9 أبريل.. يوم يستذكره العراقيون مرتين

مرة لتخلصهم من قبضة صدام الحديدية.. وأخرى لصب مزيد من غضبهم على السياسيين

عراقي يعاين قاعدة تمثال صدام حسين الذي أسقطه الأميركيون في 9 أبريل 2003 في ساحة الفردوس ببغداد (أ.ف.ب)
عراقي يعاين قاعدة تمثال صدام حسين الذي أسقطه الأميركيون في 9 أبريل 2003 في ساحة الفردوس ببغداد (أ.ف.ب)
TT

9 أبريل.. يوم يستذكره العراقيون مرتين

عراقي يعاين قاعدة تمثال صدام حسين الذي أسقطه الأميركيون في 9 أبريل 2003 في ساحة الفردوس ببغداد (أ.ف.ب)
عراقي يعاين قاعدة تمثال صدام حسين الذي أسقطه الأميركيون في 9 أبريل 2003 في ساحة الفردوس ببغداد (أ.ف.ب)

كشاهد رأى كل «حاجة» فإن يوم التاسع من أبريل (نيسان) عام 2003 بدأ عاديا في نصفه الأول سواء بالنسبة للعراقيين عموما أو لمراسلي وكالات الأنباء والصحف العربية والأجنبية، حيث كنت أعمل حينها مراسلا لصحيفة عربية. لكنه لم يعد كذلك بدءا من فترة ما بعد الظهيرة وحتى اليوم بعد 13 عاما سواء بالنسبة للعراقيين أو مراسلي وكالات الأنباء والصحف العربية والأجنبية، حيث أعمل مراسلا لـ«الشرق الأوسط».
صباح ذلك اليوم كنا حيث كان موقعنا فندق «فلسطين ميريديان» المطل على شارع أبو نواس على نهر دجلة المقابل القصور الرئاسية قبل أن يتحول اسمها بقرار أميركي إلى «المنطقة الخضراء»، وجاء وزير الإعلام الشهير محمد سعيد الصحاف لكي يوجز لنا سير المعارك ضد الأميركيين. كان الصحاف، وهذه عادته التي لم تغادره حتى اللحظة الحاسمة التي رأى فيها الدبابات الأميركية تسير بمحاذاة دجلة في الجانب الآخر قريبا من القصر الجمهوري، واثقا من نفسه وهو يتحدث لنا عن معركة المطار بوصفها المعركة الحاسمة التي سوف تكسر ظهر الأميركيين. أحد المراسلين الأجانب نبه الصحاف قائلا: «سيادة الوزير تلك الدبابات الأميركية في الجانب الآخر من النهر». عندها استقل الصحاف سيارة «بيك آب» واختفى حتى ظهر بعد شهور في تلفزيون أبوظبي بعد وصوله إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
بعد نحو ساعتين حدثت ضجة في الطابق التاسع من فندق «فلسطين مريديان» حين استهدف دبابة أميركية كانت تعبر جسر الجمهورية من الكرخ إلى الرصافة إحدى غرف الفندق بعد أن وجدت ما بدا وكأنه فوهة بندقية موجهة ضدها. كانت النتيجة مقتل أحد مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية «إسباني الجنسية» وجرح آخرين، حيث ظهر أن ما بدا فوهة بندقية لم يكن سوى «زوم» كاميرا تصوير تلفزيونية.
بعد الظهر وفي تمام الساعة الرابعة عصرا كنا نتجمع على سطح الفندق حين تقدمت دبابة أميركية عملاقة باتجاه تمثال ضخم للرئيس العراقي السابق صدام حسين في ساحة الفردوس. كان الناس بدأوا يتجمعون بالقرب من الدبابة في مشهد بدا لم يكن عفويا ظهر فيما بعد إنهم من مؤيدي زعيم المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي الذي توفي قبل شهور بنوبة قلبية مفاجئة. ربطت الدبابة التمثال بشكل محكم ومن ثم بدأت تجره حتى سقط على الأرض تماما منهيا بذلك من الناحية العملية والرمزية معا نهاية حقبة البعث التي استمرت 35 عاما.
تحول المشهد غير العفوي أول الأمر إلى ما بدا احتفالا عفويا حين تجمع الناس حول رأس صدام حسين الذي سقط على الأرض وراحت تجره الدبابة في شارع السعدون. قبل هذا المشهد كان هناك ما لفت نظر الجميع حين تم لف رأس صدام حسين بالعلم الأميركي. لكن هذه العملية التي لم تستمر سوى دقيقتين تقريبا انتهت بطريقة مختلفة، إذ صعد جندي أميركي لكي ينزل العلم الأميركي ويلف رأس صدام بالعلم العراقي.
حين قرأت بعد سنوات كتاب الجنرال تومي فرانكس، قائد القيادة الأميركية الوسطى: «جندي أميركي» عرفت السبب الكامن وراء الدقيقتين اللتين تم خلالهما لف رأس صدام بالعلم الأميركي قبل أن يستبدل بالعلم العراقي. يقول فرانكس إنه كان يتابع المشهد من غرفته بمقر القيادة من على شاشة «سي إن إن» حين شاهد ذلك فسارع إلى الاتصال بالقائد الأميركي في العراق لكي يأمر قائد الدبابة باستبدال العلم الأميركي بالعلم العراقي لكي لا يشعر العراقيون بأن الأميركيين محتلون.
جدلية الاحتلال والتحرير هيمنت على العقل العراقي الرسمي والشعبي على مدى سنوات، حيث اختلف العراقيون بشأن ما إذا كان ما حصل احتلالا أم تحريرا. الجدل حسم في غضون السنوات الأخيرة بعد أن بدا للعراقيين أن ما كانوا موعودين به من تغيير نحو الأحسن لم يتحقق مما حدا بهادي العامري، رئيس منظمة بدر الذي قاتل إلى جانب إيران خلال الحرب العراقية - الإيرانية، إلى القول بأنه لو كان يعلم أن بديل صدام حسين هو تنظيم داعش لقاتل مع صدام بدلا من أن يقاتل ضده.
الأمر نفسه بالنسبة لرجل دين ومفكر شيعي مثل إياد جمال الدين أعلن وبكل وضوح أن الطبقة السياسية التي كانت تعارض صدام حسين وسلمها الأميركيون مقاليد السلطة لم تحقق شيئا للعراقيين إلى الحد الذي يقول فيه: «إنني كلما أمر في شوارع بغداد أرى أن هذا المبنى وذلك الجسر أو الشارع أو القصور، بما فيها القصور الرئاسية التي يتخذها كبار المسؤولين سكنا لهم، تركها لهم صدام حسين».
التاسع من أبريل لم يعد أحد من العراقيين يقيم له وزنا كيوم مفصلي إلا لكونه يوما لم تخلف السنوات التي تلته إلا دمارا وخرابا للعراقيين بصرف النظر عن رأيهم بالنظام السابق ورئيسه صدام حسين الذي دخل الذاكرة العراقية مثلما دخل التاريخ بوصفه ديكتاتورا لم يكن يرحم من يعارضه. مع ذلك فإن العراقيين يستذكرون هذا اليوم مرتين في السنة.. مرة بوصفه يوما للخلاص من قبضة صدام حسين الحديدية، ومرة بوصفه مناسبة لصب مزيد من غضبهم على الطبقة السياسية التي باتت اليوم في أكثر زواياها حرجًا.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.