العبادي أمام «ورطة التكنوقراط».. وتساؤلات حول جدوى التغيير الحكومي

الشبهات تحوم حول الوزراء الجدد إما بشمولهم بالاجتثاث أو تهم فساد

العبادي أمام «ورطة التكنوقراط».. وتساؤلات حول جدوى التغيير الحكومي
TT

العبادي أمام «ورطة التكنوقراط».. وتساؤلات حول جدوى التغيير الحكومي

العبادي أمام «ورطة التكنوقراط».. وتساؤلات حول جدوى التغيير الحكومي

لم يعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في وضع يسمح له حتى بالقليل من المناورة لا سيما أنه أثبت ومنذ بداية حزمة إصلاحاته الأولى في أغسطس (آب) 2015 غير قادر على استثمار شتى أشكال وصيغ الدعم التي حظي بها.
فالعبادي الذي بدا شجاعا، حسب توصيف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، حين ساهم في إزاحة سلفه العنيد نوري المالكي مرتين.. مرة بقبوله أن يكون هو البديل للمالكي في سياق انقلاب داخل حزب الدعوة مرشح لمزيد من التفاقم وربما دفع الأثمان مستقبلا بسبب تزايد الضغوط على الحزب الذي يحكم منذ نحو 11 سنة من مجموع 13 سنة من عمر التغيير في العراق بعد عام 2003 مع وجود العشرات من الأحزاب بما فيها الأحزاب الشيعية لا تزال تعد نفسها هي الأفضل والأقوى لقيادة العراق، ومرة أخرى بإزاحته المالكي من منصبه كنائب لرئيس للجمهورية وهو منصب التسوية الذي منح للأخير بعد تجريده مما كان يحلم به من ولاية ثالثة.
لكن العبادي الذي يقاوم اليوم المزيد من الدعوات لاستقالته من حزب الدعوة كشرط لقبوله رئيسا لحكومة تكنوقراط مستقلة لا يريد المجازفة أكثر مما يجب في سياق ما يعده تاريخا «جهاديا» طويلا مع هذا الحزب يزيد على الأربعين عاما. ولعل الأهم من ذلك أن العبادي، رغم استمرار الدعم الأميركي له في معركته «الإصلاحية» وآخرها مكالمة هاتفية من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، لا يزال «يتعكز» على علاقة ملتبسة مع أطراف من داخل حزب الدعوة تبدو في حيرة لجهة حسم أمرها: هل تبقى مع المالكي الزعيم التقليدي للحزب رغم ما بات يواجهه من غضب في الشارع بسبب عدم استثماره واردات النفط الهائلة في عهده والتي بلغت نحو تريليون دولار، أو تلتحق بالعبادي لكي تقوي جناحه.
وطبقا لما يراه المراقبون المتابعون للشأن السياسي العراقي، فإن حيرة رفاق المالكي والعبادي تتمثل في عدم الاستقرار في العملية السياسية. ففيما حصل العبادي على الدعم من أطراف قيادية قوية في حزب الدعوة تمردت على المالكي إلى حد بدا فيه الأخير في الفترة الأولى من تسلم العبادي السلطة معزولا لا سيما مع مساعي جهات كثيرة لفتح ملفات فساد في عهده قد تطال مقربين منه، فإن عدم قدرة العبادي على المضي قدما فيما وعد به وحتى ما اتخذه من إجراءات بدت حاسمة أول الأمر لكنها تعثرت أدت إلى حصول نوع من الانقلاب في الموازين تجسد أكثر ما تجسد في العلاقة غير الواضحة حتى الآن مع الفصائل والميليشيات المسلحة التي انتمى الكثير منها إلى «الحشد الشعبي» الذي يبدو من الواضح أنه ينقسم إلى جهتين.. الأولى هي التي ترعاها المرجعية الشيعية العليا في النجف والتي لبت فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني، بينما الثانية تتمثل في الكثير من الفصائل المسلحة التي تتلقى دعما من إيران.
العبادي حاول ولا يزال فرض سلطته على هيئة الحشد الشعبي بوصفها هيئة حكومية تتبعه كقائد عام للقوات المسلحة لكن الصراعات داخل هيئة الحشد الذي يحاول المالكي استغلالها لصالحه لجهة تقوية موقفه داخل المؤسسة العسكرية حيث لا يزال يملك نفوذا فيها.
الوتر الذي لا يزال يعزف عليه العبادي هو الإصلاح والذي طوره أخيرا إلى ما سماه «التغيير الجوهري» من خلال حكومة تكنوقراط. وبينما حاول العبادي محاصرة الكتل السياسية القوية داخل البرلمان مستعينا بالمظاهرات الجماهيرية فإن دخول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على خط المظاهرات ومن ثم تحويلها إلى اعتصامات مع نصب خيمة خاصة له داخل المنطقة الخضراء أدى إلى تغيير حاسم في موازين القوى داخل البيت الشيعي الذي لا يزال يواجه تحديات صعبة وصلت إلى حد احتمال صدام شيعي - شيعي عند بوابات المنطقة الخضراء بين أنصار الصدر وحمايات المنطقة الخضراء وكلاهما ينتمي إلى المكون الشيعي.
ومارس الصدر ضغوطه الخاصة على الجميع بحيث أجبر العبادي على حمل أكثر من مظروف مغلق وهو يدخل قبة البرلمان، من بينها استقالته أو وزراء تكنوقراط. كما أجبر الكتل السياسية على التصويت على الموافقة على المبدأ مع دراسة السير الذاتية للوزراء التكنوقراط.
صراع الإرادات بين الصدر والعبادي من جهة وبين العبادي والكتل السياسية من جهة أخرى انتهى إلى تسوية مؤقتة لامتصاص غضب الشارع وإقناع الصدر بتشكيلة التكنوقراط التي بدت هي الأخرى ورطة للجميع بمن فيهم الوزراء المرشحون وأولهم مرشح حقيبة النفط الذي أعلن انسحابه في اليوم التالي بينما بدأت الشبهات تحوم حول آخرين ضمن التشكيلة إما بشمولهم بالاجتثاث أو تهم فساد وهو ما يعني عودة الجميع إلى المربع الأول مع المراهنة على عدم قدرة الصدر على تكرار تجربة تحشيد الشارع التي مرت بسلام في المرة الأولى، لكن قد تكسر الجرة هذه المرة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم