تودنهوفر.. أول صحافي غربي يسمح له بدخول مناطق «داعش» ويعود سالمًا

وصف ما رآه في الرقة والموصل.. وأبو قتادة الألماني توسط لترتيب زيارته

الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر خلال زيارته للرقة («الشرق الأوسط»)
الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر خلال زيارته للرقة («الشرق الأوسط»)
TT

تودنهوفر.. أول صحافي غربي يسمح له بدخول مناطق «داعش» ويعود سالمًا

الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر خلال زيارته للرقة («الشرق الأوسط»)
الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر خلال زيارته للرقة («الشرق الأوسط»)

كان الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر أول صحافي غربي يسمح له بدخول المناطق الخاضعة لنفوذ تنظيم داعش في سوريا والعراق ثم العودة سالمًا. ففي مقتطفات من كتابه، وصف تودنهوفر ما رآه في الرقة والموصل، وكذلك اللحظة التي أدرك فيها أن السائق الغاضب المقنع كان أحد أخطر المطلوبين في العالم.
«أبو قتادة، ألماني اعتنق الإسلام وتوسط لترتيب زيارتنا لمناطق (داعش)، يتميز ببنية عريضة وطول فارع ولحية حمراء كثيفة. حملت أنا وابني المصور الصحافي فريدريك حقائبنا ووضعناها فوق سرير بالشاحنة البيضاء التي وصل فيها أبو قتادة والسائق. كان السائق يلف رأسه ووجهه بشال رمادي طويل لم يظهر من خلاله سوى عينيه وفتحتي الأنف. همس بتحية بالإنجليزية لكن بلكنة إيقاعية. ولأسباب أمنية، لم نستطع أن نسلك الطرق الرئيسية، واستغرقت الرحلة لمدينة الرقة أكثر من ثلاث ساعات».
زعم أبو قتادة في تقرير لـ«الغارديان البريطانية» أن التجارة منتعشة داخل مناطق «داعش»، فتقريبًا كل المحلات مفتوحة والكثير من البضائع يجري بيعها في الأسواق. لاحظنا الإنشاءات الجديدة، «ففي الأماكن التي لم تشهد تفجيرات تسير الحياة كالمعتاد»، وفق أبو قتادة. بعد ذلك أعطانا أبو قتادة محاضرة قصيرة عن الشريعة حسب نسخة «داعش». فعقوبة سرقة بضاعة يزيد ثمنها عن 40 دولارًا أميركيًا (28 جنيهًا إسترلينيًا) هي قطع اليد، وسعر جرام الذهب 40 دولارًا.
يقول الصحافي الألماني جارغون تودنهوفر: «يتحتم على المسيحيين دفع جزية، ضريبة حماية، وتقدر بنحو 300 دولار (210 جنيهات إسترلينية) سنويًا للفقراء، و600 دولار (420 جنيهًا إسترلينيًا) للأغنياء، وليس هناك ضريبة أخرى. يعتبر المسيحيون من بين أغنى الطبقات في البلاد، ويستطيع أي منهم ببساطة بيع زوج من الأغنام ليسدد الضريبة المستحقة عليه عن عام كامل».
ويدفع المسلمون الزكاة، الضريبة الدينية، حسب ما يملكونه من أصول، ويدفع الأغنياء من المسلمين ضرائب تفوق ما يدفعه المسيحيون، في حين يدفع الفقراء أقل. يستخدم المال في البرامج الاجتماعية، ففي مدينة الرقة، على سبيل المثال، يدير «داعش» ثلاثة مستشفيات.
في الوقت الحالي، يتولى تنظيم داعش تمويل نفسه من خلال الأصول التي استولى عليها في الحرب، ومبيعات النفط، والزكاة. في الحقيقة، وفق زعم أبو قتادة، ليس هناك أسواق للعبيد بالصورة التي نتخيلها، فالعبيد جزء من غنيمة الحرب، ولذلك فهم يذهبون إما إلى المقاتلين أو يجري بيعهم. ويبلغ سعر المرأة اليزيدية نحو 1500 دولار (1050 جنيهًا إسترلينيًا) في الوقت الراهن، وهو نفس سعر بندقية كلاشنكوف.
ويضيف تودنهوفر: «حل الظلام عند وصولنا لمدينة الرقة، وكانت سيارتنا قريبة من ساحة عامة تشبه تلك التي نراها في نشرات الأخبار، وكانت محاطة بسور حديدي، كان هو المكان نفسه الذي تعلق فيه رؤوس الأعداء للعرض أمام العامة. توقعت أن تكون الساحة أكبر من ذلك بكثير، ولم يسمح لفريدريك بالتقاط أي صور بناء على تعليمات السائق الذي بدا أن كلمته مسموعة».
سأل تودنهوفر عما فعلوه بجثث القتلى من الرهائن مثل جميس فولي وكثيرين غيره. أجاب أبو قتادة بلا مبالاة: «جرى دفن كل واحد على حدة، أو في الغالب ألقوا في مكان عميق».
من المفترض أن نذهب غدًا إلى مدينة الموصل، ولأن أجهزة الهاتف التي نحملها مزودة بنظام ملاحي «جي بي إس» لا يمكن إيقافه، فسوف يشكل ذلك خطرًا أمنيًا، وعليه سوف نترك هواتفنا هنا ولن نستطيع استردادها حتى موعد المغادرة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.