خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

حربها الداخلية تضعفها أمام الجيش الأفغاني المدعوم دوليًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
TT

خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)

تجد حركة طالبان، التي كانت صاحبة القوة التي يحسب حسابها في أفغانستان، نفسها هذه الأيام في موقف لا تحسد عليه. فهي تعاني من انشقاقات داخلية حادة، تجعلها ضعيفة في الميدان والعمل العسكري. وفي السياسة برزت أطراف وجماعات منشقة عنها، أو متمثلة في «الحزب الإسلامي» الراغب في خوض غمار العمل السياسي مع الحكومة الحالية وإنهاء الصراع. ثم إن الجيش الأفغاني، بحسب المراقبين العسكريين، أثبت أنه قادر على البقاء والصمود، وهذا ما حدث خلال السنة الماضية، حين ضغطت طالبان وألقت بثقل جميع قواها من أجل السيطرة على المحافظات والبلدات، لكنها فشلت.
بعد وفاة زعيم طالبان المؤسس المثير للجدل، الملا محمد عمر، الذي كان يلقب بـ«أمير المؤمنين» من قبل أنصاره، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، دخلت حركة طالبان الأفغانية المتشددة مرحلة جديدة من حياتها السياسية والأمنية. إذ تصاعدت الخلافات الداخلية في صفوف قيادات الحركة، لا سيما بعد نشر أخبار تفيد بأن مساعد الملا عمر، وهو الملا أختر منصور، الذي عين خليفة له مباشرة بعد تأكد الوفاة، متورط في عملية اغتيال الزعيم الروحي للجماعة في باكستان، وأنه لم يمت موتة طبيعية.
هذه الأخبار - أو الشائعات - تناولتها مواقع أفغانية وباكستانية مقربة من طالبان على ألسنة قادة ميدانيين في الحركة، ومن مصادر مقربة من الملا عمر. وهذا ما أدى إلى انشقاقات كبيرة في صفوف طالبان، وإعلان قيادات مركزية كبيرة رفضها زعامة الملا أختر منصور، ومن ثم إعلانها قيادة جديدة وإمارة مستقلة أطلق عليها «شورى الإمارة الإسلامية» بزعامة الملا محمد رسول، وسرعان ما انضم إليه قادة بارزون في الجماعة، وسيطروا على بلدات وقرى في جنوب وغرب البلاد. ووقعت اشتباكات ضارية بين الفصيل المنشق وأنصار أختر منصور، راح ضحيتها المئات من الطرفين، تحديدا في ولاية هراة بشمال غرب أفغانستان.
وتصديقاً للقول الشهير «الثورة تأكل أبناءها»، توسعت المعارك والخلافات الداخلية في صفوف طالبان، وانتقلت بشكل سريع إلى محافظات أفغانية أخرى. وبدأت المعارك الطاحنة بين الفصائل المنشقة عن «طالبان الأم»، ونتيجة لذلك ضعفت شوكة طالبان أمام عمليات الجيش الأفغاني الذي ينشط بشن عمليات تمشيط في عدة مناطق بجنوب وشرق وشمال البلاد.
المحلل السياسي الأفغاني، نظر محمد مطمئن يقول: «إن الحديث عن عملية المصالحة مع فصيل دون غيره، أو محاولة التقرب من جماعة محسوبة على طالبان من قبل الحكومة وحلفائها دون غيرها، إشارة إلى عدم جدية قضية الحوار المنشودة. وإن الحكومة وداعميها يسعون إلى إيجاد مزيد من الشرخ والانشقاق في صفوف طالبان». وتابع: «إن التجارب السابقة كانت تشير إلى أن طالبان وحدة قوية، ولا يمكن حدوث شرخ كبير في صفوفها بحيث تتمكن الحكومة من اختراق الجدار المنيع لجماعة (طالبان الأم) التي بقيت متماسكة خلال السنوات التي تلقت فيها ضربات كبيرة من قبل قوات التحالف، لكن الوضع قد يتغير الآن».
الواقع أن طالبان لا تعاني من أزمة داخلية فحسب، وإنما تواجه خطرا آخر يمثله «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، أحد زعماء المجاهدين السابقين، الذي ظل يقاتل الحكومة والقوات الدولية على مدى السنوات الـ15 الماضية، ويعتقد أنه يختبئ في مكان ما في مناطق حدودية بين أفغانستان وباكستان، وأنه يقود معارك مسلحة ضد الحكومة والحضور الأجنبي في البلاد.
بيان «الحزب الإسلامي» تطرق إلى حدوث مشكلات بينه وبين طالبان خلال السنوات الماضية من الحرب. وتحدث عن سلسلة من الاغتيالات والعمليات يزعم «الحزب الإسلامي» أن «طالبان نفذتها ضد أنصاره»، منها اغتيال كل من حاجي عبد الغفور، والمولوي رحمان غل، والمولوي هاشم، الذين قتلوا في شرق البلاد على أيدي طالبان.
هذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها «الحزب الإسلامي»، أحد أطراف الصراع الداخلي بعد هزيمة الروس في أفغانستان، وزعيمه حكمتيار، سياسات طالبان، بل سبق له فعل ذلك مرات عدة. كذلك لم تقتصر الخلافات على البيانات السياسية، بل وقعت أيضا مواجهات مسلحة بين أنصار الحزب والحركة في مناطق مختلفة من البلاد، على مدى السنوات الماضية. غير أن الجديد في بيان الحزب الأخير، هو الدعوة إلى «انتفاضة» ضد طالبان التي وصفها البيان بـ«ألد أعداء المجاهدين»، وضد كل من يقف في وجه أجندات أجنبية، والتوعد بالثأر لمن قتل من أنصاره بيد الحركة.
الخلاف بين الحزب وطالبان ليس وليد الساعة، بل هناك تراكمات وخلافات كبيرة بين الطرفين، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن التوتر بين الجماعتين يأتي في خضم حالة من الإرباك والتصدعات الداخلية في صفوف طالبان، مع استمرار المواجهات المسلحة، التي وصفتها القبائل بـ«الأعنف»، بين أنصار الملا أختر منصور، وأنصار الملا محمد رسول، في غرب البلاد. ولقد أدت المعارك خلال مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل أكثر من 200 مسلح من الطرفين. وما زالت المواجهات متواصلة وامتدت إلى مديريات عدة بإقليم هراة بعد ما بدأت في مديرية شين دند، ذات الغالبية البشتونية.
ومن ناحية ثانية، تسود حالة من التوتر بين فصائل طالبان في إقليمي بكتيكا وغزنة، بسبب المعارك التي دارت على مدى الأسابيع الماضية بين الحركة ومجموعة تابعة لقيادي منشق عنها، يدعى عبيد الله هنر. وأعلن قيادي مهم آخر في طالبان بشمال البلاد، هو المولوي عبد السلام، الانشقاق عن الحركة والحرب عليها، مدعيا أن لديه مئات المقاتلين المستعدين للانقضاض على جماعة أختر منصور، التي يصفونها بأنها «صنيعة المخابرات الباكستانية». ووسط هذا الجو من الخلافات والصراعات الداخلية، قد يكون الصراع مع «الحزب الإسلامي» مهمة صعبة لن ترغب فيها طالبان، بل إنها لا تريد أن تكون جزءا من الصراعات الداخلية، كما تدعي الحركة في بياناتها المختلفة، وفي تعليقات لها على المواجهات الداخلية. وفي أي حال، فإن الخلافات الداخلية في طالبان، والأزمة الجديدة مع «الحزب الإسلامي» عاملان أديا إلى تعثر مساعي الحوار، على حد وصف المحللين. وفي رأي عبد الحي ورشان، الصحافي الأفغاني، فإن حركة طالبان «لم تعد حركة متماسكة بعد وفاة زعيمها، بل انشقت إلى فصائل وتوزع قياداتها وأصبح لدينا قيادات ميدانية متعددة ومتناحرة». وأضاف ورشان: «إن طالبان بعد هذه الخلافات والانشقاقات الحادة في صفوفها، صارت فريسة لتحقيق أهداف استخباراتية أجنبية، والكل بات يحاول استعمال طالبان وفصائلها الكثيرة والتناحر لصالح أهداف سياسية وأمنية». وأردف: «إن هناك طالبان وقعت في أحضان إيران، وطالبان أصبحوا موالين لروسيا في البلاد، وهمهم الآن هو التصدي لتوسع داعش في مناطق الحدود مع دول آسيا الوسطى، في شمال وشرق البلاد».
هذا، وكان من المتوقع انطلاق عملية الحوار المباشر بين طالبان والحكومة الأفغانية في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الماضي برعاية باكستانية، غير أن طالبان رفضت في 5 مارس الحوار المباشر مع الحكومة، وأعلنت أنها لن تعود إلى الطاولة حتى إنهاء الحضور الأجنبي في أفغانستان بشكل كامل، وذلك على الرغم من التغيير في موقف الحركة أخيرا، بعد جلسات الحوار التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، وإسلام آباد. وفي أول رد لها، وصفت الحكومة الأفغانية موقف الحركة بـ«الإرجاء التكتيكي»، معربة عن أملها في عودتها إلى طاولة الحوار قريبا. وكانت تصريحات نائب وزير الخارجية الأفغاني، حكمت خليل كرزاي، مهمة للغاية بهذا الشأن، وجاء فيها: «في الاجتماعات الرباعية بين كابول وإسلام آباد وواشنطن وبكين بشأن الحوار، تم الاتفاق على مشاركة أربع جماعات مسلحة في الحوار». واليوم يعتقد مراقبون أن «مشاركة تلك الجماعات هي النقطة الأساسية التي بسببها رفضت الحركة الحوار مع الحكومة، إذ إن طالبان كانت ترى أنها هي الوحيدة التي تمثل جانب الحركات الجهادية، وأن مفاتيح المعضلة الأفغانية بيدها، ولكن مشاركة جماعات أخرى كانت أسباب استياء الحركة، لا سيما وأن الحركة تزعم أن جماعتين منها معارضتان لها، ومواليتان للحكومة».
أما الجماعات الأربع المعنية فهي:
1- حركة طالبان، التي يطلق عليها البعض تسمية «جماعة الملا أختر منصور» خليفة الملا عمر، وعلى الرغم من أن منصور من مؤيدي عملية السلام مع الحكومة، إلا أنه يعاني داخل التنظيم من معارضة قيادات مهمة للحوار، مثل عبد القيوم ذاكر، رئيس المجلس العسكري السابق. ويخشى منصور من أن يؤدي استئناف عملية السلام إلى تجديد الخلافات. كذلك ترغب الحركة في أن تكون الجهة الوحيدة التي تمثل التنظيمات الجهادية في الحوار مع الحكومة. وبسبب ترددها تدهورت العلاقات بينها وبين إسلام آباد، إذ إن ثمة تقارير تشير إلى قيام الأخيرة بحملة ضد بعض قيادات الحركة، وقد اعتقلت 14 شخصا منهم في إقليم بلوشستان مؤخرا.
2- جماعة «شورى الإمارة الإسلامية»، المنشقة عن طالبان والتي تتمتع بنفوذ واسع في جنوب وجنوب غربي البلاد، وتضم قيادات مهمة ومن مؤسسي طالبان، مثل الملا عبد المنان نيازي والملا رسول نفسه.
3- «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، خصوصا مع إعلان استعداده للحوار مع الحكومة، وربما بشروط أسهل من شروط طالبان.
4- «شبكة حقاني» المتهمة أفغانيا بأنها ترعى المصالح الباكستانية، وتعد مقربة من تنظيم «القاعدة». وهذه تعد من أكثر الجماعات تنظيما بين الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الأفغانية، وهي أيضا من أقرب الجماعات المسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. وعلى الرغم من قربها من طالبان، فإنها تتبع سياسات مختلفة تماما.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».