«عليكم بالتهام أرض الملعب».. هكذا كانت رسالة أنتونيو كونتي للاعبيه في يوفنتوس - وهي رسالة بدت أشبه بتهديد عنها كتوجيه صادر عن مدرب. ومع ذلك، أصر كونتي على تكرارها مرارًا حتى تمكن أبناء الفريق من الصعود مجددًا واستعادة ريادتهم لكرة القدم الإيطالية. وكانت هذه الرسالة نموذجًا لأسلوبه الغريب في محاولته دفع اللاعبين قدمًا وتحفيزهم على بذل مجهود أكبر والجري داخل الملعب أكثر عن أي ناد آخر.
ومن يدري، قد يتفتق ذهن كونتي عن عبارة جديدة غريبة داخل تشيلسي، خاصة وأنه عكف على تعلم الإنجليزية منذ أكثر من عام، رغم اعترافه بأنه لا يزال عاجزًا عن التحدث بها بطلاقة. وبغض النظر عن الكلمات التي سيختارها كونتي، ستبقى روحه المميزة ظاهرة فيها. في الواقع، لقد بني كونتي مشواره على العمل الدءوب المستمر، وهو ما ينتظره من فريقه في تشيلسي. وقد خدمه هذا الأمر كثيرًا، فخلال فترة مشاركته لاعبًا في صفوف يوفنتوس، ارتدى شارة القائد وفاز مع فريقه ببطولة الدوري الإيطالي الممتاز خمس مرات، بجانب بطولة دوري أبطال أوروبا وكأس إيطاليا ودوري أوروبا لأبطال الكؤوس، رغم أنه يقول عن نفسه: «لم أعتبر نفسي قط صاحب موهبة كبيرة». وخلال مشواره كمدرب، تولى تدريب الفريق ذاته خلال ثلاثة مواسم، كان كل منها أكثر إبهارًا عن سابقه. خلال الموسم الأول له في تدريب يوفنتوس، مضى الفريق في طريقه داخل الدوري الإيطالي الممتاز من دون هزيمة، ثم نجح في تحسين عدد النقاط التي حصدها في الموسمين التاليين تحت قيادة كونتي. وكان آخر هذه المواسم 2013 - 2013 الذي أنهاه يوفنتوس مسجلاً رقمًا قياسيًا جديدًا باعتباره أول نادٍ في تاريخ دوري الدرجة الأولى الإيطالي يكسر حاجز 100 نقطة.
وفي كتابه «ميتودو كونتي»، يروي اليساندرو الشياتو، الصحافي الإيطالي بشبكة «سكاي سبورتس إيطاليا» القصة الكامنة وراء هذا الموسم الأخير، ويكشف كثير في ثنايا كتابه عن أسلوب تفكير كونتي. مع وجود مباراة واحدة متبقية أمامه بالدوري، كان لدى يوفنتوس 99 نقطة، أما البطولة ذاتها فكان الفريق قد ضمن الحصول عليها منذ أسابيع. ومع ذلك، حرص كونتي على الاستعداد بجدية لموجهة كالياري في المباراة الأخيرة في المسابقة، وبدا عاقد العزم على تحقيق إنجاز كبير. وخلال جلسة مراجعة لمباريات مسجلة، دخل حارس المرمى غيغي بوفون على الرئيس التنفيذي للنادي، بيبي ماروتا، وقال له: «أستأذنك للحظة. المدير يود الانتهاء من مسألة المكافآت الخاصة بالفريق بعد الفوز بالبطولة».
وجاءت هذه العبارة لتثير غضب كونتي بشدة، وصب حمم غضبه على بوفون وجميع اللاعبين بالغرفة، وصرخ قائلاً: «لا أود أن أسمع كلمة أخرى بهذا الخصوص. لم أكن أنتظر حدوث هذا منك أو من أي منكم. مكافآت؟... لقد خيبتم ظني، لقد منيتم بالهزيمة منذ اللحظة التي فتح فيها فمه». في ظل ظروف أخرى، ربما كانت موجة الغضب تلك لتؤتي نتائج عكسية تمامًا، ذلك أنه ليس جميع لاعبي كرة القدم من الممكن أن يقبلوا توجيه حديث إليهم بهذه القسوة. ومع ذلك، أدرك بوفون وزملاؤه جيدًا ما تعنيه كلمات كونتي، وأدركوا أن قصد المدرب من ورائها أهم بكثير من محتواها. وبالفعل، نجح يوفنتوس في هزيمة كالياري بثلاثة أهداف من دون مقابل.
في الواقع، من الصعب مقاومة إغراء عقد مقارنة بين كونتي وسلفه داخل تشيلسي جوزيه مورينهو، فكلاهما يتميز بروحه التنافسية وعناده وموهبته - ناهيك بالترويج لفكرة أن العالم بأسره يتآمر ضد فريقه. ومع ذلك، فإنه قد يظل هناك تشابه أكبر بين كونتي (46 عامًا)، ومدرب آخر شارك بالدوري الإنجليزي الممتاز. على سبيل المثال، عندما سئل كارلوس تيفيز خلال موسمه الأول في يوفنتوس حول الاختلافات بين كونتي وسير أليكس فيرغسون، أجاب: «ليست كثيرة».
ودارت كثير من النكات حول أسلوب تصفيف كونتي شعره، لكن من الواضح أن الأمر بدأ في التحسن منذ أن اعتزل اللعب. وفي مذكراته، أبدى أندريا بيرلو (لاعب وسط يوفنتوس 2011 – 2015) ندمه على اختياره لدولاب في مواجهة باب غرفة تبديل الملابس ليضع به متعلقاته، وذلك بسبب اعتياد كونتي قذف زجاجات المياه باتجاه الدولاب كلما تملكه الغضب. والملاحظ أن كونتي في أقواله لم يكن أقل قوة عنه في أفعاله، حيث قال بيرلو: «عندما يتحدث، نشعر بأن كلماته تنقض علينا، فهي تقتحم الذهن بعنف وتستقر داخل النفس.» وأشار بيرلو للمرة الأولى التي سمع فيها واحدة من عبارات كونتي المميزة، وكان ذلك في صيف 2011، وكان كل من المدرب ولاعب خط الوسط قد انضما حديثًا إلى النادي. وحينها، قال كونتي: «لقد أنهينا الموسمين السابقين في المركز السابع، هذا أمر جنوني ومروع للغاية. وقد جئت إلى هنا خصيصًا للتعامل مع هذا الأمر. وحان الوقت لوقف هذه المهزلة».
نوعًا ما، يبدو تشيلسي في وضع أفضل من يوفنتوس آنذاك. في مدينة تورينو (مدينة يوفنتوس)، كلف كونتي بمهمة إحياء نادٍ عريق لم يفز ببطولة كبرى منذ ما عرف بفضيحة كالتشيوبولي (فضيحة الدوري الإيطالي 2006) أو كما تسمى بالإيطالية «الكالتشيوبولي»، هي فضيحة تتعلق بترتيب نتائج مباريات كرة القدم في الدوري الإيطالي، وقد بدأت الفضيحة بالظهور في مايو (أيار) 2006 من قبل الشرطة الإيطالية، وقد تورط في هذه الفضيحة نادي يوفنتوس ونادي إيه سي ميلان ونادي فيورنتينا ونادي لاتسيو ونادي ريجينا، حيث أظهرت تسجيلات للمكالمات الهاتفية عن علاقتهم مع حكام كرة القدم في إيطاليا، وقد كان نادي يوفنتوس بطل الدوري في تلك السنة، وقد اتهم الفريق بالتلاعب في نتائج المباريات واختيار حكام يميلون إلى مصلحتهم). أما في تشيلسي، فإنه يجد أمامه مجموعة من اللاعبين فازت ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز الربيع الماضي فقط، رغم ما تواجهه من صعوبات هذا الموسم.
من الممكن أن تسير عملية التحفيز للأمام، فهذا الأسلوب سيكون مدهشا عند مشاهدته. يفضل كونتي أسلوب اللعب 3 - 5 - 2 الذي اتبعه في يوفنتوس، وأحيانا يستخدم نفس طريقة التشكيل مع المنتخب الإيطالي، غير أن هذا لا يعني بالضرورة أنه سوف يفعل نفس الشيء في تشيلسي. ففي بداياته كمدرب بفريقي باري وسيينا، استمتع كونتي بالنجاح الكبير الذي حققه بطريقة اللعب 4 - 2 - 4، ولم يفكر في خطط لتعديل ذلك التشكيل عندنا ذهب ليوفنتوس من أجل مساعدة بيرلو على التأقلم. فهو مدرب واقعي وعملي بالدرجة التي تجعله يحسن ترتيب أوراق اللعب التي بحوزته. فالقواعد الإرشادية سوف تستمر على حالها، فكونتى، تلميذ أريغو ساكي (مدرب كرة قدم سابق، درب منتخب إيطاليا ما بين عامي 1991 و1996 وقاده إلى نهائي كأس العالم 1994 م، لكنه خسر أمام منتخب البرازيل لكرة القدم بركلات الجزاء الترجيحية) .، فهو يحب حالة الاندماج في فريقه، ولذلك فإن لاعبي الوسط بمقدورهم التقدم للأمام بسهولة للانضمام للهجوم، ويستطيع المهاجمون التراجع إلى الوراء لملء الفراغ الذي تركه زملاؤهم.
من السهل رؤية جاهزية بعض اللاعبين بفريق تشيلسي، فوليان تحديدا هو ذلك النوع من لاعبي الكرة الذي يعجب كونتي بأدائهم؛ حيث العدو الشاق والاندفاع في النهاية داخل منطقة الجزاء لاستغلال الفرص التي قد تتاح. أيدين هازارد أيضًا قادر على فعل نفس الشيء، رغم أن المدرب قد يرثي حظه في مستوى اللاعب الحالي، حيث التراجع غير الملائم إلى الخلف في وقت يفتقر فيه اللاعب ميزته في تسجيل الأهداف.
من الصعب التيقن من مقدرة باقي اللاعبين، فقد احتفظ كونتي بمجموعة متنوعة من المدافعين في يوفنتوس، وكل منهم يتمتع بمجموعة مهارات خاصة، وعليه فقد كان هناك دور كي يلعبه جون تيري، على الأقل نظريا. ففي مقابلة شخصية مع صحيفة «توتو سبورت» الإيطالية نهاية العام الماضي، أكد المدرب إيمانه بمبدأ الجدارة عندما قال: «ليس هناك صغير وكبير في السن، فقط هناك الانتصار أو الهزيمة». أي لاعب يأمل في اللعب في فريق تشيلسي في ظل قيادة كونتي يحتاج لأن يقنعه بجدارته.
أنتونيو كونتي.. مدرب ناري لا يرضى عن الفوز بديلا
روح التنافسية والعناد والاعتقاد بأن العالم بأسره يتآمر ضد فريقه.. صفات مشتركة بين مدرب تشيلسي الجديد ومورينهو
أنتونيو كونتي.. مدرب ناري لا يرضى عن الفوز بديلا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

