التمثيل الواسع للمعارضة وتفسير «المرحلة الانتقالية» يعرقلان المحادثات السورية في جنيف

دي ميستورا يحدّد من موسكو «الانتقال السياسي» منطلقاً للجولة الجديدة

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء لقائه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء لقائه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

التمثيل الواسع للمعارضة وتفسير «المرحلة الانتقالية» يعرقلان المحادثات السورية في جنيف

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء لقائه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء لقائه مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو أول من أمس (إ.ب.أ)

قبل أسبوع على انطلاق جولة جديدة من مفاوضات جنيف بين المعارضة والحكومة السوريتين، تطفو على السطح من جديد نقاط خلافية بين القوى الكبرى المنخرطة في الأزمة السورية، نتيجة تباين في تفسير كل منها للوثائق الدولية التي تحدد أطر العملية السياسية في سوريا. إذ ما زالت روسيا تصرّ على إشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم ضمن وفد المعارضة في مفاوضات جنيف، لضمان ما تقول إنه «تمثيل واسع وشامل لجميع الأطراف السورية في المفاوضات»، في الوقت الذي برز فيه قلق على مستقبل العملية السياسية برمتها بعد تصريحات أطلقها الأسد أخيرا عبر وسائل إعلام روسية تحظى برعاية مميزة من الكرملين، رفض فيها «المرحلة الانتقالية»، الأمر الذي يبدو أنه شكل دافعا لدى ميستورا كي يطلب لقاءً مع الوزير سيرغي لافروف لبحث هذه المسألة.
وكان المبعوث الدولي الخاص إلى الأزمة السورية، ستيفان دي ميستورا، وصل إلى موسكو، أول من أمس، حاملا معه قلقا خلفته التصريحات التي أطلقها الأسد خلال مقابلة مع وكالتي ريا نوفوستي وسبوتنيك الحكوميتين الروسيتين، وقال فيها إن «الانتقال السياسي هو الانتقال من دستور إلى آخر»، واصفا الحديث عن هيئة انتقالية بأنه «غير دستوري وغير منطقي»، وداعيا إلى أن تكون «المرحلة الانتقالية بموجب الدستور الحالي». الأمر الذي يُعد خروجا عن التوافقات الدولية حول الجدول الزمني والخطوات السياسية لحل الأزمة السورية، حتى إن وسيلة إعلام روسية تابعة للكرملين وصفت كلام الأسد بأنه «مخالفة لوثيقة المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ومخالفة للقرار الدولي 2254، الذي يُعد المرجعية السياسية لمفاوضات جنيف؛ حيث جاء في الفقرة الرابعة من القرار: «يعرب مجلس الأمن عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مدتها ستة أشهر، حكما ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة».
لذلك، على ما يبدو، حدد ستيفان دي ميستورا فور وصوله العاصمة الروسية موسكو المهمة التي أتى من أجلها، وهي الحصول على دعم روسيا لمواصلته عمله في تنظيم المفاوضات السورية في جنيف، والتي يرى أن الانتقال السياسي موضوعا رئيسيا فيها، معربا عن أمله في أن تنطلق الجولة التالية من المفاوضات من مناقشته. ونقلت وكالة تاس عن دي ميستورا قوله في هذا الصدد: «الانتقال السياسي هو حجر الزاوية في عملنا (....) أتمنى أن نبدأ الجولة المقبلة من المفاوضات من بحثه». وكان دي ميستورا قد وصل العاصمة الروسية موسكو بعد ظهر أول من أمس (الثلاثاء) في زيارة تمهيدية للجولة المقبلة من المفاوضات السورية في جنيف، بغية التأكد من مواصلة تقديم موسكو الدعم لمهمته من جانب، وليبحث مع الجانب الروسي جدول أعمال الجولة المقبلة، بما في ذلك موضوعها الرئيسي حول الانتقال السياسي.
وخلال حديثه مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أشار دي ميستورا إلى الدور المهم الذي لعبته روسيا في تنظيم العملية السياسية لتسوية الأزمة السورية، موضحا أنه قرر أن يبدأ جولته الحالية من موسكو «التي فعلت الكثير للعملية السياسية»، حسب قوله، ليعلن بعد ذلك استعداده مواصلة مهمته في تنظيم المفاوضات السورية بدعم من روسيا والولايات المتحدة.
من جانبه، ثمَّن سيرغي لافروف، خلال استقباله دي ميستورا، الفرصة لتبادل وجهات النظر معه قبل انطلاق الجولة التالية من المفاوضات السورية، وأكد له مواصلة تقديم موسكو الدعم لمهمته، وخاطبه قائلا: «إن روسيا والولايات المتحدة بصفتهما رئيسيتين مشتركتين لعملية المفاوضات حول التسوية السورية ملتزمتان بالدعم الشامل لجهودكم كمنسق رئيسي لهذه العملية». وأعرب لافروف عن ثقته بأن الحكومة السورية والمعارضة، على حد سواء، ستنجزان ما قال إنها «واجباتهما المنزلية» قبل الجولة الجديدة من المفاوضات، مشددا على أن القاعدة الرئيسية للجهود السياسية تتمثل في قرارات المجموعة الدولية لدعم سوريا وقرارات مجلس الأمن الدولي، ومعربا عن أمله في أن تتم مراعاة كل المعايير التي تتضمنها تلك الوثائق وتنفيذها.
في غضون، قال جون تيفت، سفير الولايات المتحدة في روسيا الاتحادية: «إن واشنطن تنتظر من رأس النظام السوري اتخاذ قرار بالتخلي عن منصبه الحالي»، ونقلت «إنتر فاكس» عن تيفت قوله «إن الأسد لوَّث نفسه بدماء عشرات الآلاف من القتلى، ولذلك فهو لا يملك الحق في البقاء على رأس الحكم في البلاد، وتتوقع الولايات المتحدة منه أن يعلن، عاجلا أم آجلا، تخليه عن منصبه كي تبدأ المرحلة الانتقالية التي تدور مفاوضات جنيف حولها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.