البرلمان المصري.. الأعرق عربيًا وأفريقيًا

يعد مجلس النواب المصري (البرلمان)، هو السلطة التشريعية، حيث يتولى اختصاصات مختلفة نص عليها الدستور، ومنها: سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية. وهو المجلس الخامس عشر في تاريخ الحياة النيابية المصرية بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952.
ووفقا لدراسة أعدتها «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر فإن مصر الحديثة عرفت النظام النيابي منذ أكثر من 190 عاما، لتعد الأعرق عربيا وأفريقيا في الحياة النيابية. فعلى امتداد تلك الفترة شهدت الحياة النيابية الكثير من التطورات والمسميات لمجالسها النيابية، بدءًا من المجلس العالي الذي تكون في عهد محمد علي عام 1824، مرورا بمجلس المشورة عام 1829، الذي ألغي عام 1837 وحل مكانه مجلسان هما: المجلس الخصوصي لسن القوانين، والمجلس العمومي لبحث ما تحيله إليه الحكومة من أمور.
وظهر أول مجلس برلماني منتخب في مصر عام 1866 في عهد الخديو إسماعيل وهو مجلس شورى النواب، الذي يعد البداية الحقيقية للحياة النيابية في مصر. ثم جاء الاحتلال البريطاني وتكون البرلمان من مجلسين، مجلس شورى القوانين، والجمعية العمومية.
وفي يوليو عام 1913 تم إلغاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وتم إنشاء الجمعية التشريعية التي تكونت من 83 عضوًا. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى، قامت ثورة 1919 وصدر أول دستور لمصر المستقلة عام 1923، والذي تم العمل فيه بنظام المجلسين، وهما: مجلس الشيوخ ومجلس النواب.
وعقب ثورة 23 يوليو، مرت السلطة التشريعية بمراحل متعددة فحتى عام 1956 لم يكن هناك مجلس تشريعي، ومع صدور دستور 1956 استحدث نظام المجلس النيابي الواحد بدلاً من مجلسين، والنص على ترشيح الاتحاد القومي لأعضاء مجلس الأمة وقد بلغ أعضاء هذا المجلس 342، قبل أن يتم حله بمناسبة قيام الوحدة بين سوريا ومصر في فبراير (شباط) 1958، حيث تشكل مجلس الأمة الجديد من 600 عضو (400 من مصر و200 من سوريا).
وأجريت أول انتخابات برلمانية في عصر الرئيس أنور السادات في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 1971، حيث تغير اسم مجلس الأمة إلى مجلس الشعب وتكون من 350 عضوًا، بالإضافة إلى عشرة أعضاء معينين. وقد شهدت مصر تحولاً سياسيًا مهمًا في عام 1976 بإعلان نظام المنابر وهي: «مصر العربي الاشتراكي» (الوسط)، و«الأحرار الاشتراكيين» (اليمين) و«التجمع الوطني الوحدوي التقدمي» (اليسار) داخل الاتحاد الاشتراكي.
واستمر مجلس الشعب في عهد الرئيس الأسبق مبارك، حيث أجريت أول انتخابات تشريعية في 23 يونيو (حزيران) 1984، وذلك وفقًا لنظام القوائم الحزبية وقسمت الجمهورية إلى 48 دائرة (448 عضوًا) مع تخصيص 31 مقعدًا للمرأة، واستمر الوضع والعمل بمجلسين (الشعب والشورى) حتى ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ومن بعدها ثورة 30 يونيو 2013.
بعد إقرار الدستور الجديد في 2014، والذي تضمن في مادته (245) إلغاء مجلس الشورى، أصبحت السلطة التشريعية في مصر تقتصر على نظام المجلس الواحد، وهو مجلس النواب، الذي يتكون من ممثلي الشعب المنتخبين، وتبلغ مدة عضوية المجلس خمس سنوات ميلادية، تبدأ من تاريخ أول اجتماع له.
** تكوين مجلس النواب:
يتألف مجلس النواب من 568 عضوا، بالإضافة إلى عدد من الأعضاء يعينهم رئيس الجمهورية لا يزيد على 5%، وتقسم الجمهورية لعدد 4 دوائر للانتخاب بنظام القائمة المغلقة المطلقة و205 دوائر انتخابية بالنظام الفردي. وبهذا يصبح عدد مقاعد المجلس المخصصة للنظام الفردي 448 مقعدًا و120 مقعدًا للقوائم، بالإضافة إلى 27 مقعدًا على الأكثر يعينهم رئيس الجمهورية.
** مقر مجلس النواب
يقع مقر مبنى البرلمان الشهير في شارع «القصر العيني» بوسط القاهرة، ويشغل ثلاثة مبان شيدت في فترات تاريخية متعاقبة على مساحة قدرها 11.5 فدان تقريبا أي ثمانية وأربعين ألفا وثلاثمائة متر مربع، فضلاً عن عدة مبان إضافية للخدمات المعاونة والصيانة والمخازن ومسجد المجلس.
شيد المبنى للمرة الأولى على يد الخديوي إسماعيل، عام 1878، وكان مخصصا لديوان نظارة الأشغال العمومية، وارتبطت به الحياة النيابية المصرية بعد أن عقد مجلس النواب المصري أول اجتماع له بداخله في السادس والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1881.
ويعد مبنى البرلمان المصري تحفة معمارية، كانت محركًا أساسيا في الكثير من الفصول السياسية التي شهدتها الحياة النيابية في مصر، فقد شيد على طراز جمع بين الأساليب المعمارية الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وبين التأثيرات الإسلامية في العمارة والفنون.
ويتكون المبنى من قاعة رئيسية مستديرة، يبلغ قطرها 22 مترا، وارتفاعها 30 مترا، تعلوها قبة يتوسطها جزء مستدير مغطى بالزجاج، وتعد هذه القبة أشهر ما يمثل مبنى المجلس عبر العصور. وتتكون القاعة الرئيسية من طابقين بكل منهما شرفة، وأكثر ما يتصدر في منتصف القاعة شعار جمهورية مصر العربية، ثم منصة الرئاسة، ويلحق بالقاعة عدة أجنحة، منها البهو الفرعوني واستراحة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.
وقد دخل ضمن مبنى البرلمان في السنوات الأخيرة مبنى تاريخي آخر كانت تشغله وزارة الري والأشغال العامة، وهو مبنى يحمل نفس الطراز المعماري لمبنى البرلمان.
وتجرى أعمال الصيانة والترميم بشكل دائم للحفاظ على هذه القيمة المعمارية والتاريخية المهمة. ويضم المبنى العريق مكتبة البرلمان الشهيرة، وقد أنشئت عام 1924، وضمت المجموعات الخاصة بالمجالس السابقة، كالمضابط وهدايا بعض الأعضاء، ثم انضمت المكتبتان لتصبحا مكتبة مجلس الأمة عام 1957، وتغير اسمها لتصبح مكتبة مجلس الشعب عام 1971، ومنذ عام 1989 أضيفت للمكتبة إدارة أخرى، وأنشئ قطاع المعلومات، وأصبحت من أكبر المكتبات البرلمانية في العالم العربي، ويشغل قطاع المعلومات ثلاثة طوابق (الثالث والرابع والخامس) من مبنى المجمع الذي يضم خمس قاعات وست حجرات. كما يضم مبنى البرلمان متحًفا يضم نسخا أثرية لأقدم نظم الحكم والتشريعات والقوانين في تاريخ الإنسانية.