وثائق بنما تورط شركة إيرانية وأخريين سوريتين

استمر مكتب المحاماة البنمي في تمثيلها رغم إدراجها على القائمة السوداء

نائب وزير الخارجية البنمي لويس هينكابي خلال مؤتمر صحافي حول «وثائق بنما» أمس (رويترز)
نائب وزير الخارجية البنمي لويس هينكابي خلال مؤتمر صحافي حول «وثائق بنما» أمس (رويترز)
TT

وثائق بنما تورط شركة إيرانية وأخريين سوريتين

نائب وزير الخارجية البنمي لويس هينكابي خلال مؤتمر صحافي حول «وثائق بنما» أمس (رويترز)
نائب وزير الخارجية البنمي لويس هينكابي خلال مؤتمر صحافي حول «وثائق بنما» أمس (رويترز)

ورّطت تسريبات ما يعرف بـ«أوراق بنما» 33 شخصًا وشركة يخضعون لعقوبات من جانب وزارة الخزانة الأميركية، أبرزها تعاملت مع إيران رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وأخرى تعاملت مع كثير من «الدول المارقة»، مثل كوريا الشمالية.
وتضم التسريبات الأخيرة أكثر من 11 مليون وثيقة من سجلات شركة محاماة في بنما: «موساك فونيسكا»، التي تخصصت في المساعدة على إنشاء شركات «أوفشور». وأكدت الشركة أنها التزمت الأخلاق والنزاهة في عملها طوال أكثر من أربعين عامًا، ولم يسبق اتهامها بأي عمل منافٍ للقانون. وجرى تحقيق بخصوص بيانات الشركة المسربة على مدار فترة تجاوزت العام من جانب أكثر من مائة وسيلة إعلام عالمية، بقيادة «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين».
ورغم أن ورود ذكر اسم فرد أو مؤسسة بالوثائق لا يعني بالضرورة إدانته بأي عمل غير قانوني، فإن الاتحاد ذكر أن كثيرا من الأشخاص والمؤسسات من عملاء «موساك فونيسكا» ممن يخضعون لعقوبات أميركية، تورطوا في شتى أنواع الجرائم، بدءًا من تهريب أسلحة نووية وصولاً إلى تهريب النفط. وأضاف الاتحاد أنه ينوي إصدار قائمة كاملة بالشركات والأفراد الذين وردت أسماؤهم في التسريبات، مطلع مايو (أيار). ومن أبرز هذه الشركات «بيتروبارس ليميتيد»، وهي شركة إيرانية مملوكة لجهات حكومية. وبدأت شركة الغاز الطبيعي والنفط الإيرانية العملاقة «بيتروبارس ليميتيد» المملوكة للدولة تعاملاتها مع «موساك فونيسكا» عام 1998، وتعرضت لعقوبات أميركية عام 2010 وتخلت شركة المحاماة عنها بوصفها عميلا بعد ذلك بفترة قصيرة. وجرى الربط بين الشركة والحكومة الإيرانية للمرة الأولى عام 2001. عندما واجه مسؤولو مجلس إدارتها اتهامات بالفساد فيما يخص عدة صفقات، حسبما أفاد الاتحاد الصحافي. واستمرت «موساك فونيسكا» في تمثيل الشركة لتسع سنوات أخرى حتى لاحظ أحد مؤسسي الشركة، يورغين موساك، أن عنوان الشركة في الجزر العذراء البريطانية ورد تحت اسم «بيتروبارس» في القائمة السوداء الأميركية. وألقى موساك باللوم على مكتب لندن التابع للشركة عن عدم التدقيق في فحص المعلومات الخاصة بالعملاء الإيرانيين بدقة.
أما الشركة الثانية على القائمة السوداء الأميركية التي ورد اسمها في الوثائق المسربة، هي «دريكس تكنولوجيز» السورية. وأفاد اتحاد الصحافيين بأن هذه واحدة من ست شركات على صلة بابن خالة بشار، رامي مخلوف، الذي تعرض لعقوبات من جانب الولايات المتحدة عام 2008 بعد تورطه «في استغلال النظام القضائي السوري واستغلاله مسؤولي استخبارات سوريين في تهديد منافسيه التجاريين».
واستمرت «موساك فونيسكا» في تمثيل مخلوف حتى سبتمبر (أيلول) 2011، حسبما أفادت «بي بي سي». كما قدم له الفرع السويسري من «إتش إس بي سي» خدمات مالية، حسبما تكشف وثائق بنما. وقد بعث المصرف منذ عامين بخطاب إلى شركة المحاماة بعد فرض العقوبات يشير فيه إلى «دريكس تكنولوجيز» باعتبارها شركة «ذات مكانة جيدة».
في تلك الأثناء، وتبعًا لما أفاده الاتحاد الصحافي، فإن رسالة بريد إلكتروني داخلية تخص «موساك فونيسكا» يعود تاريخها إلى فبراير (شباط) 2011، تقول: «اتصلنا بـ(إتش إس بي سي) الذين أكدوا أنهم مدركون تمامًا لحقيقة أن مخلوف نجل خالة الرئيس السوري. وأكد المسؤولون المعنيون بالالتزام بالقانون داخل فرع المصرف في جنيف، وكذلك مقره الرئيس في لندن.. إنهم يشعرون بالارتياح حيال التعامل معه». وإلى جانب «دريكس تكنولوجيز»، ورّطت الوثائق «بانغيت إنترناشيونال» السورية، وهي من الشركات التي ظلت عميلة لدى «موساك فونيسكا» لفترة طويلة. كما تعد واحدة من ثلاث شركات فرضت واشنطن ضدها عقوبات لتوفير وقود طائرات استخدمته حكومة الرئيس بشار الأسد لشن ضربات جوية ضد مواطنيها. وتبعًا لما أفاده اتحاد الصحافيين، فإن «بانغيت إنترناشيونال» شركة فرعية تتبع عبد الكريم غروب، وهي شركة سوريا تتخذ من دمشق مقرًا جزئيًا لها، ولها روابط بعميلين آخرين لدى «موساك فونيسكا» يخضعان لعقوبات، هما «ماكسيما ميدل إيست تريدينغ كو»، و«مورغان أديتيفز مانفاكتشرينغ كو». وتأسست الشركة على يد «موساك فونيسكا» عام 1999 بجزيرة نييوي بالمحيط الهادي، بعد ذلك انتقلت إلى ساموا ومؤخرا إلى سيشيل، واحدة من أشهر الملاذات الضريبية عالميًا، عام 2012.
ورغم فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات ضد الشركات الثلاث في يونيو (حزيران) 2014 فإن الوثائق المسربة يبدو أنها تشير إلى أن «موساك فونيسكا» استمرت في تمثيل «بانغيت إنترناشيونال»، ولم تبلغ السلطات في سيشيل عن الشركة حتى أغسطس (آب) 2015، وفقا لما ذكره الاتحاد الصحافي.
من جانبها، نفت شركة المحاماة اقترافها أي خطأ، مع تأكيد المتحدث الرسمي باسمها في حديثه إلى «الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين» على أن المسؤولية تقع على عاتق الوسطاء، مثل المصارف، فيما يخص تفحص خلفيات العملاء. وأضاف: «وبالمثل، لدينا إجراءات خاصة بنا للقيام بذلك، لكن إلى المدى الممكن منطقيًا».
وفي تصريحات لـ«رويترز»، أعلنت «بانغيت إنترناشيونال» عام 2013، أنها فقط «تبيع لشركات سوريا غير عسكرية» لا تخضع لعقوبات دولية، مضيفة «أننا لا نعرف بالتأكيد من يستخدم الوقود نهاية الأمر، لكن تبعًا للمعلومات المتوافرة لدينا يستخدم المنتج في أغراض مدنية».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.