سعداوي: علينا أن نعترف بأننا ساهمنا في إنتاج الضحايا

استخدم شخصية فرانكشتاين رمزا يعبر عن مشكلات العراق الراهنة

أحمد سعداوي حاملا روايته المرشحة لجائزة بوكر
أحمد سعداوي حاملا روايته المرشحة لجائزة بوكر
TT

سعداوي: علينا أن نعترف بأننا ساهمنا في إنتاج الضحايا

أحمد سعداوي حاملا روايته المرشحة لجائزة بوكر
أحمد سعداوي حاملا روايته المرشحة لجائزة بوكر

تفجرت مشكلة الهوية الوطنية بصورة عنيفة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين، إذ تلاشت الهوية الوطنية وفق الوصفة الإدماجية التذويبية التي اعتمدت على مدى قرن.
فرانكشتاين العراقي يطلب الثأر للضحايا، ولكنه مكون من ضحايا تابعين لفئات متعددة، وكل فئة ترى في الفئة الأخرى عدوا، لهذا سينتهي هذا الفرانكشتاين إلى قتل نفسه بنفسه، وهو التمثيل الحكائي لعملية قتل الجميع للجميع على أرض الواقع.
لم يكن مستغربا وصول اسم أحمد سعداوي إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2014 فالكاتب العراقي الشاب، 40 سنة، لفت الأنظار إليه بشكل ملحوظ بعد صدور روايته الثالثة «فرانكشتاين في بغداد» (2013، منشورات الجمل) التي تتناول ثيمة العنف، إحدى أكثر القضايا إلحاحا في الساحة العراقية اليوم وذلك بأسلوب غرائبي يتجاوز حدود الواقع مما «يوفر متعة أكبر للقارئ ويطل من زاوية غير معهودة».
فيما يلي نص الحوار مع أحمد سعداوي.
* ثيمة «فرانكشتاين» نجدها في الكثير من أفلام الرعب الأميركية وتعود أصلها إلى رواية «فرانكشتاين» للكاتبة البريطانية ماري شيلي. هل «فرانكشتاين في بغداد» هي استيحاء لتلك الثيمة وإسقاطها على الواقع العراقي؟
- في الرواية هناك إشارتان إلى فرانكشتاين بهذا الاسم الصريح، الأولى في تعليق الصحافية الألمانية على ما كان يرويه هادي العتاك في المقهى، حين أشارت إلى محمود السوادي بأن هذا الرجل يستوحي قصته من فيلم لروبرت دي نيرو، والمقصود به طبعا هو فيلم فرانكشتاين. والإشارة الثانية ما قام به رئيس تحرير مجلة «الحقيقة»، علي باهر السعيدي، بتغيير عنوان مقالة محمود السوادي من «أساطير من الشارع العراقي» إلى «فرانكشتاين في بغداد»، أما خارج هاتين الإشارتين فإن مجتمع المدينة الذي تعامل مع شخصية الوحش الغريب كان يسميه «الشسمه» أو «الذي لا اسم له»، ولربما لم يكن معنيا بأنه يشبه فرانكشتاين أو لا.
في كل الأحوال فإن فرانكشتاين بغداد فيه معالجة مختلفة عن فرانكشتاين ماري شيلي، وهو هنا رمز مكثف يعبر عن مشكلات العراق الراهنة، كما أن أجواء الرعب الفرانكشتاينية كانت حاضرة بقوة خلال الفترة التي جرت فيها أحداث الرواية.
* حدثنا عن شخصية «الشسمه» أو فرانكشتاين، تلك الجثة التي «لا تشير إلى شخص أو كائن محدد» وطبيعة «المهمة النبيلة» التي يقوم بها هذا الكائن ذو «الهيئة البشعة وفم كأنه جرح في الوجه»؟
- داخل العمارة الهيكل في حي الدورة التي اتخذها «الشسمه» مقرا له، يتم في واقع الأمر، وبطريقة تمثيلية سردية، التشريح الدلالي لرمزية الشسمه. فنرى أنه يحمل ثلاث قراءات، وكل قراءة أنتجها أحد المجانين الثلاثة. القراءة الأولى؛ أن هذا الشسمه بما أنه مكون من جذاذات عراقيين من مختلف الأعراق والطوائف والإثنيات فإنه العراقي الكامل، أو المثال النادر لذوبان الجميع في هوية واحدة، وهي المعضلة المزمنة التي ظل يعاني منها العراق على مدار تشكله منذ بدايات القرن العشرين إلى اليوم، وتفجرت مشكلة الهوية الوطنية بصورة عنيفة ما بعد إسقاط نظام صدام حسين. حيث تلاشت الهوية الوطنية وفق الوصفة الإدماجية التذويبية التي اعتمدت على مدى قرن.
القراءة الثانية؛ أن هذا الوحش هو المخلص، بما أنه يحمل رغبة الثأر لكل الضحايا، لذا فإن جلب العدالة للضحايا المتكاثرين في عراق اليوم يعني تحقيق الخلاص للجميع. وهنا نرى طيفا للرؤى الميتافيزيقية عن فكرة المخلص، وكيف أن الخلاص يلقى دائما، وفق هذه الرؤية، على عاتق شخص واحد. والرواية تشكك ضمنا من أن الخلاص يمكن أن يتحقق على يد شخص واحد، فهذه المطامح والآمال غالبا ما كانت مسارات تشكل الديكتاتوريات السياسية في بلداننا العربية والشرق أوسطية. وهي للأسف، عراقيا، ما زالت موجودة وفاعلة، ولم تنته بنهاية نظام صدام الديكتاتوري.
القراءة الثالثة؛ أن هذا الوحش هو قائد الخراب الشامل، وبدل تجرع الخراب بالتقطير وعلى شكل جرعات صغيرة فمن الأفضل أن يحل الخراب الشامل. وهنا يغدو الشسمه هو التجسد الدرامي لفكرة الخراب التي اشتعلت وظلت تتصاعد مثل كرة مسرعة على منحدر.
من هذه القراءات الثلاث يتشكل وجه فرانكشتاين العراقي، ليعكس هذا الوجه، في واقع الحال، جوهر ما كان يجري، وما زال، في أنفس المكونات والأعراق ونظرتها تجاه بعضها بعضا، ونظرة الجميع تجاه الخلاص، أو تجاه ما يمكن أن يكون هوية وطنية جامعة تشمل الجميع.
* ما يميز روايتك هو تناول المأساة العراقية من زاوية غرائبية، تختلف عن طرق السرد التقليدية في أعمال عدة تعاطت مع الموضوع العراقي نفسه. ففي «فرانكشتاين في بغداد» هناك شخصيات لا نصادفها في الحياة اليومية مثل «الساحر» و«السفسطائي» و«المجنون الصغير» و«المجنون الكبير» و«المجنون الأكبر». كيف تصف لنا هذه التجربة؟
- ظهرت هذه الشخصيات في الفصل العاشر الذي يتميز بأنه يجري على لسان الشسمه. وهي شخصيات رمزية جدا أكثر من كونها واقعية. ولكنها توحي بنماذج محورية وأساسية موجودة في الواقع العراقي. السفسطائي مثلا هو شخصية تقارب، داخل مجتمع الرواية، شخصية علي باهر السعيدي، وشخصية الساحر تشبه شخصية المنجم الكبير الذي يعمل في مكتب العميد سرور مجيد.
وبالإضافة إلى الحرية الأوسع في التمثيل والإحالة الرمزية الذي يوفره الإطار الفانتازي الذي جرت به معظم أجزاء الرواية، فإن الفانتازيا هنا توفر مساحة لمتعة أكبر في التناول والقراءة، والإطلالة من زاوية غير معهودة في النظر إلى واقع محتدم، كما أنه أعطى لمسة من المرح لطف القسوة الموجودة في الأحداث، ولمسة المرح هنا كأنها تريد أن تقول بأنه لا يوجد شيء نهائي. فالتناول شديد الميلودرامية والوصف الكئيب والجاد للمآسي يعطي إشارة مبطنة للقارئ بأن هذا واقع قدري دائم لا فكاك منه، وهذا منهج فيه ميل رومانتيكي غير واقعي. يعطي صورة مبالغ فيها للقارئ الغريب، ولا يمنح القارئ العراقي فرصة للتنفس، فيهرب من بشاعة يعرفها في الواقع ليراها معكوسة في النص الروائي مع إيحاءات بلا نهائية العذاب. وهذه قسوة كبيرة لا مبرر لها.
* في الفصل الثالث من الرواية وهو بعنوان «روح تائهة» تنتقل إلى عالم الأموات حيث أرواح الضحايا تبحث عن جثثها. هناك من يعتقد أن هذا قد يبعد العمل عن واقع العراق اليوم. ما تعليقك على ذلك؟
- هذا الفصل له وظيفة بنائية مع الفصول الأخرى، ويسرد كيف جاءت الروح التي حلت في «الشسمه»، كما أنه بشكل عام يعكس اعتقادات عامة تعتمل في أنفس الكثير ممن فقدوا أبناء وأحبة، ولم يعثروا على جثث كاملة لهم كي يدفنوها، فهم يتخيلون أن أرواح أبنائهم تظل محلقة تبحث عن جثثها. والصورة الأعمق أننا جميعا، خلال فوضى العنف، كنا نتحرك مثل أرواح تائهة، لا تعرف لحظة استقرار وشعور بالأمان.
هناك من القراء ممن تعاطف كثيرا مع هذا الفصل تمنى أن يكون أكثر طولا، وهو بالفعل أقصر فصول الرواية، وسبب هذا التعاطف هو المسحة الغنائية التي فيه. ولكني رأيت طوله مناسبا حتى لا تطغى المسحة الغنائية. وأن تبقى هذا اللمسة بالحدود المعقولة لتنوع الانفعالات الموجود في الرواية.
* هل العراق في هذا الزمن الذي يختفي فيه الكثيرون من دون سبب معقول بحاجة إلى فرانكشتاين يجسد ثقافة الثأر بكل معانيها؟
- بالتأكيد لا. وهذا ما أرادت الرواية إيصاله. فهذا الفرانكشتاين الذي ترى كل فئة نفسها فيه، يعكس في واقع الحال معايير خاصة جدا لمفاهيم العدالة والجزاء والثأر والقصاص، فمفهوم العدالة عند فئة حين يتم تطبيقه على الأرض يتحول إلى ظلم لدى الفئة الأخرى. وحين تسود المعايير الخاصة فإننا في الحقيقة سنعيش أجواء حرب أهلية.
فرانكشتاين العراقي يطلب الثأر للضحايا، ولكنه مكون من ضحايا تابعين لفئات متعددة، وكل فئة ترى في الفئة الأخرى عدوا، لهذا سينتهي هذا الفرانكشتاين إلى قتل نفسه بنفسه، وهو التمثيل الحكائي لعملية قتل الجميع للجميع على أرض الواقع. فرانكشتاين هنا يمثل التشخيص المرئي للأزمة الكبرى، ولا يمثل الحل.
* تقول إحدى الشخصيات «كل المآسي التي نمر بها لها مصدر واحد الخوف» إلى أي مدى يشغل الخوف عقول العراقيين اليوم؟
- أتذكر في الأيام الأولى للاحتلال وسقوط نظام صدام، كان الجيش الأميركي يقيم في معسكراته، ولا يقوم بشيء لحفظ الأمن العام داخل بغداد. كانت المدينة دون أي شرطي. وكذلك الأمر مع مدن عراقية أخرى، وظل هذا الحال لعدة أسابيع. كنا نعيش في لحظة تصفير غريبة جدا. وفي تلك الفترة كان من الممكن في الأحياء الشيعية أن يهتف شخص ما خلال الليل بشائعة ما لإشعال الأجواء بإطلاقات رصاص متلاحقة تستمر أحيانا حتى ساعات الفجر الأولى. وهذه الإطلاقات والأسلحة غنمها المسلحون من معسكرات الجيش العراقي السابق المتروكة. ولا يشغل أحد باله بالتحقق من حقيقة هذه الشائعة. لأن الخوف الشديد يجعلها حقيقة واقعة.
في الضفة الأخرى، أغلقت المحال التجارية في أحد أسواق مدينة الموصل أبوابها، مع شائعة قوية جعلت الجميع يغادر بسرعة، بأن الشيعة قادمون. ثم تبين لاحقا أنهم بضعة أفراد من الشيعة التركمان كانوا يسيرون في موكب عزاء حسيني. وتكمن المفارقة هنا أن الموصل تربض في الشمال في محيط سني وبعيدة تماما عن أي كثافة سكانية شيعية.
هذا الخوف الذي انطلق مثل مارد من القمقم ما زال يتحرك في أنفس العراقيين بأشكال مختلفة، وهو في الحقيقة ما جعل عراقيين كثر يسلمون قياد أمرهم إلى المسلحين والمتطرفين خلال أيام العنف الطائفي في 2006 - 2007 بحيث بإمكانك أن تسمع مثقفين علمانيين يدافعون عن الميليشيات الدينية لا لشيء إلا لاعتقادهم أن هذه الميليشيات تحميهم وعائلاتهم.
* يحفل عملك بمجموعة من الثنائيات المتناقضة مثل جسد «الشسمه» المكون من لحوم «ضحايا» و«مجرمين»، «الوجه الملائكي» للقديس كوركيس و«هيئته الحربية»، شكل هادي العتاك «المنفر» ومهمته «النبيلة». لماذا لجأت إلى هذه الثنائيات؟
- في القراءة التي تجعل ماركوركيس أحد مصادر تشكل الشسمه، فإن العجوز إيليشوا فهمت أن الوحش البشع جاء من الجانب الحربي من شخصية ماركوركيس. أما الجانب الملائكي فهو الذي جلب لها الحفيد دانيال. لذلك هي أخذت معها الوجه الملائكي من صورة القديس فقط حين سافرت وتركت بيتها.
أما قضية لحوم الضحايا والمجرمين، فهذا التناقض هو ما نعيشه في واقع الحال. فلا أحد يستطيع اليوم أن يدعي بأنه ضحية كاملة، وأنه لم يساهم، بشكل من الإشكال، في إدامة جو العنف وإنتاج الضحايا. هناك قصص كثيرة في الواقع اليومي، كتبت عن بعضها في الصحافة، تشير إلى حالات التشفي بالضحايا الذين يسقطون، لا لشيء إلا لأنهم من مكون وطائفة أخرى. وهذا المتشفي لا يمكن له أن يدعي أنه بريء من الدم أو على الأقل من المسؤولية الأخلاقية عن الدم. حتى الصامت والذي يحاول أن يقف على الحياد، فهو تخل عن إمكانية أن يقوم بدور إيجابي ما، مهما كان صغيرا، لإيقاف دوامة العنف. وإذا كان هناك درس بليغ ولحظة أخلاقية مهمة يمكن أن نقف عندها اليوم كعراقيين فهي هذه اللحظة؛ حين نعترف بأننا لسنا ضحايا كاملين، وأننا ساهمنا في إنتاج الضحايا بشكل من الأشكال.
أما ما يتعلق بهادي العتاك فهو الذي ادعى أن مهمته نبيلة، بينما كان الشسمه الذي ولد على يديه يقول بأنه مجرد قناة لخلق أمر أكبر منه.
* ما المراحل التي مرت بها كتابة «فرانكشتاين في بغداد»، وما الجديد الذي أضافته على أعمالك الروائية السابقة «الزمن الجميل» و«إنه يحلم أو يلعب أو يموت»؟
- استغرقت كتابة الرواية نحو أربع سنوات، منذ تخلق الصورة الأولى عن الرواية وحتى اكتمالها كنص جاهز للطبع، ولكن تخلل ذلك توقفات كثيرة، واستغرقت وقتا ليس بالقصير في عملية البحث وإجراء مقابلات والتقاط صور وجمع معلومات كثيرة. لم أستخدمها كلها. وظهر أول مقطع من الرواية منشورا في موقع «كيكا» على النت في صيف 2008. ولكنه كان من المسودة الأولى، كما ظهر من هذه المسودة فصلان بالعربي والإنجليزي في أنطولوجيا بلومزبيري التي أعدتها لنصوص الفائزين في مسابقة بيروت 39 لأفضل الكتاب العرب دون سن 40 في أبريل (نيسان) 2011.
عمليا كتبت ثلاث مسودات للرواية، وصنعت جداول واستخدمت أقلام ماجيك ملونة في تحديد مسارات الشخصيات وكثافة حضورها داخل النص وأشياء كثيرة أخرى، وأنفقت وقتا في المراجعة والتدقيق، من أجل أن تخرج الرواية بشكل متكامل قدر الإمكان.
* ماذا يعني لك وصول ثالث رواياتك إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)؟ وهل كنت تتوقع ذلك؟
- أنا كنت أتوقع أن تحقق الرواية تأثيرا طيبا لدى القراء، وهذا ما تحقق، بحيث نفدت الطبعة العربية الأولى من الرواية حتى قبل ظهور نتائج البوكر في القائمة الطويلة. أما عن البوكر نفسها، فأنا لم أضع في حساباتي أنها ستشارك أو لا تشارك، فالقرار هنا عائد للناشر وليس المؤلف. وكنت سعيدا بالطبع حين دفعها الناشر إلى المسابقة رغم أني لم أفاتحه بذلك، ورغم ثقتي بالعمل الذي قدمته لكن من الصعب الادعاء بالتوقعات الممكنة، خصوصا مع الحجم الكبير للمشاركات (156 رواية) في هذه الدورة من البوكر العربية.
وصول الرواية إلى القائمة القصيرة هو حدث مهم، وهو بحد ذاته شهادة تضاف إلى الرواية، ووفر لها مساحة أكبر من الانتشار. أما إذا صارت هي البوكر 2014 فهذا ما سيكون حدثا مهما ليس على المستوى الشخصي فحسب، وإنما للرواية العراقية الجديدة بشكل عام.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.