ترسيم الحدود البحرية يعكس الوصول لقمة التفاهم بين السعودية ومصر

محمد بن سلمان مهندس الاتفاق بدءًا من «إعلان القاهرة»

الرئيس المصري لدى استقباله في قصر الاتحادية أمس خادم الحرمين الشريفين حيث أجرى الجانبان جولة مباحثات رسمية.. ويبدو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي (تصوير: بندر الجلعود)
الرئيس المصري لدى استقباله في قصر الاتحادية أمس خادم الحرمين الشريفين حيث أجرى الجانبان جولة مباحثات رسمية.. ويبدو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي (تصوير: بندر الجلعود)
TT

ترسيم الحدود البحرية يعكس الوصول لقمة التفاهم بين السعودية ومصر

الرئيس المصري لدى استقباله في قصر الاتحادية أمس خادم الحرمين الشريفين حيث أجرى الجانبان جولة مباحثات رسمية.. ويبدو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي (تصوير: بندر الجلعود)
الرئيس المصري لدى استقباله في قصر الاتحادية أمس خادم الحرمين الشريفين حيث أجرى الجانبان جولة مباحثات رسمية.. ويبدو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي (تصوير: بندر الجلعود)

وقعت السعودية ومصر أمس، في القاهرة اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين بحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وقام بالتوقيع على الاتفاقية الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، فيما وقع عليها من الجانب المصري رئيس الوزراء شريف إسماعيل.
ويأتي توقيع تلك الاتفاقية الهامة والحساسة لتعكس الوصول لقمة التفاهم بين قيادات الدولتين في الفترة الراهنة، بعد أن كان الملف مثار جدل ومناقشات خلال السنوات السابقة، دون أين يتم وضع إطار رسمي وقانوني، وذلك للدور الحيوي والحاسم الذي لعبه الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، في المفاوضات التي دارت على مدار العام الماضي، منذ تدشينه «إعلان القاهرة»، ليتوج ذلك بإعلان في المؤتمر الصحافي الذي عقده الزعيمان أمس توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين السعودية ومصر.
وجاء التوصل إلى هذا الاتفاق بموجب البند السادس من إعلان القاهرة الذي تم التوقيع عليه بين الرئيس السيسي والأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته إلى مصر في يوليو (تموز) 2015.
وقال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن «الاتفاق مهم وحسمه أمر ضروري.. ولولا أن العلاقات المصرية السعودية الثنائية في أوج قمتها وهناك اتفاق كبير في القضايا التي تهم الدولتين والأمن القومي العربي بشكل عام، لولا ذلك لما تم الاتفاق». وأوضح سلامة لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتفاق لتحديد الحدود البحرية بين السعودية ومصر يأتي من الناحية القانونية وفقا لحالات خاصة في ظل وجود خلجان، فضلا عن قلة المسافة بين الدولتين المتقابلتين أو المتجاورتين عن 24 ميلا بحريا، ومن ثم فالاتفاق الذي تم يراعي هذه المسائل، وذلك خلافا لاتفاقيات تقسيم الحدود البحرية العادية».
وأضاف أستاذ القانون الدولي، أن «الاتفاق يحسم تحديد حدود الامتدادات البحرية لكلا الدولتين والتي يمكن أن تكون متقاطعة سواء كان ذلك في المناطق البحرية التي يمتد فيها خليج العقبة أو المناطق البحرية المتاخمة لخط عرض 22 الذي يفصل بين مصر والسودان».
واعتبر سلامة أن «الاتفاق الذي لم يحسم على مدار السنوات السابقة يدل على التفاهم القوي الحالي بين قيادات البلدين ومتانة العلاقة، فكافة القيادات السابقة لم تنجح في الوصول إليه، بما يعكس روح الأخوة الحالية».
وشدد على أن أهمية ذلك هي «معرفة كل دولة لحدودها البحرية وسيادتها، ودرء أي نزاعات أو خلافات حالية أو مستقبلية حول الادعاء على سيادة متنازع عليها»، فهو ينزع فتيل أي أزمات مستقبلية حول السيادة في البحر الأحمر وخليج العقبة. وتابع: «الاتفاق أهميته تنبع من أنه بين أكبر دولتين عربيتين يرتكز عليهما الأمن القومي العربي والمصالح العربية المشتركة».
وفي السياق ذاته، قالت هايدي فاروق مستشار قضايا الحدود والسيادة الدولية لـ«الشرق الأوسط» إن «الاتفاق بين مصر والسعودية لحسم هذا الملف الحيوي، يُعد ضربة للدول الإقليمية المعادية في المنطقة.. ويؤكد أن هناك سيادة عربية قوية ومتضامنة في هذه النقطة الحيوية من إقليم الشرق الأوسط».
وكانت المفاوضات بين القاهرة والرياض بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر الأحمر، قد تجددت منذ نحو خمس سنوات، حيث تعود بداية الحديث بشأنها لعام 2010. عندما أصدرت السعودية مرسوما ملكيا بتحديد ما يُعرف في القانون الدولي، بخطوط الأساس البحرية، الخاصة بالمملكة العربية السعودية، في البحر الأحمر وخليج العقبة.
وردت مصر حينها بأنها سوف تتعامل مع خطوط الأساس الواردة إحداثياتها الجغرافية بالمرسوم الملكي السعودي، والمقابلة للساحل المصري الممتد شمال خط عرض 22، مؤكدة، في إعلان لوزارة الخارجية، أن هذا لا يمس بالموقف المصري في المباحثات الجارية مع السعودية لتعيين الحدود البحرية بين الطرفين.
قبل أن يخمد الحديث عن القضية مع الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر، ثم يعود ثانية مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في المملكة والتقارب بينه وبين الرئيس السيسي، والذي توج بتوقيع «إعلان القاهرة» في مفاوضات قادها الأمير محمد بن سلمان. وقالت مصادر سياسية، إن تضمين الاتفاق في إعلان القاهرة ضمن بنود أخرى، منها عزم الدولتين تطوير التعاون العسكري والاقتصادي، جاء في إطار رغبة البلدين في إغلاق هذا الملف نهائيًا حتى لا يصبح عقبة في طريق التقارب بين البلدين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.