بوغدانوف الأخير حول مشاركة الأكراد، ممثلين وفق روسيا، بحزب الاتحاد الديمقراطي وزعيمه صالح مسلم، في مفاوضات جنيف، محاولة روسية للنأي بعض الشيء عن هذه المسألة، خلال هذه المرحلة على الأقل، تفاديا لتعكير الأجواء عشية انطلاق جولة جديدة من المفاوضات. وهم كانوا قد أرسلوا إشارات إيجابية يوم أول من أمس عبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية حين نفى ما قاله رئيس حكومة النظام وائل الحلقي حول هجوم بدعم روسي على حلب، وأكد الجنرال الروسي عدم وجود أي خطط لدى الهيئة العامة للأركان الروسية لشن هجوم على مدينة حلب بالتعاون مع القوات السورية.
وإذا كانت روسيا قد أبدت مرحليا بعض الليونة بشأن ضم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى المفاوضات، فإنه من الواضح أنها لم تتخل عن دعمها للأكراد وتعاونها معهم ضمن رؤية مستقبلية للوضع في سوريا، وهذا ما تدل عليه تصريحات أليكسي بوشكوف رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما (مجلس النواب) الروسي، الذي أكد يوم أمس أن «موقف روسيا يقوم على ضرورة أن يتم تمثيل الأكراد في المفاوضات في جنيف، ونحن نعتقد أنهم يجب أن يكونوا جزءا من الاتفاقية»، ويقصد بذلك ما ستتفق عليه الأطراف السورية، لافتًا إلى أن «الموقف الروسي في هذا الشأن يواجه معارضة قوية من جانب تركيا وحلفائها»، ومؤكدًا أنه رغم ذلك «لا يبدو ممكنًا تجاهل الأكراد وضرورة مشاركتهم في حل الأزمة».



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.