سير ذاتية

سير ذاتية
TT

سير ذاتية

سير ذاتية

* في إحصاء بين النقاد الأميركيين نشره أحد المواقع المرجعية من تلك التي تكتفي بإيراد المعلومات فقط، أن الفيلم الأول بين الأفلام الـ833 الأبرز التي تم تحقيقها في مجال سينما «السيرة» في تاريخ السينما لا يزال فيلم «بوني وكلايد» الذي حققه آرثر بن سنة 1967 عن حياة ثنائي الجريمة بوني باركر (كما أدت دورها فاي داناواي) وكلايد بارو (كما أدّاه وورن بيتي).

* في المرتبة الثانية «ثور هائج» لمارتن سكورسيزي (1980) عن حياة الملاكم جايك لا موتا كما لعبه روبرت دي نيرو. وفي المرتبة الثالثة «قائمة شيندلر» لستيفن سبيلبرغ (1993) كونه يروي قصّة الألماني المسيحي أوسكار شيندلر الذي تدخل لإنقاذ عمال مصنعه اليهود في الحقبة النازية.

* في المركزين الرابع والخامس يطالعنا «صحبة طيّبة» لسكورسيزي أيضًا (1990) و«آلام جوان دارك» لكارل تيودور دراير (1928). الأول عن مذكرات شاب دخل المافيا الإيطالية في نيويورك، والثاني عن حياة جوان دارك الذي كان أول فيلم طويل عنها وتم إنتاجه في فرنسا.

* لا تتوقف أفلام السير المختلفة عن التدفق. في العام الماضي، على سبيل المثال، شاهدنا عشرين فيلمًا جديدًا تنتمي إلى فن أو أدب «السيرة». من بينها «ترامبو» و«العصبة» (أرجنتيني) و«قداس أسود» و«الفتاة الدنماركية» و«ستيفن جوبز» و«سبوتلايد» (ولو أنه حول أكثر من شخصية) و«آمي» و«الحقيقة».

* بالنظر إلى القائمة كاملة التي تمتد من عمق تاريخ السينما إلى اليوم، فإن ما هو «سيرة» أمر نسبي. هناك «البيوغرافي» و«الأوتوبيوغرافي» و«الاقتباس عن شخصية» و«مستوحاة من أحداث حقيقية» و«سيرة مع تصرّف».

* في الواقع، كلها تحوي «تصرّفًا». إذ من العبث التصوّر بأن هناك فيلمًا، روائيًا أو تسجيليًا، سيرصد الشخصية التي يتحدّث عنها بكل تفصيل، حتى وإن لم يكن ضروريًا تمامًا، وذلك لأجل أن يأتي العمل أمينًا للشخصية وللواقع أيضًا. لذلك من الضروري والطبيعي، التصرّف بالحكاية الشخصية على نحو سينمائي. هنا يبدأ تسرّب الحقائق مثل ماء ينساب تحت الباب. بعضها ينزلق من الثغرات المفتوحة بين حقبة وحقبة أو بين حدث وحدث.

* «بوني وكلايد» كان بالفعل فيلمًا رائعًا في كل جوانب العمل. إخراج متقن ومسهب وعلاقات متداخلة ومواقف تضع المشاهد أمام خيارات أخلاقية. بوني وكلايد سرقا البنوك في عز الأزمة الاقتصادية لينقذا مزارعين ومساعدة المحتاجين ولو أن هذا لا يمنحهما الحق. لكن ليس كل ما دار على شاشة الفيلم صحيح، ولا يجب أن يكون لأن للفيلم شروطه.

* الفارق بين فيلم وآخر في هذا الشأن هو قدر الالتزام بالشخصية المثارة وجزء من هذا الالتزام يشمل الأحداث التي وقعت معه. بقدر ما هناك خيارات بقدر ما يتيح ذلك لكاتب السيناريو أن يمنح العمل حياة جديدة. لكن هذا بدوره ليس سهلاً. لذلك من الممكن كثيرًا أن ينجز الفيلم الخيالي تمامًا ما يريد فيلم السيرة أن ينجزه بمجرد تأليف حكاية مماثلة. ولكل حكاية ما يماثلها في الواقع.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.