قلق أوروبي من التفاهم الأميركي ـ الروسي حول مصير الأسد

مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»: المخاطر تحدق بجولة المحادثات المقبلة

جندي سوري يجلس بالقرب من مبان مهدمة في بلدة القريتين بريف حمص بعد طرد لتنظيم داعش منها (أ.ف.ب)
جندي سوري يجلس بالقرب من مبان مهدمة في بلدة القريتين بريف حمص بعد طرد لتنظيم داعش منها (أ.ف.ب)
TT

قلق أوروبي من التفاهم الأميركي ـ الروسي حول مصير الأسد

جندي سوري يجلس بالقرب من مبان مهدمة في بلدة القريتين بريف حمص بعد طرد لتنظيم داعش منها (أ.ف.ب)
جندي سوري يجلس بالقرب من مبان مهدمة في بلدة القريتين بريف حمص بعد طرد لتنظيم داعش منها (أ.ف.ب)

ثلاثة تطورات مترابطة طرأت أمس على ملف المحادثات السورية - السورية؛ الأول، اجتماع المجموعة الدولية المكلفة بالإشراف على وقف الأعمال العدائية في سوريا. والثاني، إعلان الناطق باسم الأمم المتحدة السفير أحمد فوزي عن استئناف المحادثات يوم الاثنين المقبل بلقاء بين المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ووفد الهيئة العليا للمفاوضات المعارض. وينتظر عودة وفد النظام إلى المدينة السويسرية في 14 الجاري، أي بعد يوم واحد من الانتخابات التشريعية التي قرر النظام إجراءها في 13 أبريل (نيسان) الجاري. والثالث الزيارة التي قام بها دي ميستورا، بناء على طلبه، إلى موسكو أمس للقاء وزير الخارجية سيرغي لافروف، من أجل جولة مناقشات حول الملف السوري، بحسب البيان الذي أصدره مكتب المبعوث الدولي في جنيف.
وتندرج هذه التطورات، كما هو واضح، في إطار التحضيرات للعودة إلى جنيف من أجل جولة ثانية من المحادثات يفترض أن تدوم ما بين 10 و14 يوما التي يريد دي ميستورا الاستفادة منها، من أجل الدخول إلى «صلب الموضوع»، أي بحث المرحلة الانتقالية وتصورات الطرفين «النظام والمعارضة». وكان وفد النظام، وكما أعلن ذلك المبعوث الدولي في اليوم الأخير من جولة المحادثات الماضية، رفض الخوض فيها، مركزا الحديث على «المبادئ» والمسائل الإجرائية، فيما قدم وفد المعارضة برئاسة أسعد الزعبي ورقة مكتوبة ومفصلة لرؤيته لهذه المرحلة وكيفية الدخول إليها والعمل بها.
وأمس، نبهت مصادر دبلوماسية أوروبية متابعة لملف المفاوضات السورية، إلى مجموعة من المخاطر التي تحدق بجولة المحادثات المقبلة. ويكمن التهديد الأول في عجز الوسيط الدولي عن تحقيق تقدم سياسي ملموس في المحادثات التي يريد دي ميستورا تحويلها إلى مفاوضات مباشرة، عندما يجد أن الأمور قد «نضجت» لوضع الطرفين وجها لوجه، وهو ما أعرب وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا عن الأمل بالتوصل إليه عقب اجتماعهما الأخير في موسكو. وقالت المصادر الأوروبية إن «عدم إحراز تقدم ذي معنى في الجولة المقبلة سيكون من شأنه نسف الهدنة» التي بدأ العمل بها في 27 فبراير (شباط) الماضي. وبحسب هذه المصادر، لا يمكن تصور «إنجاز تقدم ما إن لم يكن مرتبطا بالملف السياسي، لأن الأمور أصبحت واضحة اليوم، وهي الفصل بين الملف الإنساني والملف السياسي».
يبدو أن مصدر الخطر الأكبر، وفق المنظور الغربي الداعم للمعارضة السورية، هو أن يتمسك وفد النظام بموقفه السابق القائل بأن مصير الرئيس السوري «خط أحمر» لا يناقش، أو أن يجعل لتصوره للمرحلة الانتقالية كما عرضه الأسد نفسه في تصريحات صحافية مؤخرا «توسيع الحكومة بإضافة أعضاء من المعارضة المقبولة ومن المستقلين وكتابة دستور وطرحه للاستفتاء وإجراء انتخابات تشريعية...» هو أقصى ما يمكن للمعارضة أن تصبو إليه. وترى المصادر الغربية أنه في هذه الحال فإن المعارضة ستعتبر أن النظام يغلق الباب أمام الحل السياسي، وأن الهوة بينها وبينه لا يمكن ردمها، وبالتالي ستصل المحادثات إلى طريق مسدود.
وتتمسك المعارضة ببيان جنيف لصيف عام 2012 وبقرارات مجلس الأمن وآخرها القرار «2254»، للمطالبة بقيام «هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة». وهذا التصور يختلف جذريا عن تصور النظام.
وما يزيد من نسبة التشاؤم أن النجاحات العسكرية التي حققها النظام مؤخرا، خصوصا في تدمر، ومسعاه لاستثمارها غربيا تحت شعار الحاجة لتحالف جميع القوى لمحاربة الإرهاب، ستجعله أقل ميلا لتقديم تنازلات سياسية. يضاف إلى ذلك أن «الانسحاب» الروسي لا يبدو أنه ترجم، على المستوى العسكري، بدعم ميداني أضعف للنظام. فضلا عن ذلك، فإن إرسال قوات إيرانية خصوصا إلى سوريا من شأنه أن يزيد النظام تشددا وتمسكا بالبقاء.
بيد أن الأمور ليست سوداء أو بيضاء، بل إن هناك «المنطقة الرمادية» التي لها أيضا مخاطرها، كما تشرحها المصادر الأوروبية التي تعني تحديدا موقف الإدارة الأميركية. والقلق الكبير الذي يقض مضاجع عواصم أوروبية مثل باريس ولندن مصدره «الميوعة» الأميركية وضعف ضغوط واشنطن على موسكو. وتقول المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس، إن الوزير كيري «يمكن أن يكون قد قبل بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية مقابل وعد برحيله في مرحلة ما». وتؤكد هذه المصادر أن الأوروبيين «لم يحصلوا على جواب أميركي واضح» بشأن هذه المسألة. وجدير بالذكر أن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أعلن بعد اجتماع كيري - لافروف أن الأول «قبل عدم طرح مصير الأسد» على طاولة المفاوضات في المرحلة الحالية. وعاد ليؤكد مجددا أن المطالبة بتنحي الأسد عن السلطة «يعرقل التسوية».
ولا تستطيع العواصم الأوروبية المشككة بموقف واشنطن، التعبير عن مواقف تتناقض مع مواقفها لسبب سياسي وجيه، وهو أنه «إذا قررت واشنطن السير بحل كهذا فإن الأوروبيين غير قادرين على الوقوف بوجهها». وقد عبرت المعارضة السورية عن انتقادات قوية لمواقف الإدارة الأميركية الأخيرة. وجاءت الانتقادات على لسان رئيس الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب، وأيضا على لسان أعضاء الوفد وآخرهم بسمة قضماني الناطقة باسمه، إذ اعتبرت أن «الغموض الأميركي يضر بالمعارضة»، وأن مسؤوليها «لا يعرفون ما يدور من مناقشات بين واشنطن وموسكو»، وهي تريد أن تعرف ما إذا كانت واشنطن ما زالت «ترفض إعادة تأهيل الأسد» للمرحلة المقبلة. وتتساءل قضماني عن قدرة الطرف الأميركي على التأثير على الموقف الروسي، حيث يبدو أن «كلمة السر» موجودة اليوم وأكثر من أي يوم مضى، في موسكو. وقالت مصادر أوروبية، لـ«الشرق الأوسط»، إن واشنطن «لا تبدو مستعجلة» على رحيل الأسد عن السلطة، وإن أولى أولوياتها في المنطقة ما زالت محاربة «داعش» و«النصرة».
هل يمكن التقريب بين المواقف المتباعدة، أي مطالبة المعارضة برحيل الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية، وموقف النظام الرافض أصلا البحث في المرحلة الانتقالية أو المتمسك بتصور «ضيق» لها؟
تقول المصادر الأوروبية إن الدبلوماسية «فن صعب وأهميته أنه قادر على إيجاد مخارج معقولة للمواقف الصعبة». وإذا طبق هذا المبدأ على الملف السوري فإنه يعني البحث عن «حلول وسط»، شرط أن يكون الراعيان الدوليان مقتنعين بأن زمن هذه الحلول قد آن أوانه، وأن يكونا عازمين على استخدام نفوذهما على الأطراف المحلية والإقليمية. وتعد هذه المصادر أن السؤال عندها لن يعود بقاء الأسد الدائم أو رحيله مباشرة بعد انطلاق المرحلة الانتقالية، بل البحث في صلاحيات السلطة التي سيعهد إليها الإشراف على المرحلة الانتقالية. وعندها، فإن بقاء الأسد بروتوكوليا ولفترة محدودة وتوافر انتقال مضبوط وآمن للسلطة مع قيام الأمم المتحدة بدور الضامن والفاعل في المرحلة المذكورة، يمكن أن يشكل المخرج الذي يبحث عنه الجميع. لكن خمسة أعوام من الحروب وموت مئات الآلاف وتهجير الملايين في الداخل والخارج، يجعل حلولا مثل هذه «صعبة التصور» حتى على أحنك الدبلوماسيين.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.